من الافقر في الاردن :المجتمع ام الدولة ؟
د.باسم الطويسي
جو 24 :
سألت عددا من أساتذة وخبراء الاقتصاد هذا السؤال، ولم أحصل على إجابة واضحة أو واحدة. والهدف الحقيقي من السؤال هو الوصول إلى من أفقر الآخر؛ المجتمع أم الدولة؟ وهل أثرى أحدهم على حساب الآخر؟ وبالتالي، من المسؤول عن الأزمة الاقتصادية المزمنة؟
تاريخيا، هناك أكثر من منظور في حساب ثروات الأمم وتعريفها وتحديد مكانة المجتمع والدولة فيها. وأكثرها تطرفا من لا يعترف عمليا بثروات الناس، ويصادرها باسم ملكية جميع الناس؛ أو التي لا تعترف مطلقا بالمصلحة العامة أو بالثروة العامة، وعلى رأي آدم سميث: "إنك لا تحصل على العشاء هبة من الجزار أو الخباز.. بل هم يعطونك إياه من أجل مصالحهم". أي إن التنافس بين الناس من أجل مصالحهم الخاصة هو الذي يصنع لنا المصلحة العامة أو المنفعة الجماعية.
المهم أن الخبرة التاريخية تقول إن التوازن بين ثروة الدولة وثروة المجتمع هو المصدر الحقيقي لاستدامة ثروات الأمم.
يوصف الأردن عادة بأنه دولة محدودة الموارد. ولكن، لا أحد يتحدث عن ثروات المجتمع الأردني بشكل عميق. في تقرير ثروة الأمم للعام 2012، جاء الأردن ضمن فئة الدول ذات الثروات المتواضعة على مقياس صنف دول العالم في أربع فئات: الغنية والمتوسطة والمتواضعة والفقيرة. والمجتمعات التي تملك ثروات متواضعة هي التي يتراوح فيها دخل الفرد بين 5 آلاف و25 ألف دولار سنويا.
لم تحدث في الأردن عمليات واضحة لانتقال الثروات من فئة اجتماعية إلى أخرى خلال عمر الدولة الحديثة. ولم يشهد المجتمع الأردني حراكا اجتماعيا طبقيا ملموسا، أو طفرة جيلية في الثروات بين جيل وآخر؛ فالرتابة الاجتماعية بقيت مهيمنة. بل ما حدث هو انتقال الثروة من الدولة إلى المجتمع خلال العقدين الماضيين بطريقة ممنهجة؛ بالبيع والصفقات والامتيازات والفساد، وهي ساهمت عمليا في تضخيم ثروات فئات محدودة من المجتمع، كما ساهمت في إفقار الدولة والمجتمع معا.
وفق تقديرات محلية، أصبحت ثروة المجتمع في الأردن خلال آخر عشر سنوات شبه محتكرة؛ إذ هناك 10 % من المجتمع يملكون نحو 80 % من الثروات، مقابل 90 % لا يملكون سوى 20 % من الثروة. كيف حدث ذلك وعلى حساب من؟
يسهم القطاع الخاص الذي يمثل جانبا من ثروة المجتمع، بنحو 70 % من الناتج الإجمالي الوطني السنوي. ولكن هذا الناتج لا يعكس بشكل فعلي حجم الثروة؛ فالأصول والأموال الثابتة التي تمثل ملكية الدولة فيها أضعاف النسب السابقة، شهدت خلال هذه السنوات هي الأخرى عمليات تسييل، وتم تفتيت الكثير منها. وربما أن ما شهدته هذه الأصول من تسييل وبيع وتخصيص خلال العقد الماضي، يوازي ما أهدرته الدولة طوال العقود الثمانية الماضية.
بالعودة إلى آدم سميث، فإن ثروات الأفراد والأسر تتحول إلى ثروات عامة أو مصلحة عامة كلما كانت منتجة ومتنافسة. والمشكلة العميقة التي أسهمت لدينا في المزيد من إفقار المجتمع، هي أن ثروات الأفراد ليست منتجة، ولم تكن متنافسة بالمعنى الاقتصادي؛ فثلث ثروات الأردنيين في سوق الأسهم بنحو 700 ألف سهم، والثلث الثاني ودائع لدى الجهاز المصرفي بنحو 24 مليار دينار، والثلث الأخير، والذي يقارب الرقم السابق، كدسه الأردنيون في العقار والمباني، وهي جميعا قطاعات خدمية وغير إنتاجية وحدود دائرة المنافسة فيها ضيقة. الخلاصة: إن المجتمع والدولة تم إفقارهما معا. والمجتمع الذي يكاد ينعدم فيه الحراك الاجتماعي الطبقي يُفقر نفسه كلما أفقر الدولة.
