هل يستحق الاتحاد الأوروبي جائزة نوبل؟
د.باسم الطويسي
جو 24 : وسط أجواء لم تخل من الخلافات، ووسط أزمة اقتصادية حادة، تسلم الاتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي جائزة نوبل للسلام، تتويجا لجهود الجماعة الأوروبية على مدى ما يقارب ستة عقود في حماية أوروبا وتحقيق السلام في القارة العجوز التي أنهكتها الحروب والاقتتال على مدى قرون، وكان آخرها أكبر حربين شهدهما العالم؛ وذلك وفق المبررات التي قدمتها الهيئة المانحة للجائزة. لكن هذه المبررات واجهت اعتراضات عديدة في أنحاء أوروبا وفي العالم حول مدى استحقاق الاتحاد الأوروبي للجائزة، وصلت إلى الشرق الأوسط عبر التساؤل الكبير الذي استدعى مراجعة دور الاتحاد في السلام والتنمية في هذا الجزء من العالم.
تبدو المفارقة في اللحظة التاريخية التي تذكرت فيها أوروبا نفسها. ففي هذه المرحلة يتعرض الاتحاد لواحدة من أقسى حملات النقد والاعتراض بعد فشل السياسات الاقتصادية التي كانت منطلق الوحدة وأساسها في المعاهدة الأولى العام 1957، وازدياد الفجوة بين أغنياء أوروبا وفقرائها، وتعرض منطقة اليورو لاهتزازات عنيفة مع احتمالات بأن تلجأ دول مثل اليونان إلى الخروج من الاتحاد. في المقابل، يرى فريق آخر أن هذه اللحظة هي المناسبة ليتذكر العالم هذا الإنجاز وتكريمه؛ فالاتحاد الأوروبي في أمسّ الحاجة الآن لهذه الجائزة.
المهم، هل كان الاتحاد الأوروبي خلال العقود الثلاثة الماضية قوة محركة للسلام في الشرق الأوسط؟ الإجابة التقليدية تأتي نافية لهذه الأطروحة، تأسيسيا على الصور النمطية التي تبلورت في الثقافة العربية عبر أكثر من قرن من الصراع العربي-الإسرائيلي. صحيح أن أوروبا لعبت دورا أساسيا في إنشاء إسرائيل، وهي القابلة التي رعت ولادتها، كما شكل اليهود الأوربيون الهيكل السكاني للدولة العبرية؛ وصحيح أن أوروبا مرتعشة ومترددة في جهودها في مجال التسوية أمام هيمنة الولايات المتحدة؛ وصحيح أن المبادرات والمشاريع الأوروبية الموجهة جنوب المتوسط وشرقه -منذ إطلاق عملية برشلونة العام 1995 إلى مشروع الاتحاد من أجل المتوسط- لم تحقق أهدافها، فالفقر ما يزال منتشرا لدى الجيران وما يزال إيقاع الإصلاح بطيئا. لكن، مع الأخذ بعين الاعتبارات كل المحددات السابقة، علينا الانتباه جيدا إلى أن أوروبا اليوم ليست أوروبا وعد بلفور، ولا أوروبا الخارجة من المحرقة الألمانية.
فلا بد من الاعتراف أن عملية تحول تاريخي نامية نحو المزيد من الاعتدال، أخذت أوروبا بتبنيها منذ إعلان البندقية العام 1980. فالمسألة لا تتوقف عند كون الاتحاد الأوروبي أكبر مانح للفلسطنيين، وساهم في بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية المنتظرة؛ ولا بالمواقف السياسية التي أعادت بعض التوازن في وجه التطرف الأميركي في الانحياز لإسرائيل، بل تتجاوز ذلك إلى بعض السياسات التي وإن كانت ما تزال محدودة، إلا أنها لعبت دورا مهما في كبح جماح تصفية القضية الفلسطينية، ومنها الموقف الأوروبي الصلب من الاستيطان، والذي يجب أن نتنبه إلى أنه يتجاوز المواقف الرسمية إلى المواقف الشعبية والمدنية، ضمن التحولات الكبيرة التي شهدتها المواقف الشعبية والنخبوية الأوروبية المؤيدة للحقوق الفلسطينية.
ولكن السؤال المهم: لماذا عجزت المبادرات الأوروبية عن تحقيق تقدم حقيقي في جهود التسوية؟ وهل تتحمل أوروبا وحدها المسؤولية عن ذلك؟ لفهم هذه المعضلة علينا العودة إلى المعطيات التالية: أولاً: إصرار الولايات المتحدة على فرض العزلة الاستراتيجية على الشرق الأوسط. فالمطلوب هو أن تبقى الولايات المتحدة اللاعب الوحيد، وبدون منافس حقيقي، في الشرق الأوسط. ثانياً: استنزاف إسرائيل لمصالحها التقليدية مع أوروبا، ورغبتها في إعادة تأهيل هذه المصالح في سياق سياسات الإلحاق الأميركية لأوروبا. ثالثاً: عجز النظم والنخب العربية عن تحديد مواقف وسياسات واضحة حيال المصالح المتبادلة مع الاتحاد الاوروبي، وعدم القدرة على حسم الكثير من الخيارات الاستراتيجية. في المقابل، تعاني أوروبا من عدم الوضوح وعدم الرغبة في كشف أوراقها بالكامل.
