هل الديمقراطية وحدها تكفي؟
د.باسم الطويسي
جو 24 : ينتقل عدد من المجتمعات العربية فيما بعد الربيع العربي، من النموذج التاريخي للاستقرار القائم على قاعدة استقرار الاستبداد، إلى نمط جديد أكثر ملامحه وضوحا تبدو في رغبة القوى الجديدة في بناء شرعيتها على استبداد المجتمع؛ أي المجتمع القابل للانقياد والتعبئة في المواجهة الأولى مع الديمقراطية، والمجتمع الذي لم يعتد على الاستخدام الاجتماعي لأدوات الحرية، ما يعني التساؤل: هل الديمقراطية وحدها تكفي؟
ترك الاستقرار على قاعدة الاستبداد آثارا بالغة الخطورة والغموض، يمكن أن نقرأها اليوم بوضوح، ليس فقط على بنية السلطة والمؤسسات، بل على النسيج الاجتماعي والهوية والتفاهم المحلي والاستقرار الحقيقي، كما يبدو ذلك بوضوح في مجتمعات ما بعد الثورات العربية.
نموذج الدولة الحائرة بين ميراث الاستقرار والاستبداد، وبين الرغبة في التكيف والاستمرار في عالم متغير، ينسحب على الردود التي تزدحم اليوم وتخلق حالة غير قابلة للفهم للوهلة الأولى؛ من الهشاشة والخوف والاتهامية والانتهازية، تمارسها المجتمعات ونخبها وليست النظم فيما بعد الربيع العربي. يبدو ذلك بوضوح في سلوك النخب المتصارعة. ويمكن أن نفهم جذور هذه النتيجة حينما نستدعي الآليات التي تكونت من خلالها كل من النخب السياسية والاقتصادية في السلطة والسوق على ميراث الاستقرار والاستبداد على مدى عقود من التنفيع والاسترضاء، أو الاستبداد والاقصاء والتهميش.
الصدمة الراهنة التي تعيشها مجتمعات ما بعد الربيع العربي تتمثل في حيرة الفوضى في خطابات سوء النوايا وحسنها، وفي افتقاد القدرة على إدراك قيمة الحل الثقافي الاجتماعي في العلاقة بين السلطة والمجتمع، وفي العلاقات داخل المجتمع، حتى وإن كان هذا الحل يحتاج نارا هادئة ومددا طويلة، حينما تفجع النخب بأن جذور الاستبداد ومفرختها الأم تكمن في المجتمع، وحينما يجد أولئك الذين أشبعوا السلطة كل ألوان النقد بأن هياكل الدولة المهترئة أصبحت تقف يسار المجتمع، وهي التي تقود التغيير على مقاسها، بينما النخب الحائرة هي الأخرى ترفض الاعتراف بهذه الحقيقة.
في هذا الوقت، تمارس الدول الأخرى في المجتمعات التي تراقب الثورات العربية والإصلاحات التي جاءت من القواعد إلى الأعلى، تمارس الاسترخاء باسم التغيير، وكأنها لم تستفد من كل ما حدث؛ فهي وحدها التي تسهر على إنضاج التغيير، وهي وحدها التي تحارب قوى السكون والجمود، وهي وحدها التي تمارس التعبئة نحو الجديد والمختلف. يحدث ذلك بالعدة والعتاد اللذين طالما مارسا الاستبداد والإقصاء والمنع والخوف من التغيير والتجديد، وتستمر في وظيفتها التقليدية في تكوين نخب السلطة والسوق بنفس الآليات، في حين يغيب الحل الثقافي الاجتماعي الذي يقتضي بلورة وظائف جديدة للدولة.
في عمق الخطابات التي تنتجها التيارات والقوى والرموز التي تدير الأزمات والصراع، تبدو الهوية المربع الأول الذي يفسر كل المربعات الأخرى. وفي العمق أيضا، تبدو كم هي فكرة الدولة الوطنية مشوشة وغامضة في هذا الجزء من العالم؛ حتى أصبحنا اليوم وبعد كل هذه الثورات والدماء والضجيج في أبعد نقطة من الوصول إلى الدولة الوطنية الديمقراطية. فمنذ ستة عقود لم يكن مستقبل الدولة في العالم العربي بهذا الحجم من الغموض والارتهان إلى خيارات معظمها خارجية، أما الداخلية منها فأبعد ما تكون عن نضوج فكرة الدولة في وعي المجتمع السياسي قبل العامة.
