عرض ايران جدير بالدراسة
السياسة كما هو معروف تسمى فن الممكن أي السعي خلف تحقيق مصالح تخدم الدول والشعوب وخصوصا في أوقات الأزمات الناتجة عن التردي الإقتصادي وكذلك تلك التي تخلقها تحالفات عسكرية تجد بعض الدول نفسها مكرهة للوقوف مع هذا الجانب أو ذاك. وعموما تتحسن العلاقات بين دولتين بقدر ما تخدم هذه العلاقات المصالح المشتركة بينهما وإذا لحق ضرر بمصالحهما تضررت العلاقة وساءت.
والسياسات بين الدول خاضعة للشد والجذب وكذلك للإرتقاء والفتور وذلك مرهون بمدى تأثر العلاقات المتبادلة والتي بدورها تترجم مدى تحقيق كل طرف من الأطراف لمصلحة ما من خلال هذه العلاقة. العلاقات العربية الإيرانية ليست على خير ما يرام لأسباب بعضها سياسي وبعضها مذهبي وبعضها عرقي وشعوبي والنمط الغالب للعلاقة غير الصحية منهجي ناجم عن كل ما تقدم.
أما عرض السفير الإيراني في عمّان ومن خلال شاشة جوسات الفضائية والمتعلق بتزويد الأردن بالنفط والطاقة لمدة ثلاثين عاما مقابل صادرات أردنية, فهو عرض يسيل له اللعاب لو أخذ ببساطته الظاهرة. لكن في حقيقة الأمر, هو سلاح ذو حدين يرمي بظلاله على الأردن وعلى دول الخليج والعلاقات المشتركة. وبالوقت نفسه هو عرض جدير بالدراسة ولا يجب أن يمر دون الوقوف عنده من قبل الأردن ودول الخليج معا.
وقد جاء العرض بتوقيت حساس جدا وفي ظل ظروف لا نحسد عليها وذلك من الذكاء الإيراني بعدما قرأوا المشهد الخليجي الأردني واستنبطوا منه الرغبة الخليجية المستميتة للخلاص من نظام الأسد وتعارض هذه الرغبة مع مصالح الأردن لإدراكه قيادة وشعبا لتبعاتها التي لا بد ستطاله. وقدموا عرضا ليس من السهل رفضه أو حتى قبوله. فالعرض جاء بعد حلول الأزمة الإقتصادية الخانقة والتي سببت احتقانا شعبيا غير مسبوق فضغطا فانفجارا. وهذا يقلل من فرص الأردن بالمناورة مع إيران لأسباب تعود للحاجة الماسة والبدائل المغيبة والإرادة المشلولة عن محاولة الإصلاح, مضاف لكل ذلك الهيجان الشعبي المتأجج والذي ترقبه إيران وتحاول استثماره عن طريق الحلول مكان دول الخليج التي لم يعد لديها الإستعداد لتقديم مساعدات نقدية مجانية تذهب أدراج الرياح.
من البديهي أن الأردن يعاني من أزمة اقتصادية خانقة الخروج منها سهل لو توفرت الإرادة والسرعة بالمحاسبة. ومعلوم أن الإختناق الإقتصادي جاء نتيجة الفساد المتراكم والذي ثبتت مأسسته حتى صار يبدو مستعصيا على العلاج أو هكذا لسان حال حكوماتنا السريعة التبديل. المديونية تزداد والعجز يرتفع والحياة صارت لا تطاق بسبب الغلاء الفاحش والدخول المتدنية. وما زاد الطين بلة هو تسليم الحكومات رقاب الأردنيين لرحمة وعود المساعدات المشروطة التي لم تتحقق ولا يبدو أنها ستتحقق. والسبب لم يعد خافيا على المراقب والمتابع للمشهد السياسي العربي والعالمي.
