مجالس أمناء الجامعات: مقاربة نحو نهج إداري جديد
كتب المحامي صدام ابو عزام - لم يعد يخفى على المتابع لشؤون الجامعات في الاردن حالة الإضطراب المؤسسي في مرافق الجامعات الرسمية والخاصة على حد سواء، ويدرك حقيقة مفادها أن كافة السبل والوسائل التي تم إنتهاجها على مدار السنوات الماضية لم تكن سواء وصفات أنية وإستجابات إنفعالية للإحتواء، بإعتبار أن الواقع أكبر دليل على عدم نجاعتها، وما تلبث أن تفكك تلك الوصفات تدرك أنها كميومياء ما أن تفك أربطتها حتى تتطاير في الهواء.
ولا بد من التاكدي على أن النهج الاداري القائم على تشكيل مجلس أمناء أو مجالس ادارة أصبح تقليدي بل وامام تقدم وتطور طبيعة عمل المؤسسات التعليمية قد يصبح معيق واقعي، وتطالعنا التجارب العالمية بالعديد من التجارب: منها الملكية العمومية للدولة وادارة وفقاً لأحكام القانون، أو ملكية خاصة مع قانوني يضمن الجودة والنوعية ويستقل القطاع الخاص في اختيار شكل الادارة، والشكل الأخر الوقفيات وتشكيل لجان من المجتمع المحلي تضمن ديمومية التواصل مع المجتمع المحلي ودعم مسيرة المرفق الجامعي في تحقيق اهدافه.
في الاردن، يتربع على هرم المؤسسات التعليمية مجالس أمناء تستمد شرعيتها واختصاصات من التشريعات الناظمة للعملية التعليمية بشكل عام، ولعل غياب الرؤيا أو ضبابية الادوار وطبيعة الاختيارات لعضوية تلك المجالس شكلت ممارسات سلبية وكرست أدوار نمطية لا تتجاوز الاجتماعات الصورية والحضور المادي بعيداً عن الحضور المعنوي والفكري.
لعل من المفيد في ظل الحديث عن تطوير منظومة التعليم والحد من العنف الجامعي والتخلص من عجز الموازنات في الجامعات والحد من التضخم الاداري على حساب الفقر الفكري والفني، أن يتم الحديث عن مجالس أمناء للجامعات من حيث التشكيل والاختصاصات والصلاحيات والمهام بشكل واضح وصريح بموجب تعديل على قانون التعليم العاليم بأن يتضمن فصلاً حول معايير الاختيار والصلاحيات والمهام المنوطة بهم.
وبإعتبار هذا الشكل الاداري تقليدي وقديم، يمكننا تطوير نهج اداري حديث يتساوق مع التجارب العالمية في إدارة المرافق الجامعية العالمية والعريقة، والتي تم إخبارها على مدار قرون من الزمن، تكمن أولى تلك الخطوات بإعتبار الجامعات وقفاً عاماً لعموم المواطنين ويسري عليها ما يسري على اموال الوقفيات وآلية إدارتها، وتوجيه القطاع الخاص ومجالس الامناء لإدامة هذه المرافق، وإعتبار قطاع التعليم عمومي بإمتياز كونه حقاً من حقوق الانسان الاصلية الواجب كفالتها كمياً ونوعاً من قبل الدولة، هذه أحد المقاربات.
إن تدعيم البناء المؤسسي وحصانته من أهم دعائم وإستقرار المرفق الجامعي، وثبات هذا البناء أحد المؤشرات على نجاح النظام التعليمي وقدرته على تطوير مخارج لكافة الصعوبات التي تعتور مسارها المؤسسي. هذه المعطيات وغيرها يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار حين استكمال الجوانب الادارية لمرافق التعليم.
غياب الرؤيا الاستراتيجية للجامعات وهياكلها الاداية بما فيها مجالس الامناء أعلى تلك المراجع، جعل منها عبئاً مضافاً على الكيان المؤسسي للجامعات، وكرس ممارسات سلبية تجاه الادوار التي يمكن أن يمارسها اعضاء مجلس الامناء، فالبرغم من ان هولاء من الذوات والشخصيات العامة والذين لهم بصمات بيضاء في عدة قطاعات محلية وعالمية، الا انهم مغللوا الايدي والصلاحيات في الاسهام في البناء الايجابي في الجامعات. مما جعلها كمناصب تشريفية لهولاء الاعضاء.
أولى الخطوات الاصلاحية التي يمكن الحديث في هذا الاطار:
اولا: مراجعة التشريعات الوطنية بما يكفل تحديداً لمهام وواجبات مجلس الامناء وانخراط هولاء الاعضاء في ادارة المحاور الفنية لمسار العملية التعليمية في التخصصات من خلال تقسيم عملهم الى لجان حسب الخبرة والدراية والمعرفة وحقل التخصص.
وثانيا: أن يتم وضع خطة استراتيجية لمجلس الأمناء تعلن للعموم وفقاً لخطط زمنية واضحة وقابلة للتنفيذ، وان تخضع للتقييم لتبيان حجم الانجاز والاخفاق والقيام بالادوار والمسؤوليات، وان تكون تلك المخرجات أحد معايير التقييم الموضوعي والمحايد للمجلس والإدارة الجامعة.
اشراك القطاع الخاص في من خلال التفعيل الحقيقي لقانون الشراكة بين القطاع العام والخاص، وبما يعود بالنفع والفائدة على القطاع الخاص والاستفادة من مخرجات التعليم والعملية البحثية في المرافق التعليمية.
تبني خطط وطنية لإشراك مؤسسات المجتمع المدني أو تطوير صيغ للتعاون معها، من خلال الاسهام في بعض النشطات اللامنهجية أو في بعض الحقوق الفنية التطبيقية التي تتطلب ذلك، وفي ذات السياق تطوير ومراجعة اليات وإجراءات المسؤولية الاجتماعية ففي كافة التجارب العالمية كانت الجامعات القطاع المرغوب فيه من قبل شركات القطاع الخاص لتنفيذ بند المسؤولية المجتمعية.
كل هذه المعايير وغيرها ظلت غائبة عن تشكيل مجالس أمناء الجامعات في الحقبة الزمنية المنصرمة، وباتت ملامح العزلة واضحة بين أعضاء مجالس الأمناء والمرافق الجامعية بكل مكوناتها لا تخفى على كل ذي لب، واصبحت العضوية في تلك المجالس شكلية فخرية فاقدة لبذور نشأتها وتكوينها. وعليه نغدو بأمس الحاجة الى إعادة النظر بالنهج الاداري المتبع في عمليات إدارة الجامعات، وتبني نهج إداري حساس للعملية التعلمية وطبيعة المؤسسة التعليمية.