وداعا لراحة البال
احمد محمود سعيد
جو 24 :
وراحة البال في المعنى الدارج والأقرب لحياة الإنسان هي راحة النفس البشريّة وهذه النفس تأتي بالراحة للإنسان عندما تؤمّن حاجاته الأساسيّة من مأكل ومشرب وصحّة وتعليم ومسكن يأويه ووظيفة يعيش من دخلها وأمن وأمان لحياته تلك الشروط التي تتطلبها حياة أي إنسان لكي يعيش بكرامة وحريّة وراحة بال .
ولغويا هذا هو التوازن الذى يعطينا القوة ويجلب راحة البال , وكل المال في العالم لن تشتري لك راحة البال , وراحة البال هو الشيء الجميل جدا أن يكون .
ولعلّ ما يفقده البشر من وفيات مع استفحال جائحة الكورونا التي تجتاح العالم ومع دفن الأموات في مختلف بقاع الأرض أو حرقهم عند بعض الشعوب وعجز العالم عن إيجاد لقاح مناسب ليشفي غليل البشر أو ينسيهم احلك أيامهم التي يعيشوها والتي افقدت الكثيرين راحة بالهم وحمّلتهم هموما كثيرة.
لعلّ من أهم العوامل التي تلصق بالكلمة أو العبارة ظلالا عاطفية عامل الاستخدام، فتداول اللفظ بين الناس يصبغه بمشاعر مستخدميه ويكسبه رصيدا انفعاليا، ومن أدلة ذلك كلمة ‘عصابة’ التي قصّرها الاستخدام الحديث على الجماعة الخارجة عن القانون، مع أن استخداماتها القديمة لا تدل على ذلك، فقد وردت في شعر حسّان بن ثابت في المدح، حيث يقول: لله در عصابة نادمتهم يوما بجلق في الزمان الأول .
ومن العوامل التي تكنز اللفظ بإيحاءات انفعالية الطبيعة العاطفية للمدلولات نفسها، كما في الكلمات الدالة على القيم كالحرية والعدل والمساواة والكرامة ، وكذلك الصفات المستهجنة أو المحببة للنفس مثل حقير وبغيض، وعظيم وجميل ورائع.
ومن عوامل الشحن العاطفي أيضا طبيعة التركيب الصوتي للكلمة أو العبارة، كما في قول دريد بن الصمة يرثي أخاه صبا ما صبا حتى علا الشيب رأسه فلما علاه قال للباطل: ابعد
فالوقع الصوتي والجرس الموسيقي والنمط التركيبي لعبارة "صبا ما صبا" ألبست المعنى ثوبا من العاطفة لائم المعنى الأساسي الذي يعبر عنه الشاعر، وأسهم من جهة أخرى في إظهار حسرته وحرقته على وفاة أخيه.
وحتى تلك المناسبة التي يفقد فيها الإبن أمّه او أباه أوأخته أو أخاه أو ضناه وللبعد قد لا يستطيع أن يودِّع الإنسان عزيزا عليه لإنقطاع المواصلات أو إغلاق الحدود او الحظر وخوفا من إنتقال المرض والعدوى وغير ذلك من ظروف سيئة فلا راحة بال !!!
ويتسائل البعض ما الذي حدث وهل هي إرادة الله حقيقة أم إتفاق عالمي لتغيير سياسات وقادة أمم ونهاية شعوب وهل ما حدث بفعل فاعل أم بخطأ طبيِّ او مخبريُ أم هي لعبة الأمم التي صورها الكاتب مايلز كوبلاند باحجار الشطرنج ولم يهتز العالم فى تاريخه لكتاب كما فعل عند ظهور كتاب (لعبة الأمم) الذي صدر فى عام 1969، ونفدت طبعته اللندنية الأولى فى ثلاثة ايام فقط، ويصور فيه الأمم كقطع شطرنج يجرى تحريكها من قبل وزارة الخارجية الأميركية، وبحسب سيناريوهات تتفق و لعبة الأمم, عنوان كتابه.