(الغد)
سألت عددا من أساتذة وخبراء الاقتصاد هذا السؤال، ولم أحصل على إجابة واضحة أو واحدة. والهدف الحقيقي من السؤال هو الوصول إلى من أفقر الآخر؛ المجتمع أم الدولة؟ وهل أثرى أحدهم على حساب الآخر؟ وبالتالي، من المسؤول عن الأزمة الاقتصادية المزمنة؟
تاريخيا، هناك أكثر من منظور في حساب ثروات الأمم وتعريفها وتحديد مكانة المجتمع والدولة فيها. وأكثرها تطرفا من لا يعترف عمليا بثروات الناس، ويصادرها باسم ملكية جميع الناس؛ أو التي لا تعترف مطلقا بالمصلحة العامة أو بالثروة العامة، وعلى رأي آدم سميث: "إنك لا تحصل على العشاء هبة من الجزار أو الخباز.. بل هم يعطونك إياه من أجل مصالحهم". أي إن التنافس بين الناس من أجل مصالحهم الخاصة هو الذي يصنع لنا المصلحة العامة أو المنفعة الجماعية.
المهم أن الخبرة التاريخية تقول إن التوازن بين ثروة الدولة وثروة المجتمع هو المصدر الحقيقي لاستدامة ثروات الأمم.
يوصف الأردن عادة بأنه دولة محدودة الموارد. ولكن، لا أحد يتحدث عن ثروات المجتمع الأردني بشكل عميق. في تقرير ثروة الأمم للعام 2012، جاء الأردن ضمن فئة الدول ذات الثروات المتواضعة على مقياس صنف دول العالم في أربع فئات: الغنية والمتوسطة والمتواضعة والفقيرة. والمجتمعات التي تملك ثروات متواضعة هي التي يتراوح فيها دخل الفرد بين 5 آلاف و25 ألف دولار سنويا.
لم تحدث في الأردن عمليات واضحة لانتقال الثروات من فئة اجتماعية إلى أخرى خلال عمر الدولة الحديثة. ولم يشهد المجتمع الأردني حراكا اجتماعيا طبقيا ملموسا، أو طفرة جيلية في الثروات بين جيل وآخر؛ فالرتابة الاجتماعية بقيت مهيمنة. بل ما حدث هو انتقال الثروة من الدولة إلى المجتمع خلال العقدين الماضيين بطريقة ممنهجة؛ بالبيع والصفقات والامتيازات والفساد، وهي ساهمت عمليا في تضخيم ثروات فئات محدودة من المجتمع، كما ساهمت في إفقار الدولة والمجتمع معا.
وفق تقديرات محلية، أصبحت ثروة المجتمع في الأردن خلال آخر عشر سنوات شبه محتكرة؛ إذ هناك 10 % من المجتمع يملكون نحو 80 % من الثروات، مقابل 90 % لا يملكون سوى 20 % من الثروة. كيف حدث ذلك وعلى حساب من؟
يسهم القطاع الخاص الذي يمثل جانبا من ثروة المجتمع، بنحو 70 % من الناتج الإجمالي الوطني السنوي. ولكن هذا الناتج لا يعكس بشكل فعلي حجم الثروة؛ فالأصول والأموال الثابتة التي تمثل ملكية الدولة فيها أضعاف النسب السابقة، شهدت خلال هذه السنوات هي الأخرى عمليات تسييل، وتم تفتيت الكثير منها. وربما أن ما شهدته هذه الأصول من تسييل وبيع وتخصيص خلال العقد الماضي، يوازي ما أهدرته الدولة طوال العقود الثمانية الماضية.
بالعودة إلى آدم سميث، فإن ثروات الأفراد والأسر تتحول إلى ثروات عامة أو مصلحة عامة كلما كانت منتجة ومتنافسة. والمشكلة العميقة التي أسهمت لدينا في المزيد من إفقار المجتمع، هي أن ثروات الأفراد ليست منتجة، ولم تكن متنافسة بالمعنى الاقتصادي؛ فثلث ثروات الأردنيين في سوق الأسهم بنحو 700 ألف سهم، والثلث الثاني ودائع لدى الجهاز المصرفي بنحو 24 مليار دينار، والثلث الأخير، والذي يقارب الرقم السابق، كدسه الأردنيون في العقار والمباني، وهي جميعا قطاعات خدمية وغير إنتاجية وحدود دائرة المنافسة فيها ضيقة. الخلاصة: إن المجتمع والدولة تم إفقارهما معا. والمجتمع الذي يكاد ينعدم فيه الحراك الاجتماعي الطبقي يُفقر نفسه كلما أفقر الدولة.
(الغد)