السؤال المهم اليوم: هل ثمة فرصة باقية للتحول في تسوية صراع الشرق الأوسط من المدخل الأميركي إلى المدخل الأوروبي؟ وما مدى جدية الفكرة التي ترددت مؤخرا في أوروبا حول انضمام كل من دولة فلسطين وإسرائيل لعضوية الاتحاد الأوروبي، على طريق تسوية تاريخية حاسمة؟
الغد
تبدو المفارقة في اللحظة التاريخية التي تذكرت فيها أوروبا نفسها. ففي هذه المرحلة يتعرض الاتحاد لواحدة من أقسى حملات النقد والاعتراض بعد فشل السياسات الاقتصادية التي كانت منطلق الوحدة وأساسها في المعاهدة الأولى العام 1957، وازدياد الفجوة بين أغنياء أوروبا وفقرائها، وتعرض منطقة اليورو لاهتزازات عنيفة مع احتمالات بأن تلجأ دول مثل اليونان إلى الخروج من الاتحاد. في المقابل، يرى فريق آخر أن هذه اللحظة هي المناسبة ليتذكر العالم هذا الإنجاز وتكريمه؛ فالاتحاد الأوروبي في أمسّ الحاجة الآن لهذه الجائزة.
المهم، هل كان الاتحاد الأوروبي خلال العقود الثلاثة الماضية قوة محركة للسلام في الشرق الأوسط؟ الإجابة التقليدية تأتي نافية لهذه الأطروحة، تأسيسيا على الصور النمطية التي تبلورت في الثقافة العربية عبر أكثر من قرن من الصراع العربي-الإسرائيلي. صحيح أن أوروبا لعبت دورا أساسيا في إنشاء إسرائيل، وهي القابلة التي رعت ولادتها، كما شكل اليهود الأوربيون الهيكل السكاني للدولة العبرية؛ وصحيح أن أوروبا مرتعشة ومترددة في جهودها في مجال التسوية أمام هيمنة الولايات المتحدة؛ وصحيح أن المبادرات والمشاريع الأوروبية الموجهة جنوب المتوسط وشرقه -منذ إطلاق عملية برشلونة العام 1995 إلى مشروع الاتحاد من أجل المتوسط- لم تحقق أهدافها، فالفقر ما يزال منتشرا لدى الجيران وما يزال إيقاع الإصلاح بطيئا. لكن، مع الأخذ بعين الاعتبارات كل المحددات السابقة، علينا الانتباه جيدا إلى أن أوروبا اليوم ليست أوروبا وعد بلفور، ولا أوروبا الخارجة من المحرقة الألمانية.
فلا بد من الاعتراف أن عملية تحول تاريخي نامية نحو المزيد من الاعتدال، أخذت أوروبا بتبنيها منذ إعلان البندقية العام 1980. فالمسألة لا تتوقف عند كون الاتحاد الأوروبي أكبر مانح للفلسطنيين، وساهم في بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية المنتظرة؛ ولا بالمواقف السياسية التي أعادت بعض التوازن في وجه التطرف الأميركي في الانحياز لإسرائيل، بل تتجاوز ذلك إلى بعض السياسات التي وإن كانت ما تزال محدودة، إلا أنها لعبت دورا مهما في كبح جماح تصفية القضية الفلسطينية، ومنها الموقف الأوروبي الصلب من الاستيطان، والذي يجب أن نتنبه إلى أنه يتجاوز المواقف الرسمية إلى المواقف الشعبية والمدنية، ضمن التحولات الكبيرة التي شهدتها المواقف الشعبية والنخبوية الأوروبية المؤيدة للحقوق الفلسطينية.
ولكن السؤال المهم: لماذا عجزت المبادرات الأوروبية عن تحقيق تقدم حقيقي في جهود التسوية؟ وهل تتحمل أوروبا وحدها المسؤولية عن ذلك؟ لفهم هذه المعضلة علينا العودة إلى المعطيات التالية: أولاً: إصرار الولايات المتحدة على فرض العزلة الاستراتيجية على الشرق الأوسط. فالمطلوب هو أن تبقى الولايات المتحدة اللاعب الوحيد، وبدون منافس حقيقي، في الشرق الأوسط. ثانياً: استنزاف إسرائيل لمصالحها التقليدية مع أوروبا، ورغبتها في إعادة تأهيل هذه المصالح في سياق سياسات الإلحاق الأميركية لأوروبا. ثالثاً: عجز النظم والنخب العربية عن تحديد مواقف وسياسات واضحة حيال المصالح المتبادلة مع الاتحاد الاوروبي، وعدم القدرة على حسم الكثير من الخيارات الاستراتيجية. في المقابل، تعاني أوروبا من عدم الوضوح وعدم الرغبة في كشف أوراقها بالكامل.
السؤال المهم اليوم: هل ثمة فرصة باقية للتحول في تسوية صراع الشرق الأوسط من المدخل الأميركي إلى المدخل الأوروبي؟ وما مدى جدية الفكرة التي ترددت مؤخرا في أوروبا حول انضمام كل من دولة فلسطين وإسرائيل لعضوية الاتحاد الأوروبي، على طريق تسوية تاريخية حاسمة؟
الغد