فصاحة الرئيس تزيد الطين بلّة
لا يمكن لدولة رئيس الوزراء عبدالله النسور، أن يعتمد على فصاحته فقط لبناء ثقة بالقرارات الحكومية برفع الأسعار؛ بل إن مداخلته الفصيحة أعطت نتائج عكسية، وزادت الطين بلّة.
فالمواطنون ينتظرون مبادرات وإيضاحات أخرى غير ما تفضل به دولته: آلية احتساب سعر المشتقات النفطية، كيف يمكن القول بدعم البنزين وفرض ضريبة عليه؟ وأسعار الاستيراد، وعمولات النقل، وأرباح المصفاة، والاحتكار والامتيازات. كما لم يوضح كيف تحتسب أسعار الكهرباء ولمن يذهب الدعم بالفعل؛ أليس في الحقيقة يذهب الى شركات وأغنياء؟ ولم يتطرق إلى التهرب الضريبي والتهرب الجمركي، ولم يتحدث عن العدالة الضريبية.. لم يوضح كيف يوزع الإنفاق العام، ولم يتحدث عن خطة تفعيل التحصيل، والاقتطاعات الممكنة من دون المساس بقوت المواطن وسلعه الأساسية، ولم يبدد الأقاويل والإشاعات عن مواصلة النهب والعطايا.
دولة الرئيس يظن أنه بفصاحته فقط يمكن أن يبني الثقة بينه وبين المواطنين. هو، بصراحة، لم يغادر بعد فترة التلفزيون الوحيد، ولم يلاحظ مستوى التعليم والاطلاع والإحاطة لدى المواطنين؛ فلم يخاطبهم على قدر مستواهم، ولكنه تحدث معهم وكأنهم أقل معرفة ومسؤولية بكثير.
المواطنون (أغلبهم) مستعدون لوضع حجر على بطونهم، ولكنهم لا يريدون أن يتحمل الفقراء الإنفاق على رفاهية ومكاسب الأغنياء والمتنفذين؛ هذه هي الحقيقة الأساسية ببساطة، والتي لم تصل إليها فطنة الرئيس، أو اعتقد أنه يملك من الفطنة ما يشغلهم عن ذلك ببيان بلاغي فصيح. وللأمانة، فإن د. عبدالله النسور فصيح وبليغ، وأرشحه للفوز في مسابقة أدبية. ويمكنه أن يكتب قصة أو خاطرة جميلة، ويمكن حينذاك الاستمتاع بقراءتها!
ولكن المواطنين زاد شعورهم بالألم والمهانة وهم يرون الحكومة تمارس، بالإضافة إلى رفع الأسعار بمعزل عن منظومة شاملة لزيادة الإيرادات وتقليل النفقات، استعلاء واستغفالا لهم، وتعبر عن شعور/ عقل باطن بتميزها وحقها وحق أبنائها في النفوذ والموارد وعدم احترام المواطنين وعدم ولايتهم على السلطة والموارد، وكأنها حكومة وطبقة لا تعرف الدستور ولم تقرأه.
الثقة يا دولة الرئيس تبنى بمواجهة الحقائق والأسئلة الأساسية. وكن على ثقة أنك عندما تتجاهل ذكاءهم، فإنهم يدركون ذلك فورا. ويزيد شعورهم سوءا أنك بالإضافة الى قرارك الذي لا يوافقون عليه، لا تحترم ذكاءهم! (الغد )