الاردن والعلاقات الندية
د.باسم الطويسي
جو 24 :
يبدو أن حكاية العرض الإيراني تقديم نفط للأردن مقابل سلع أردنية وتسهيلات في السياحة الدينية قد تبخرت. ولاحظنا كيف تمت عملية توظيفها إعلامياً بطريقة ساذجة؛ وكأن الأردن لن يحيا إلا بأموال الخليج، فإن تعثر وصولها لا بد أن توجه رسائل استفزازية بهذه الطريقة أو تلك.
صحيح أن العلاقات الأردنية-العربية والعلاقات الأردنية-الإقليمية تشهد حالة جمود وأزمة حقيقية، نتيجة حالة الاستقطاب الشديد التي فرضتها أزمات إقليمية، على رأسها الأزمة السورية. لكن هذه الأزمة وغيرها تستدعي أن تكون خريطة العلاقات الخارجية، وما يرتبط بها من خيارات، مطروحة على طاولة الإصلاح والنقاش الوطنيين. فخيارات السياسة الخارجية لم تصل إلى أجندة المطالب الإصلاحية بوضوح.
العلاقات الخارجية المعافاة التي تقوم على أساس المصالح العليا للدولة، هي علاقات نديّة تقوم على التبادل. ولا توجد دولة تقدم عطايا لوجه الله بدون مقابل، ولكن تختلف قيم التبادل وأشكاله. ما يعني عملياً أنه قد حان الوقت أردنياً لأن تكون الخيارات الخارجية مطروحة على أجندة الإصلاح الوطني، وأن تُطرح على أساس ندي يعيد تعريف المصالح الوطنية، ويعيد تعريف ما يتم تبادله مع الآخرين.
في هذا الوقت الذي تتم فيه إعادة إنتاج النظام العربي والإقليمي، يقف الأردن الرسمي والشعبي حائراً بين هلالين متنافرين، تديرهما حالات استقطاب واضحة: هلال شيعي ممتد من طهران مروراً ببغداد ودمشق وصولاً إلى بيروت، وهلال إخواني سلفي ممتد بين عواصم الربيع العربي مروراً بأنقرة وبعض عواصم الثورة؛ أي تحالف الثورة والثروة.
الإدراك المتبادل في السياسة هوعلم وفن وخبرة تتطور مع التجارب والمراس، وهو أساس تقدير المواقف في التفاعلات الصراعية والتعاونية بين الدول والتنظيمات. ويكاد يجمع المراقبون على أن حجم الاستدارة المتوقعة من قبل الطرفين الإيراني والأردني سوف تكون ضمن مساحة دبلوماسية محدودة وحذرة، لن تصل إلى مستوى إحداث اختراقات نوعية في الخيارات السياسية والاستراتيجية، على الرغم من هشاشة تماسك كل من المعسكرين في النظام الإقليمي اللذين يتقاسمان، على أساس طائفي، الملعب السياسي.
يبدو الجانب الأردني في حاجة واضحة إلى إعادة مراجعة خياراته السياسية الإقليمية، وجعلها أكثر تنوعا بعد قرابة عقد من التموضع الاستراتيجي في مربع واحد، أثبتت الأحداث ان أطرافا فيه قد تكون في لحظة على الطاولة وليس حولها، وهذا ما حدث بالفعل. ويترجم ذلك في ازدياد الإدراك الرسمي لمصادر التهديد المحيطة، بعد فشل الفرصة الجدية الأخيرة للمضي في مسار التسوية، وبعد تصاعد التطرف الإسرائيلي، وازدياد الدولة والمجتمع هناك يمينية في لحظة تاريخية لا شبيه لها، حتى أصبح الخوف أن لا يبقى أحد في إسرائيل يمكن الحديث معه، فيما فقدت اتفاقية السلام قيمتها وفعاليتها على الأرض.
أما على الجانب الإيراني، فثمة تحولات جوهرية محلية تشهدها إيران في آليات إدارة مصالحها الإقليمية والدولية، في ضوء التحولات التي يشهدها الموقف الدولي من الملف النووي الإيراني.
تحتاج العقلانية السياسية التي تؤسس على إدراك عميق بجوهر الندية في العلاقات الدولية، إلى البحث عن طريق ثالث وسط حالات الاستقطاب الحادة، ما يتطلب الانتباه إلى مراكز القوة الناهضة في الخليج العربي من منظور سياسي؛ إذ نجد أن أكثر من ثلثي تلك الدول لديها استعداد سياسي لأن تكون أساسا لتجمع سياسي ثالث، وأكثر ما تحتاجه تحمل آلام الولادة القادمة.
