jo24_banner
jo24_banner

غربة الأوطان

احمد محمود سعيد
جو 24 :
عندما تصبح الغربة هي الأمان............ تكون الأوطان في خبر كان
نبحث عن وطن لنموت فيه براحة
هناك ظواهر تكون اشد خطورة على الإنسان الشريف المخلص لذاته ووطنه من ايِّ شيئ يتعرّض له في حياته من فقر وجوع وتعب وغيره ومن تلك الظواهر كانت الهجرة من الريف للمدن وكانت خطورة هذه الظاهرة في تدمير الثروة الزراعية التي كانت هي المصدر الأول للدخل وحب الأرض بل وللترابط الأسري وغيره من معاني العزّة .
وكان من آثار تلك الظاهرة ان استبدل الناس الأراضي الخضراء بابنية من الحجر والخرسانة والزفتة والمصانع واستبدل الهواء النقي النظيف بغازات سامّة ارهقت صحّة البشر ولوّثت الأجواء والطبقات الحامية للكرة الأرضيّة ورفعت درجة حرارتها وادخلت علينا مصطلح التغيُّر المناخي والدفيئة المسبّبة للموت البطيئ للبشر والكون الواسع وما نتج عن ذلك من نفايات خطرة وسامّة تسير في ذاك المنحى .
وأمّا في العالم الثالث وخاصّة في بعض من عالمنا العربي فهناك ظاهرة نتجت عن الفقر والجوع والدكتاتوريّة وتكميم الأفواه وغياب الديموقراطيّة والصدق وكبْت الحريّات والإنحلال الخلقي والتفكُّك الأسري والإبتعاد عن الأديان وانهيار منظومة الأخلاق والقيم والحاكميّة الرشيدة فيها والوهن الذي اصاب المجتمعات وسيادة الفساد والأنانيّة فيها وتلك الظاهرة ترسّخت في عقول الشباب والصبايا على حد سواء ما بين السادسة عشر وحتى الخامسة والعشرين من العمر حيث إزداد تفكير هذه الفئة من الشباب بالبحث عن بلد آخر غير وطنهم لإكمال دراستهم او البحث عن عمل او جنسية او إقامة دائمة فيه وذلك هربا من الوضع في بلده او للشعور بالإحباط الشديد لغياب العدالة والمساواة او لشدّة الوقع على الإنسان من ظلم او فقر او جوع اوللفجوة الكبيرة وغير المبرّرة بين الأثرياء والمسؤولين من جهة وبين عامّة الناس من جهة اخرى لدرجة لا تُطاق ولا يتقبلها منطق فتصبح الحياة في بلد الغربة بما فيها من حنين وشوق وقد يصل الى درجات القسوة في الحياة هي ارحم واشرف من العيش في الوطن الأم وهذه الظاهرة تعانق الغني والفقير بل وتتخمّر في عقل ابن المسؤول قبل ان تدخل لعقل ابن الفقير وتبدأ رحلة الشباب الى بلد الإغتراب بإعتباره بلد الآمان مهما علت اصوات المسؤولين بأكاذيب ليس لها على ارض الواقع أي أثر .
وقد اصبح الكثير من الآباء والأمهات اختيار الدراسة على المنهاج البريطاني اوعلى النظام الأمريكي لأبنائهم منذ الصغر بحيث يختصر الطالب سنوات الدراسة مدة سنة واحدة على ما اعتقد كما يكتسب الطالب مهارة التكلم والكتابة باللغة الإتكليزيّة بشكل افضل إضافة للسبب الرئيس وهو يكون الطالب مؤهلا للتعلم الجامعي خارج البلد كما قد تكون الفرصة متاحة امامه مستقبلا للحصول على إقامة دائمة او جنسيّة البلد الذي يدرس به .
إنّ تفكير ابناء المجتمع بهذه الطريقة وتأكيد صحّة هذه الفكرة مع مرور الزمن وتواصل احداث المنطقة الدامية كما ان إزدياد الشعور بالإحباط وخوف الأهالي على ابنائهم فلذات اكبادهم بينما يرون عليّة القوم يرسلون اطفالهم للتعلُّم خارج البلد من صغرهم وينفقون عليهم الملايين واغلبها من موازنات حكومات الدول , يجعل الشباب يشعرون ان بلد الغربة هو بلد الأمن والآمان ومع مرور الزمن سنجد بعد عدة سنوات ان الأوطان اصبحت في خبر كان وعندها مهما حاول المسؤولين الإصلاح فلن يستطيعوا شيئا .
ولمحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه فيجب على المخلصين في حكومات عالمنا الثالث ان يحاولوا إعادة الثقة بين المواطنين وحكومات بلدانهم من خلال التعامل بعدالة ومساواة وان تحاول إصلاحا حقيقيا نحو السير بالمجتمع نحو الديموقراطية واحترام حق الإنسان بحياة كريمة وتوفير وسائل الأمان له ولأولاده وتخفيف الفوارق الطبقيّة في المجتمع وتقليل الفجوات في الدخول والإمتيازات بين ابناء المجتمع الواحد .
وما يضع تلك الظواهر موضع تساؤل انه في الماضي كان يبحث الفرد عن راتب افضل من راتبه في وطنه بقصد تحسين احواله وتوفير بعض المال تفيده في شيخوخته ويعود لوطنه بعد عدة سنوات في الغربة أمّا الآن فإنّ الفرد في عالمنا الثالث فإن الراتب غير مهم مهما كان ولكنّه يبحث عن فرصة عمل مهما كانت ليتمكن من العيش وفي الواقع هو يبحث عن فرصة الهروب من الظلم والإستبداد لوطن آخر يستطيع ان يموت فيه براحة بعد ان اصبح يعيش مغتربا في وطنه الأصلي وباتت غربته هي وطنه الذي يرتضيه .
وحيث ان ارض الوطن وهوائه ليس له علاقة بمعيشة الفرد وراحة باله إنّما هو الفرد نفسه سبب تعاسة البشر وفساد حياته وذلك ليس له علاقة بالفقر والغنى وإنّما هي نفسيّات البشر وطموحاتهم الشرّيرة وأحلامهم الكاذبة وآمالهم الوهميّة وأمانيهم الخادعة وإذا خلطنا كل تلك الكلمات مع بهارات الجشع والنفاق والتسلُّط والكراهية والحسد والحقد وسكبنا عليها دموع الكذب وخلطناها بايدي الحرمنة والفساد لحصلنا على مواطن سيّئ ومسؤول أسوأ ومجتمع فاسد يكاد يكون في طريقه ليتحول الى مجتمع من الكراهية والضلال لا سمح الله .
حمى الله الأردن ارضا وشعبا وقيادة من الكراهية والضلال وثبّته على طريق الهدى وحبّب شبابه فيه .


ambanr@hotmail.com
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير