jo24_banner
jo24_banner

تشوهات تشريعية تلحق الضرر بالبناء المؤسسي للدولة

المحامي صدام ابو عزام
جو 24 :
في مرحلة زمنية معينة، تم خلق قناعة لدى صناع القرار بأن تعديل قانون منع الجرائم اولوية تشريعية تحتل مكانة بارزة على سلم اولويات الدولة الاردنية، وانه لا مفر من تعديل هذا القانون، تم انضاج هذه القناعة نتيجة تحولات في العقل المؤسسي المحافظ المتمسك بالادوار التقليدية التي يقوم بها الحاكم الاداري والمستمدة من حقب زمنية أكل عليها الدهر وشرب.

جلالة الملك، صاحب المبادرة الاولى في اطلاق التوجيهات المباشرة للكافة للمضي قدماً في انتاج ادوار غير تقليدية للحكام الاداريين جلها يتعلق بالعمل التنموي، ففي اكثر من مناسبة تم الاشارة جهاراً نهاراً الى ذلك.

خضع قانون منع الجرائم لحملة دفاع - اقل ما يمكن وصفها بالشرسة- مفادها المناداة بعدم المساس بهذا القانون، على ذرائع من القول: بـ السلم المجتمعي، والخصوصية، واصحاب السوابق، الا ان إرادة التغيير كانت تدفع بإتجاه التعديل بما يتفق مع اصول البناء المؤسسي الرصين، وبما لا يخل بجوهر المبادئ الدستورية والقانونية، وبما يضمن عدم التغول على السلطة القضائية وتقويض مبدأ سيادة القانون، وتفعيل ضمانات المحاكمة العادلة.

اذ تم نشر مشروع قانون معدل في عام 2010 وتلا ذلك تعديلات طفيفة على القانون، ولا يفوتنا التأكيد على ان المبادرة النيابية تبنت طرحاً تقدمياً بفتح حوار مع الجهات ذات العلاقة حيال مضمون هذا القانون وتقديم تصور شمولي للتعديل.

خيبة أمل، للأسف يصاب بها المطلع على مشروع القانون المعدل لقانون منع الجرائم، ففي الوقت الذي تتكاتف فيه اركان الدولة ومكوناتها لتوطيد مبادئ العمل المؤسسي وترسيخ قيم المواطنة وسيادة القانون وضمان حقوق الانسان، يطالعنا هذا المشروع بفكر تقليدي محافظ، سوغ لنفسة ان يدرج في متن المشروع المقترح نصوصاً لا يمكن وصفها الا بتشوهات تشريعية تلحق بالغ الضرر ببناء وكيان الدولة المؤسسي.

للأسف، مشروع القانون لم يضف جديداً بل زاد الامر تعقيداً، في محاولة هجينة لتقنين ما تعارف عليه جموع المواطنين من عادات وتقاليد من مثل: عطوة اعتراف، وعطوة امنية، وعطوة تفتيش، الجلوة ، وغير ذلك، ومع التاكيد في ان هذه المفاهيم والعادات كانت في حقبة زمنية هي السائد وأملتها الظروف الاجتماعية والمؤسسية في تلك الازمنة.

لا يستقيم العمل الوطني والمؤسسي وسيادة القانون في زج تلك المفاهيم في قانون منع الجرائم، بل ان في تشريعها انقضاض على المشروع الاصلاحي الوطني، بل ويضع كل الجهود الوطنية في حالة تناقض، ففي الوقت الذي تسعى فيه الدولة بكافة مكوناتها الى انضاج المشروع الاصلاحي السياسي والاداري والاقتصادي، يطالعنا اصحاب فكر تقليدي محافظ يجدون الرجوع الى الخلف تقدم.

إن اساس ومنطق الفكر القانوني السليم يقضي بأن تبنى النصوص التشريعية لتحقيق وإعمال فكرة العدالة بمضامينها التبادلية والتوزيعية والتدريجية، وان مبتغى القانون توطين المبادئ التي تعزز المواطنة القائمة على ركائز العدالة، والمساواة، والحرية، والكرامة، وسيادة القانون، وأي عمل يمس جوهر تلك الاصول فهو رد.

لماذا، هناك توجه بأن يبقى المجتمع الاردني موسوم بالعشائرية الضيقة، لماذا لم يتم البناء على الفهم العشائري الذي يكرس ويرسخ قيم الاصالة مع المعاصرة، وقيم الحضارة القائمة على التسامح، والعدالة، وعدم الاعتداء على الغير، وإغاثة الملهوف، والكرم، وتعميق تلك المفاهيم ضمن إطار مفاهيمي لا يتناقض مع مفهوم الدولة وسيادة القانون.

لا بد ان يدرك من يبث وينشر هذا التوجه - ولو بعد حين - ان ذلك يتناقض مع جوهر البناء الوطني، حتى في أحلك الظروف وفي ذروة التطبيق لتلك الاعراف لم يسجل التاريخ لوثة فكر لتقنين مثل تلك العادات في قانون، وكان الاجدر بمن يعتبرون انفسهم من رجال الوطن، ان يصرفوا جل جهدهم الى معاينة التشريعات التي أدت الى انتشار الجريمة وشيوعها، وتغليظ العقوبات على الاخطر منها، وتطوير ادوار اعادة التأهيل والدمج المجتمعي لنزلاء مراكز الاصلاح والتأهيل، واعادة الهيبة لمؤسسات المواطنة ابتداء من الاسرة مروراً بالمدرسة ودور العبادة والمساجد وانتهاء بالجامعات، وتعزيز عناصر المواطنة الفعالة من قيم المشاركة العامة والتطوعية.
تابعو الأردن 24 على google news