نظرية نهاية العالم: التجارة بالأوهام
د.باسم الطويسي
جو 24 : في تمام الساعة الثانية عشرة من يوم أمس، تجاوز العالم بأمان وسلام نبوءة نُسبت إلى شعب المايا العريق بنهاية العالم. وكما هي العادة، مرت الساعات والدقائق صعبة على كثيرين من المؤمنين بهذه الحكاية. وما إن انتصف النهار، حتى تنفس العالم الصعداء بدون دخان أو أبخرة أو شتاء عاصف ودمار، كما صوره أحد الأفلام السينمائية الذي حصد أرباحا فارقة في تاريخ السينما الأميركية.
المشهد السينمائي العظيم؛ إذ تتشقق الأرض جراء سلسلة من الزلازل، وتسقط كرات نار ضخمة من السماء، وينزلق ركام المدن في البحر، وتسير الجبال عبر الأودية.. هذا المشهد تحول إلى صناعة مغرية، تظهر بطبعة جديدة من نظرية نهاية العالم كل عقد أو عقدين على شكل نبوءة دينية. وأصبحت هذه الصناعة تدر الأموال على مئات الشركات التي توظف أفكارا مبتكرة للاستفادة من الجزء الخرافي في التفكير البشري الذي تجسده حقيقة أن سعادة الكثير من البشر هي في إثارة أوهامهم، فيما يتسلى السياسيون بهذا الموسم، ويتغافلون عن الموت الحقيقي الذي يحصد المئات من البشر يوميا.
كيف يتم تصنيع الأحداث من خلال تضخيم بعض المعتقدات والنفخ فيها، لكي تكون على رأس أجندة جمهور واسع؟ وكيف تستثمر سياسيا وثقافيا وتجاريا؟ لاحظوا كيف تحولت ثلاثة أسطر على حجر إلى مادة لعشرات الأفلام الوثائقية والسينمائية، كما ظهرت عشرات ألعاب الفيديو على إنترنت تحمل اسم "نهاية العالم"، وصممت إعلانات تجارية لهذه الغاية. وتتوقع السلطات المكسيكية وصول نحو 52 مليون زائر إلى قرية المايا التي تعتبر أبرز المواقع السياحية للعام 2012، وتحوي أحد أهرامات شعب المايا. ولن يتوقف ذلك على اليوم أو الشهر العظيم، بل سيشكل هذا الحدث الافتراضي نقطة لموسم سياحي دائم للاطلاع على مهد نظرية "نهاية العالم".
فقد انتهز المئات من الفنادق في المكسيك وأميركا الوسطي والولايات المتحدة، المناسبة لتقديم عروض خاصة مستوحاة من ثقافة حضارة المايا الغنية، للاسترخاء بعيداً عن هموم التفكير بيوم "نهاية العالم". والأتراك لم يغيبوا عن المشهد؛ إذ وجدوا في المناسبة فرصة لتعريف العالم بإحدى القرى التركية الجميلة من أجل وضعها على خريطة السياحة العالمية باعتبارها القرية الناجية من "نهاية العالم"، وينتظر أن يزورها في اليوم الأول نحو 25 ألف سائح.
شكل آخر من الاتجار بالأوهام قامت به جمعيات تعنى بالحفاظ على خطوط التحصينات والملاجئ التي تعود إلى الحربين العالميتين، بفتح ملجأ يتسع لعشرات الآلاف مقابل سبعة دولارات للكبار وخمسة دولارات للصغار.
التصنيع التجاري يتم بإعادة تفسير الماضي بطريقة درامية مثيرة، حسب أجندة معدة مسبقا. ما يدفع إلى عشرات التفسيرات المتناقضة أحيانا، والتي تصب في هدف واحد هو: مزيد من الأوهام، مزيد من الإثارة، مزيد من الأرباح. وعلى الرغم من أن شعب المايا قد وضع بالفعل جداول رياضية بناء على روزنامة تاريخية توضح اختلالات في مسار المجموعة الشمسية، وما ستأتي به من أعمال تعني إعادة ولادة العالم، إلا أن كثيرا من القراءات العلمية في الأنثربولوجيا تحدثت عن نهاية معنوية، وولادة روحية جديدة.
عملية إعادة التفسير على أساس التصنيع الثقافي حشدت لنبوءة كارثية؛ أعاصير عاتية وفيضانات وحرائق. وتم حشد عشرات الروايات والنبوءات من ثقافات أخرى تؤيد هذه النبوءة. فمنهم من ذكّر بمعتقدات صينية قديمة تتحدث عن السلالة الإمبراطورية الصينية التي حكمت الصين منذ 1766 قبل الميلاد، وأن حكمها سيستمر نحو 3778 سنة، فينتهي بنهاية العالم الذي يوافق تقريبا العام 2112. كما نشطت فعاليات شعبية على هوامش الأديان السماوية الثلاثة، خلال السنوات الثلاث الأخيرة، بتكييف وإعادة قراءة نصوص دينية تؤيد هذا الطرح.
