لماذا الدستور؟؟
راتب عبابنه
جو 24 :
الدستور الأردني هو المرجع لتشريع القوانين والسياسات والنهج والحكم والإدارة والقرارات. وما لا يتوافق معه فهو تجاوز عنه وتغول عليه ومخالفة لأحكامه يدفع الوطن والشعب ثمن الخروج عليه.
هناك الكثير من حالا الخروج على الدستور مرت عليها عقود حتى أصبحت من الثوابت والمسلمات والخوض بها من المحرمات.
وهذا يعد نوع من الشطط يبتعد كثيرا عن الديموقراطية التي يدعيعها البعض والعدل ويقترب كثيرا من الإستبداد والإستعباد المغطيان والمبرران بشعارات تنطلق بين الحين والآخر ليس لها نصيب على أرض الواقع والتطبيق إلا بقدر ما لا يوصلنا للبوح بآلام الجراح التي سببتها تلك التجاوزات على الدستور الذي يعتبر أبو القوانين والحاضن لها والقاعدة المفصلية التي يفترض أن يستند إليها المشرع عند سن القوانين وإطلاق والقرارات وطريقة الحكم (نيابي ملكي وراثي).
فكل ما شرع وقونن وأقر بلي وتحوير النصوص الدستورية تجب مراجعته وتعديله بالإستناد للدستور الأردني الذي شهد له خبراء الدساتير والقانونيين بشموليته وحفظه للحقوق ورسم الحكم والعلاقة بين القصر والشعب وبين الشعب والحكومة.
لم يوضع الدستور لإنصاف الحكومات ولتستقوي على الشعب وتقرر ما يحلو لها وكأننا نعيش عصر الإقطاع الأوروبي حيث السادة والعبيد، بل هو الخطوط العريضة التي تستنبط منها التشريعات والقوانين المتناغمة معه تماما وما لا يتفق مع الدستور يعتبر ضرب من الظلم والتسلطية والتفرد بالقرار.
وبالتوازي مع التعليم والوعي والإنفتاح العالمي والعولمة، بدأ الشعب يعي ويميز ويدرك الغث من السمين. كما أنه يتلقى انعكسات وتبعات تجاوز حقوقه التي كفلها له الدستور. فقد كفل حرية التعبير (بما لا يتجاوز حقوق الآخرين) وحق التظاهر السلمي المنظم (الخالي من التخريب المطالب بالحقوق).
الدستور الأردني كافل لحقوق الجميع ومنظم لحياة الناس وموجه للحكومات وكيفية إدارة شؤون البلاد. فكلما اقتربنا من التطبيق الأمين لبنوده ونصوصه، كلما زاد الشعور بالأمان وترسخت قيم الولاء والإنتماء وعمّت ثقافة الإحساس بالثقة التي على ضوئها يتقبل المواطن وبنفس راضية ما يصدر عن الحكومات ويتفهمه حتى لو لحق به شيء من المعاناة ويعود ذلك للثقة بأن لا بديل متوفر. وهذا بحق هو التعاون من قبل المواطن.
أما عندما تنعكس هذه الحالة، تتخلخل الثقة وربما تنعدم ويبدأ التململ لتتشكل حالة من عدم الرضى تتحول للغليان والإحتقان الذي حتما يقود للحراك وربما التصادم الذي يقض مضاجع الجميع سلطة وشعبا. وما أطلق عليه مسمى الربيع العربي وتجربة الدوار الرابع لخير مثال.
وتجربة الدوار الرابع جاءت نتيجة حتمية للإستعداء الذي سار عليه الملقي حتى طفح كيل المواطن ولم يعد لديه طاقة للتحمل من جور القرارات المهلكة. فإما كان متجبرا وإما مستشاروه لم يقدموا له النصح المطلوب والمشورة الصحيحة فوقع بما لم يقع به غيره.
وذلك نتيجة لعدم الرجوع للدستور واللجوء للقرارات الفردية غير المدروسة التبعات وردات الفعل. لو عرجنا على الدول الديموقراطية لوجدنا أنها تتقيد بحذافير دساتيرها وتراجع قوانينها لتعديلها إن وجد ما يستدعي التعديل والتغيير لتتماهى مع الدساتير. وكنتيجة، نجدها مستقرة لثقة الشعوب بأنظمتها وحكوماتها وما يصدر عنها.
فعند التجاوز على الدستور، يعني وجود فساد وهضم حقوق يدركها المواطن ويحاول التغيير وإما يقمع ويكمم بقوة القانون غير المتوافق مع الدستور.
ولتفادي حالة التوتر والقلق يتألق صدق النوايا بتحديد الخلل ومعالجة الأمر من خلال مواد الدستور المنبثقة عنها القوانين والتشريعات والقرارات التي تتخذها الحكومة ومراجعتها والتحقق من مدى انسجامها وتوافقها مع نصوص الدستور.
الدستور ليس كتابا سماويا، لكن له قدسيته واحترامه وهو قابل للتعديل والتطوير ما دام من وضع البشر عندما تستدعي الضرورة الملحة لمواكبة تطورات العصر التي تخدم الوطن والمواطن.
نخلص إلى أن الدستور هو الناظم والمنظم والحاوي للقوانين بشرط توفر الإنسجام والتوافق معه نصا وروحا ومن غير ذلك يقتضي تعديل وتنقية القوانين لتكون النائب الأمين عن الدستور وممثلا صادقا وحقيقيا عنه.