وإذا كان هذا هو حال العالم، فقد كان لكتاب كوبلاند بالنسبة للعرب وقع الزلزال، بعد أن اتهم فيه بعض زعمائهم بالخيانة، وآخرين منهم بالعمالة، وكشف فيه عن أسرار ديبلوماسية ما وراء الكواليس فى المنطقة العربية، واختراق المخابرات المركزية الأمريكية (سي. آي . إيه) لأنظمة الحكم فيها، وأظهر سلوك حكام ورجالات سياسة عرب فى صور مغايرة لما كان شاائعا ومعروفاً عنهم قبل خروج كتابه للنور، وكان دوره المحوري فى الأحداث أو معايشته لما يجري، هو مصدر توزيع الكتاب، الذي يثير إشكاليات كثيرة فى عالمنا العربي حتى يومنا هذا ولعبة الأمم كتاب مصنف بأنه كتاب خطير جداً لأنه يتضمن أسرارا تتعلق بأزمات سياسية بقيت فى طي النسيان، وزعامات زلزل الكتاب الأرض تحتها، ودفع البعض لإعادة تقييم مواقفها من الأحداث، التي شهدتها فترات حكمها , وقد كان لما حدث بعد ما سمِّي الربيع العربي من تغيير قادة مخضرمين وتغيُّر سياسات بشكل جذري وتغيُّر مواقف الشعوب وإنطلاق مظاهرات تطالب بالتغيير في كثير من البلدان العربيّة وأدّى الى تغيير سياسات بعض الدول العربيّة .
أمّا بخصوص الدول المتقدِّمة التي تبّجحت بالديموقراطيّة والحريّة فلزعماء بعض دولهم أكثر دكتاتوريّة من الكثير من دول العالم الثالث , ولكن الإعلام من جهة والمصداقية في الطرح المبنيّة على التربية للأطفال منذ الصغر لها تأثبر عند الكبروكذلك العقوبات الحقيقية لكل مختلس او خائن لوطنه اومرتكب لأي جريمة في حق الوطن او اي مواطن او ممتلكاته أو تجاوز على القانون يأخذ عقابه .
وكانت فرنسا وسكانها المنبع الجغرافي للثورات، بداية من الثورة الفرنسية عام 1789 التي خرجت من تحالف أصحاب المهن والورشات مع عمال المصانع في باريس وانضم لها لاحقا فئة من المزارعين، مرورا بثورات روسيا البلشفية والثورة في رومانيا، ونهاية بثورات الربيع العربي وما تلاها من احتجاجات في تركيا عام 2013 والبرازيل 2014 وكذلك هناك كتب متعدّدة عن تجاوزات في إنتخاب بعض الزعماء لأمريكا ودول اخرى وتتعلق بسياسات محلية اجتماعية واقتصادية تهم مجتمعات تلك الدول اضافة لتجاوزات في السياسات الخارجيّة وراينا ذلك كما جرى مع الرئيس نيكسون والرئيس كلينتون ومؤخرا مع ترمب وهذا يعطي فقط عدالة كاذبة حين تعامل الدول العظمى مع حقوق الدول الأخرى وكمثال صارخ احتلال اسرائيل للأرض الفلسطينيّة وتشريد اهلها الأصلييّن وتمرُّ عليهم الأن إثنان وسبعون عاما وشعب فلسطين مُشرّدون في صقاع الكون .
ولعل ما يُشغل العالم حاليا موقف امريكا ضد الصين واتهامها لها بتدبير فيروس كوفيد 19 ونشره في العالم والتسبب في الآف القتلى وملايين المصابين وخسائر بالتريولونات الدولارات وما زال العالم ينزف بالعديد من القتلى والمرضى والخسائر المالية والإقتصاديّة ويظهر لا يوجد دليل حاسم على تلك الإتهامات الأمريكيّة خاصّة ان منظمة الصحّة العالميّة لم تقف مع امريكا حتى الآن التي سارعت لوقف مساعداتها المالية للمنظمة الدوليّة بالرغم من عدم وجود ادلّة دامغة حتى الآن .
وبعد كل ما يجري في المجتمعات والدول المختلفة أيّا كانت ومهما كان معتقدها فمن أين تأتي راحة البال للرئيس والمرؤوس او للغني والفقير او حتى للمسؤول والعامل البسيط فالكل على نفس القارب الذي ترعاه عين الرحمن .