المايا شعب عظيم من قبائل هندية أسست حضارة مدنية بلغت أوج تألقها في القرن الثالث الميلادي. وسكن شعب المايا في أجزاء كبيرة من منطقة أميركا الوسطى التي تعرف حالياً بغواتيمالا ودولة بليز وهندوراس والسلفادور والمكسيك، وتم ذبحهم في المرة الأولى على يد الاستعمار الأوروبي الذي حصد منهم نحو 20 مليونا، فيما يذبح اليوم تاريخهم ويتم تشويهه من أجل حفنة دولارات.
(الغد )
المشهد السينمائي العظيم؛ إذ تتشقق الأرض جراء سلسلة من الزلازل، وتسقط كرات نار ضخمة من السماء، وينزلق ركام المدن في البحر، وتسير الجبال عبر الأودية.. هذا المشهد تحول إلى صناعة مغرية، تظهر بطبعة جديدة من نظرية نهاية العالم كل عقد أو عقدين على شكل نبوءة دينية. وأصبحت هذه الصناعة تدر الأموال على مئات الشركات التي توظف أفكارا مبتكرة للاستفادة من الجزء الخرافي في التفكير البشري الذي تجسده حقيقة أن سعادة الكثير من البشر هي في إثارة أوهامهم، فيما يتسلى السياسيون بهذا الموسم، ويتغافلون عن الموت الحقيقي الذي يحصد المئات من البشر يوميا.
كيف يتم تصنيع الأحداث من خلال تضخيم بعض المعتقدات والنفخ فيها، لكي تكون على رأس أجندة جمهور واسع؟ وكيف تستثمر سياسيا وثقافيا وتجاريا؟ لاحظوا كيف تحولت ثلاثة أسطر على حجر إلى مادة لعشرات الأفلام الوثائقية والسينمائية، كما ظهرت عشرات ألعاب الفيديو على إنترنت تحمل اسم "نهاية العالم"، وصممت إعلانات تجارية لهذه الغاية. وتتوقع السلطات المكسيكية وصول نحو 52 مليون زائر إلى قرية المايا التي تعتبر أبرز المواقع السياحية للعام 2012، وتحوي أحد أهرامات شعب المايا. ولن يتوقف ذلك على اليوم أو الشهر العظيم، بل سيشكل هذا الحدث الافتراضي نقطة لموسم سياحي دائم للاطلاع على مهد نظرية "نهاية العالم".
فقد انتهز المئات من الفنادق في المكسيك وأميركا الوسطي والولايات المتحدة، المناسبة لتقديم عروض خاصة مستوحاة من ثقافة حضارة المايا الغنية، للاسترخاء بعيداً عن هموم التفكير بيوم "نهاية العالم". والأتراك لم يغيبوا عن المشهد؛ إذ وجدوا في المناسبة فرصة لتعريف العالم بإحدى القرى التركية الجميلة من أجل وضعها على خريطة السياحة العالمية باعتبارها القرية الناجية من "نهاية العالم"، وينتظر أن يزورها في اليوم الأول نحو 25 ألف سائح.
شكل آخر من الاتجار بالأوهام قامت به جمعيات تعنى بالحفاظ على خطوط التحصينات والملاجئ التي تعود إلى الحربين العالميتين، بفتح ملجأ يتسع لعشرات الآلاف مقابل سبعة دولارات للكبار وخمسة دولارات للصغار.
التصنيع التجاري يتم بإعادة تفسير الماضي بطريقة درامية مثيرة، حسب أجندة معدة مسبقا. ما يدفع إلى عشرات التفسيرات المتناقضة أحيانا، والتي تصب في هدف واحد هو: مزيد من الأوهام، مزيد من الإثارة، مزيد من الأرباح. وعلى الرغم من أن شعب المايا قد وضع بالفعل جداول رياضية بناء على روزنامة تاريخية توضح اختلالات في مسار المجموعة الشمسية، وما ستأتي به من أعمال تعني إعادة ولادة العالم، إلا أن كثيرا من القراءات العلمية في الأنثربولوجيا تحدثت عن نهاية معنوية، وولادة روحية جديدة.
عملية إعادة التفسير على أساس التصنيع الثقافي حشدت لنبوءة كارثية؛ أعاصير عاتية وفيضانات وحرائق. وتم حشد عشرات الروايات والنبوءات من ثقافات أخرى تؤيد هذه النبوءة. فمنهم من ذكّر بمعتقدات صينية قديمة تتحدث عن السلالة الإمبراطورية الصينية التي حكمت الصين منذ 1766 قبل الميلاد، وأن حكمها سيستمر نحو 3778 سنة، فينتهي بنهاية العالم الذي يوافق تقريبا العام 2112. كما نشطت فعاليات شعبية على هوامش الأديان السماوية الثلاثة، خلال السنوات الثلاث الأخيرة، بتكييف وإعادة قراءة نصوص دينية تؤيد هذا الطرح.
المايا شعب عظيم من قبائل هندية أسست حضارة مدنية بلغت أوج تألقها في القرن الثالث الميلادي. وسكن شعب المايا في أجزاء كبيرة من منطقة أميركا الوسطى التي تعرف حالياً بغواتيمالا ودولة بليز وهندوراس والسلفادور والمكسيك، وتم ذبحهم في المرة الأولى على يد الاستعمار الأوروبي الذي حصد منهم نحو 20 مليونا، فيما يذبح اليوم تاريخهم ويتم تشويهه من أجل حفنة دولارات.
(الغد )