والمقصود الدولة الديمقراطية الوطنية التي ينجزها عقد اجتماعي ناضج يحسم كل صراعات وتناقضات الكل الاجتماعي لمصلحة الدولة التي هي في المحصلة مصلحة الفرد، ومجموع مصالح الأفراد في المحصلة أيضا مصلحة الدولة. لكن هذا التشاؤم لا يعني بأي شكل من الأشكال نهاية الأنماط السائدة من الدولة الوطنية في العالم العربي، بل المتوقع أننا أمام مرحلة تحول قاسية وصعبة ستشهد آلاماً مضاعفة تنتهي بأشكال أخرى من التفتيت والاندماج والنزاعات الأهلية والاقتتال على القيم السياسية، وأشكال باهتة من السيادة، وصولاً إلى الصراع بين الوطنية والمواطنة، ما يستدعي السؤال المحير: هل الديمقراطية وحدها تكفي لضمان العبور الآمن في هذه المرحلة؟
الغد
ترك الاستقرار على قاعدة الاستبداد آثارا بالغة الخطورة والغموض، يمكن أن نقرأها اليوم بوضوح، ليس فقط على بنية السلطة والمؤسسات، بل على النسيج الاجتماعي والهوية والتفاهم المحلي والاستقرار الحقيقي، كما يبدو ذلك بوضوح في مجتمعات ما بعد الثورات العربية.
نموذج الدولة الحائرة بين ميراث الاستقرار والاستبداد، وبين الرغبة في التكيف والاستمرار في عالم متغير، ينسحب على الردود التي تزدحم اليوم وتخلق حالة غير قابلة للفهم للوهلة الأولى؛ من الهشاشة والخوف والاتهامية والانتهازية، تمارسها المجتمعات ونخبها وليست النظم فيما بعد الربيع العربي. يبدو ذلك بوضوح في سلوك النخب المتصارعة. ويمكن أن نفهم جذور هذه النتيجة حينما نستدعي الآليات التي تكونت من خلالها كل من النخب السياسية والاقتصادية في السلطة والسوق على ميراث الاستقرار والاستبداد على مدى عقود من التنفيع والاسترضاء، أو الاستبداد والاقصاء والتهميش.
الصدمة الراهنة التي تعيشها مجتمعات ما بعد الربيع العربي تتمثل في حيرة الفوضى في خطابات سوء النوايا وحسنها، وفي افتقاد القدرة على إدراك قيمة الحل الثقافي الاجتماعي في العلاقة بين السلطة والمجتمع، وفي العلاقات داخل المجتمع، حتى وإن كان هذا الحل يحتاج نارا هادئة ومددا طويلة، حينما تفجع النخب بأن جذور الاستبداد ومفرختها الأم تكمن في المجتمع، وحينما يجد أولئك الذين أشبعوا السلطة كل ألوان النقد بأن هياكل الدولة المهترئة أصبحت تقف يسار المجتمع، وهي التي تقود التغيير على مقاسها، بينما النخب الحائرة هي الأخرى ترفض الاعتراف بهذه الحقيقة.
في هذا الوقت، تمارس الدول الأخرى في المجتمعات التي تراقب الثورات العربية والإصلاحات التي جاءت من القواعد إلى الأعلى، تمارس الاسترخاء باسم التغيير، وكأنها لم تستفد من كل ما حدث؛ فهي وحدها التي تسهر على إنضاج التغيير، وهي وحدها التي تحارب قوى السكون والجمود، وهي وحدها التي تمارس التعبئة نحو الجديد والمختلف. يحدث ذلك بالعدة والعتاد اللذين طالما مارسا الاستبداد والإقصاء والمنع والخوف من التغيير والتجديد، وتستمر في وظيفتها التقليدية في تكوين نخب السلطة والسوق بنفس الآليات، في حين يغيب الحل الثقافي الاجتماعي الذي يقتضي بلورة وظائف جديدة للدولة.
في عمق الخطابات التي تنتجها التيارات والقوى والرموز التي تدير الأزمات والصراع، تبدو الهوية المربع الأول الذي يفسر كل المربعات الأخرى. وفي العمق أيضا، تبدو كم هي فكرة الدولة الوطنية مشوشة وغامضة في هذا الجزء من العالم؛ حتى أصبحنا اليوم وبعد كل هذه الثورات والدماء والضجيج في أبعد نقطة من الوصول إلى الدولة الوطنية الديمقراطية. فمنذ ستة عقود لم يكن مستقبل الدولة في العالم العربي بهذا الحجم من الغموض والارتهان إلى خيارات معظمها خارجية، أما الداخلية منها فأبعد ما تكون عن نضوج فكرة الدولة في وعي المجتمع السياسي قبل العامة.
والمقصود الدولة الديمقراطية الوطنية التي ينجزها عقد اجتماعي ناضج يحسم كل صراعات وتناقضات الكل الاجتماعي لمصلحة الدولة التي هي في المحصلة مصلحة الفرد، ومجموع مصالح الأفراد في المحصلة أيضا مصلحة الدولة. لكن هذا التشاؤم لا يعني بأي شكل من الأشكال نهاية الأنماط السائدة من الدولة الوطنية في العالم العربي، بل المتوقع أننا أمام مرحلة تحول قاسية وصعبة ستشهد آلاماً مضاعفة تنتهي بأشكال أخرى من التفتيت والاندماج والنزاعات الأهلية والاقتتال على القيم السياسية، وأشكال باهتة من السيادة، وصولاً إلى الصراع بين الوطنية والمواطنة، ما يستدعي السؤال المحير: هل الديمقراطية وحدها تكفي لضمان العبور الآمن في هذه المرحلة؟
الغد