(الغد)
يبدو أن حكاية العرض الإيراني تقديم نفط للأردن مقابل سلع أردنية وتسهيلات في السياحة الدينية قد تبخرت. ولاحظنا كيف تمت عملية توظيفها إعلامياً بطريقة ساذجة؛ وكأن الأردن لن يحيا إلا بأموال الخليج، فإن تعثر وصولها لا بد أن توجه رسائل استفزازية بهذه الطريقة أو تلك.
صحيح أن العلاقات الأردنية-العربية والعلاقات الأردنية-الإقليمية تشهد حالة جمود وأزمة حقيقية، نتيجة حالة الاستقطاب الشديد التي فرضتها أزمات إقليمية، على رأسها الأزمة السورية. لكن هذه الأزمة وغيرها تستدعي أن تكون خريطة العلاقات الخارجية، وما يرتبط بها من خيارات، مطروحة على طاولة الإصلاح والنقاش الوطنيين. فخيارات السياسة الخارجية لم تصل إلى أجندة المطالب الإصلاحية بوضوح.
العلاقات الخارجية المعافاة التي تقوم على أساس المصالح العليا للدولة، هي علاقات نديّة تقوم على التبادل. ولا توجد دولة تقدم عطايا لوجه الله بدون مقابل، ولكن تختلف قيم التبادل وأشكاله. ما يعني عملياً أنه قد حان الوقت أردنياً لأن تكون الخيارات الخارجية مطروحة على أجندة الإصلاح الوطني، وأن تُطرح على أساس ندي يعيد تعريف المصالح الوطنية، ويعيد تعريف ما يتم تبادله مع الآخرين.
في هذا الوقت الذي تتم فيه إعادة إنتاج النظام العربي والإقليمي، يقف الأردن الرسمي والشعبي حائراً بين هلالين متنافرين، تديرهما حالات استقطاب واضحة: هلال شيعي ممتد من طهران مروراً ببغداد ودمشق وصولاً إلى بيروت، وهلال إخواني سلفي ممتد بين عواصم الربيع العربي مروراً بأنقرة وبعض عواصم الثورة؛ أي تحالف الثورة والثروة.
الإدراك المتبادل في السياسة هوعلم وفن وخبرة تتطور مع التجارب والمراس، وهو أساس تقدير المواقف في التفاعلات الصراعية والتعاونية بين الدول والتنظيمات. ويكاد يجمع المراقبون على أن حجم الاستدارة المتوقعة من قبل الطرفين الإيراني والأردني سوف تكون ضمن مساحة دبلوماسية محدودة وحذرة، لن تصل إلى مستوى إحداث اختراقات نوعية في الخيارات السياسية والاستراتيجية، على الرغم من هشاشة تماسك كل من المعسكرين في النظام الإقليمي اللذين يتقاسمان، على أساس طائفي، الملعب السياسي.
يبدو الجانب الأردني في حاجة واضحة إلى إعادة مراجعة خياراته السياسية الإقليمية، وجعلها أكثر تنوعا بعد قرابة عقد من التموضع الاستراتيجي في مربع واحد، أثبتت الأحداث ان أطرافا فيه قد تكون في لحظة على الطاولة وليس حولها، وهذا ما حدث بالفعل. ويترجم ذلك في ازدياد الإدراك الرسمي لمصادر التهديد المحيطة، بعد فشل الفرصة الجدية الأخيرة للمضي في مسار التسوية، وبعد تصاعد التطرف الإسرائيلي، وازدياد الدولة والمجتمع هناك يمينية في لحظة تاريخية لا شبيه لها، حتى أصبح الخوف أن لا يبقى أحد في إسرائيل يمكن الحديث معه، فيما فقدت اتفاقية السلام قيمتها وفعاليتها على الأرض.
أما على الجانب الإيراني، فثمة تحولات جوهرية محلية تشهدها إيران في آليات إدارة مصالحها الإقليمية والدولية، في ضوء التحولات التي يشهدها الموقف الدولي من الملف النووي الإيراني.
تحتاج العقلانية السياسية التي تؤسس على إدراك عميق بجوهر الندية في العلاقات الدولية، إلى البحث عن طريق ثالث وسط حالات الاستقطاب الحادة، ما يتطلب الانتباه إلى مراكز القوة الناهضة في الخليج العربي من منظور سياسي؛ إذ نجد أن أكثر من ثلثي تلك الدول لديها استعداد سياسي لأن تكون أساسا لتجمع سياسي ثالث، وأكثر ما تحتاجه تحمل آلام الولادة القادمة.
(الغد)