الموقف الخليجي والعالمي من أحداث سوريا يضغط وبشدة على الأردن لاتخاذ موقف متصلب ومعادي للنظام السوري لزيادة الدفع نحو التغيير والتقسيم والشرذمة. والإطار العام غير المعلن صراحة هو توطين الفلسطينيين والمتمثل بإخلاء فلسطينيي سوريا ولبنان والشتات بخلق دولة لهم خارج فلسطين أوتوطينهم ودمجهم مع الأردن. وما يعزز هذا الطرح هو عدم رغبة أمريكا بالوصول لحل مرضي للقضية الفلسطينية. إذن نحن أمام مخطط تآمري كبير قائم على التجزيء بهدف الإضعاف وإغلاق ملف القضية الفلسطينية لتقر عين المدللة اسرائيل التي أمنها لا ينفصل عن أمن الولايات المتحدة كما يأكد رؤساءها دوما. والموقف الراهن لدول الخليج من الأردن المعسور يأتي بتسريع تحقيق المسعى الأمريكي والإسرائيلي.
لطالما تعرضت هذه الدول الخليجية لهزات أمنية كان الأردن يقدم كل ما يستطيع من خبرات وتدريب ورجال لاستعادة الأمن والإستقرار. ومنذ عشرات السنين والأردن يحسب ببوتقة الخليج وقبلها أمريكا وهاهم يرون بأم أعينهم ما يعانيه الأردن ويعلمون الضائقة المالية والإقتصادية التي يمر بها دون أن تهتز لهم خاصرة لمساعدة دولة كانت دوما تعتبر أمن الخليج من أمنها ومن الدول الحليفة التي تتفق معهم بمعظم السياسات والطموحات.
فمن نشترك معهم برباط الأخوة والدين والجوار يربطون مساعداتهم بشروط لا تجدي نفعا مع الحاجة الملحة والعاجلة للمال. ولا نمن عليهم عندما نتذكر وإياهم جاهزية الأردن ودعمه لبعض الأنظمة أمنيا وعسكريا مما كان له الدور الأهم بتثبيت هذه الأنظمة ونراها اليوم هي الأكثر تشددا ومعارضة لمساعدة الأردن أو لانضمامه لمجلس التعاون الخليجي.
والآن بعد العرض الإيراني المغري ألا يجدر أن تشكل خلية عملياتية من خبراء الإقتصاد والسياسة والمال لدراسة هذا العرض وآلية تنفيذه وكيفية استثماره ضمن اتفاقيات لا تمس سيادة الأردن وثوابته وكرامته ومواقفه؟؟ ولا ننسى أن إيران هي التي بادرت بالأمر مما يجعلنا متفائلين بأن تكون أكثر استجابة لمطالبنا. وبالتأكيد لا نغفل وجود شروط لدى إيران لتحقيق مصالح ترتأيها. ظاهريا العرض يتلخص وببساطة بمقايضة البترول والطاقة بالصادرات الأردنية.
ليس من المعيب أن تسعى الدول خلف مصالح شعوبها بل من حقها وواجبها لكن ليس من حقها رهن إرادتها لغيرها من الدول والمؤسسات المالية العالمية. فمعضلة الأردن تتلخص بفاتورة النفط المرتفعة ومصلحة إيران لا تخلو من الدهاء السياسي الفارسي المتمثلة بالحصول على موضع قدم من قلب العالم العربي السني للإقتراب أكثر فأكثر من سبل التأثير والتغيير وهذا بدوره يستدعي التيقظ والإنتباه. كما أن من مصلحتها زعزعة العلاقة الأردنية الخليجية لتسهل عليها المناكفة والإبتزاز.
ترى هل تلتقط دول الخليج العربي الشقيقة عرض السفير الإيراني ونراها تقطع الطريق على إيران للحفاظ على العلاقات مع الأردن الشقيق؟؟ وهل هذا العرض يحرك لديهم ساكنا ويدركوا أنهم بمماطلتهم المكشوفة لتقديم المساعدات وتغاضيهم عن العرض ربما يدفعون الأردن لاتخاذ خطوة لا يتمنوها ويمكن أن تكون "انتحارا" بحضن إيران وهم كما نعلم حرصهم شديد عل تحجيم إيران ومنعها من التمدد والإقتراب والتأثير بمحيطهم العربي؟؟
ما جاء على لسان السفير الإيراني يستحق الدراسة وأهل للتمحيص من ذوي المعرفة والإختصاص والخبرة من أهل السياسة والإقتصاد ليدلو بدلوهم بهذا الأمر. وندعو ونحث ونتمنى على كل هؤلاء ليسمعونا فتاواهم وآراءهم ودراساتهم بهذا الشأن لعل به خير أردننا.
حمى الله الأردن والغيارى على الأردن. والله من وراء القصد.