الهيبة لا تتحقق بالعصا
راتب عبابنه
جو 24 :
من المسلمات في أي دولة أن تعمل الدولة على فرض هيبتها، كما أنه من حقنا على الدولة أن تقدم ماعليها للمواطنين من واجبات. والهيبة يمكن تحقيقها وإدامتها من خلال منظومة القوانين والإجراءات والحلول التي تطلقها الحكومة وتطبقها بعدالة ومساواة. وبعكس ذلك على الدولة ممثلة بحكومتها وأجهزتها ومؤسساتها أن تتوقع أنها تسوس بشرا لا بهائم.
لذلك عندما يرى هؤلاء البشر حقوقهم تهضم والدولة عاجزة أو متخاذلة عن إيصال تلك الحقوق، فمن الطبيعي أن ينتفض هؤلاء أملا باسترداد حقوقهم. أما أن تبقى الحكومات تدير شؤون البلاد وكأنها تدير قطعانا من البهائم، فهذا التثوير بعينه الذي تجلى في ذيبان وصداه بلغ حي الطفايلة ودويه سمع في معان للحاق بالإنسانية أولا وللتعبير عن عدم الرضا ثانيا. وهي بؤر ساخنة كان لها الدور الكبير في حراكات السنوات الماضية.
الهيبة تفرض وتحترم ويحسب لصاحبها حساب عندما يكون صاحبها خادما للناس ولا يضيع عنده حق، أما أن تفرض الهيبة عن طريق القوة والبطش والتعسف وهضم الحقوق فذلك ضرب من الإستيداد والتغول. عندما تكون القوة المفرطة هي الوسيلة لفرض الهيبة نكون قد انتقلنا لحالة من الإستبداد والتسلط المفضيان لردة فعل عنيفة لا تحمد عواقبها.
كنا نتمنى استخدام القوة وعدم التهاون مع الفاسدين الذين صنعوا الوضع المتردي الذي أفرز البطالة والمتعطلين وجعلوهم بموقع تصادم مع الدولة. فهل السكوت عن الفاسدين أفضل للأردن والشعب والدولة والنظام من محاسبتهم وأخذ حقوق الناس منهم؟؟ ها نحن نجني تبعات السكوت ونتائج تغييب العدل وانعكاسات الفساد الذي استشرى كالنار بالهشيم. أليست هذه الضائقة من صنع الفاسدين؟؟ أليس ما نحن به من مأزق وديون وارتفاع أسعار من صنع السياسات التي سنها الفاسدون؟؟
لقد حذرنا ونصحنا ونبهنا في مقالات متعددة من أن للصبر حدود وللتحمل طاقة محدودة والضغط يولد الإنفجار والناس لديها من أسباب الإحتقان الكثير جدا. أضف الى ذلك، قرارات الحكومة الأخيرة من رفع للأسعار والرسوم ما خلق دوافع وجيهة وقوية لدى الغالبية بأن زمن السكوت قد انتهى وأن الصبر قد بلغ مداه.
نحن مع تحقيق هيبة الدولة إذ بفقدانها تعم الفوضى وتجمد القوانين وتنفلت الناس ويتلاشى الأمن وتعم حالة من عدم الإستقرار والقوي يستقوي على الضعيف. لم نكن نتمنى أن يصل الحال بالحكومة للتفاوض مع المحتجين حيث كان بالمقام الأول حري بالحكومة أن تعير الشعب الإهتمام الذي يستحق. لكن بالوقت نفسه لسنا مع استخدام الترهيب والقسوة في التعامل مع هكذا حالات. وشخصيا لا أظن أن هذه الحالات ستتوقف طالما لم تتوقف الحكومة عن دفع الناس نحو الإحتجاج من خلال التغول والإستخفاف باتخاذها قرارات تزيد من هموم الناس وترفع سقف الفقر المرتفع أصلا.
القرارات التي تتخذها الحكومة تتناسب مع سكان دولة مثل بروناي وفنلندا وسويسرا حيث دخل الفرد لديهم يفوق دخل الفرد الأردني بمئات المرات. والكثير من الدول في العالم لديها قوانين تحمي العاطلين عن العمل وتدفع لهم احتياجاتهم وتؤمن لهم المسكن.
نحن نعذر دولتنا من أن تقدم لنا ما تقدمه هذه الدول، لكن لا نعذرها وهي تتعامل بمنتهى القسوة والإستهتار ولا نعذرها عن تقصيرها بخلق حلول تستوعب العاطلين والمعطلين من خلال برامج طويلة الأمد ومشاريع تشغيلية. وهذا يتحقق من خلال السياسات الجادة وحمل هم المواطن والتركيز على الوضع الداخلي الأولى بالإهتمام والرعاية والإبتعاد ولو قليلا عن الإنسياق لرغبات الدول الإقليمية والعالمية التي لا يهمها حال المواطن الأردني بقدر ما يعنيها تحقيق مصالحها وتنفيذ أجنداتها.
الشك بدأ يساورنا بأن حكوماتنا من طينة غير طينتنا إذ ليس لمشاعر المواطن وردة فعله وإنسانيته أي هامش في تفكير من يتخذ القرار. الحكومة تعلم أن الشعب الأردني لا يملك ترف الخروج للشارع والتمترس بالخيم وعلى الأرصفة ليعبر عما يجيش بخاطره تجاه الحكومات المتسلطة على لقمة عيشه، لكن هذه الحكومة فرضت بسياستها الموجعة وضعا أخرج الشعب عن طوره وعن طبيعته لشدة ما الحقته به من أذى.
أليس لكل فعل ردة فعل؟؟ إنه ضرب من الجنون والغطرسة والنرجسية أن لا تعمل حكومة على ما يرضي الشعب. ألم نتعظ من التاريخ القريب وليس البعيد؟؟ ألم نتعظ من نهاية نيكولاي تشاوسيسكو رومانيا والقذافي ومبارك حيث أذاقوا شعوبهم الويل؟؟!! ألم نتعظ من حكام دول أوروبا الذين تقدسهم شعوبهم لأنهم عدلوا وأقاموا الحق ولم يسكتوا عن فاسد؟؟!!
هل الدولة بكافة مكوناتها تتوقع من الناس التزام الصمت واظهار السمع والطاعة وأبناؤهم يقتلون والحكومة تعبث بحياة المواطن وأصحاب القرار لا يرون ولا يسمعون؟؟ هل الدولة لديها المعرفة أن الشعب الأردني بشر كباقي البشر يحب ويكره ويثور بوجه الظلم ويلتف حول الحق ويمشي خلف قائد عادل؟؟
تفكيك الإخوان المسلمين الذين كانوا المحرك الأساسي للحراكات لا يعني أن المعارضة قد تراجعت، فالشعب واع ومدرك لحقوقه ولما يحاك ضده. الحكومات تقوم علانية بأبشع ما كان يقوم به محركوا الحراكات. الأردن يساق إلى مجهول والقوة لاتفرض هيبة بل تولد ردة فعل توازي تلك القوة وربما تفوقها، فإلى أين نحن سائرون؟؟ لقتل الشعب الهالك؟؟ لخلق جو من عدم الإستقرار والتمرد؟؟ إلى فوضى تصعب السيطرة عليها؟؟
الحكمة والتعقل أصبحا ضرورة للخروج من الوضع الشائك الذي يتنامى وجهودنا دولة وشعبنا منقسمة بين التهدئة في الداخل والقتال على الحدود. فالقسوة بحجة فرض الهيبة لن تجدي بحال كحالنا حيث الدولة طرف والشعب هو الطرف الآخر.
لقد عشنا نتائج القسوة في العديد من دول الإقليم وها هي تتخبط وتقتتل وتتقسم ويتشرد ابناءها وتتدمر بناها التحتية وتحتاج لعقود لتعود كما كانت. لا حل ولا مخرج لنا الا برفع الضغط عن الشعب ووضعه على قمة أولويات الدولة واعتبار ما عدا ذلك استثناءا وثانويا.
خوفنا على الأردن ومواطنيه ولتذهب الحكومات إلى الجحيم طالما هي لا تعمل لصالح الوطن والمواطن. نحترم حكوماتنا بقدر ما تحترمنا ونقلق على بقائها بقدر قلقها على الحفاظ على الوطن والمواطن. الأردن باق والحكومات تتغير وتتبدل فلنكن مع الأدوم. ومن لا يشكل الأردن له هما فلا يستحق البقاء به.
أعتقد أن الوقت قد حان لنكون دولة ومواطنين أكثر واقعة وأكثر إنصافا وأكثر حكمة بإدارة الشأن الداخلي للخروج من المأزق الذي بداياته لا تبشر بالخير.
حمى الله الأردن والغيارى على الأردن والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com