2024-09-02 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

عمان – بغداد مرة أخرى

د.باسم الطويسي
جو 24 :

جاءت الخطوة العراقية المتمثلة بقرار مجلس الوزراء بتقديم عشرة الاف برميل نفط منحة لمرة واحدة للأردن، مع معلومات عن وجود عرض بأسعار تفضيلية لتصدير النفط العراقي للأردن، لتعيد التأكيد على قوة الجغرافيا السياسية ودورها في رسم خرائط المصالح الاستراتيجية بين الدول والمجتمعات بغض النظر أحيانا عن القيم السياسية؛ وهي الحقيقية التي ستسفر عنها، ولو بعد حين، خرائط التحالفات في المنطقة بعد أن تتعب ماكنة التعبئة المذهبية والدينية أو وربما قبل ذلك.
الجغرافيا والتاريخ في الحالة الأردنية العراقية أكبر وأثبت من السياسة اليومية ومن أمزجة النخب السياسية وهواها، فالعراق الذي يدخل في هذه الأوقات حقبة التشكل السياسي الحقيقي بأمسّ الحاجة الى عمقه العربي، والعراق اليوم بأمس الحاجة للأردن لكسر الجليد العربي الذي صنعته حقبة سادها من الجانب العربي حالة من البلاهة والسلبية السياسية نتيجة عدم القدرة على المبادرة ومجاراة السياسة الكثيفة التي تمر بين العواصم الإقليمية والدولية، وعدم القدرة على إدراك اتجاهات الأحداث والتغيرات الكبرى التي تركت العراق ضحية الاستقطابات الإقليمية والدولية المعروفة.
ليس المطلوب من الأردن أن يغير خياراته السياسية الإقليمية وأن يضحي بجار من أجل جار آخر، فلقد أثبت الأردن أنه الأكثر قدرة على حماية استقرار علاقاته الإقليمية دون أن تعصف بها الأمزجة السياسية، ومثال ذلك عمق علاقات الأردن بدول الخليج العربي.
الجغرافيا والتواريخ الطويلة التي شهدت تراكم أجيال من حركة الناس وشكلت وعيهم وإحساسهم بالمصالح والمخاطر، هي التي تصنع الأجهزة العصبية للدول والمجتمعات معا. هناك علاقات يخبرنا عنها التاريخ لا يمكن أن تتغير باختلاف القيم السياسية وتبدلها، خذ على سبيل المثال سلوك ألمانيا وسط أوروبا ومشروعها التاريخي الثابت في المجال الحيوي، وإن اختلفت أدوات التعبير من بسمارك مروراً بالاستراتيجية المكشوفة في عهد هتلر وصولاً الى المستشارة الأخيرة ميركل، وهي حقائق الجغرافيا السياسية ذاتها في إدارة الوعي التاريخي للدولة الفرنسية، فوظيفة وطموح فرنسا وسط اوروبا لم يتغير من نابليون الى استراتيجيات ديغول وصولا الى الطموح الاستراتيجي الذي عبرت عنه ملفات ساركوزي ولن تنتهي بالاشتراكي الأخير هولاند. إذن هي قيم الجغرافيا السياسية والاستراتيجية للدول والحضارات وما تمنحه لتفاعلاتها من أبعاد مجتمعية تصنع التاريخ ولا يمكن تجاوزها، وهو الحال بصياغة أخرى في النموذج الأردني العراقي. فمنذ حلف بغداد ونوري السعيد وظلال الحكم الهاشمي في العاصمتين، مروراً بانقلاب 14 تموز 1958، وقدوم وخروج تيارات متعددة وصولاً الى استقرار الأمر للبعثيين طوال الحقبة الماضية، حافظت صيغة "عمان- بغداد" على واحدة من أوسع وأكثف التفاعلات السياسية التعاونية دون أزمات حقيقية ترصد، سوى أزمات آنية سرعان ما يتم تجاوزها.
حالة السيولة التي يشهدها النظام العربي، تتيح المجال لتفاعلات بينية لا تقاس على مسطرة صراع الهويات المذهبية، الأمر الذي يعني إعادة تعريف المصالح الأردنية العراقية بعيدا عن التحفظات التقليدية وفي أطر تتيح ولو جس النبض لعمق المصالح المتبادلة.
أمام الدولة الأردنية فرصة للبدء بتدشين رأس جسرعربي نحو بغداد، ولن يكون ذلك لمصلحة الدولة العراقية وحسب، بل لمصلحة دول الخليج العربي وبالتالي لمصلحة الأردن. إننا معنيون بالحفاظ على صورة الأردن بدون تشويه في أوساط العراقيين، من جماهير ونخب ومثقفين وقادة رأي وعشائر، الذين يعانون موتاً بارداً وميلاداً صعباً وعسيراً، في واحدة من أقسى وأدق لحظات تاريخهم. فالرهان الأردني يجب أن يتوجه نحو مستقبل العراق وليس نحو حاضره وحسب، ويجب أن ندرك أن العراق يتشكل في هذه الأثناء بعد مسارات الفوضى والخراب، وأن ندرك أيضا أنّ العراق سيعود دولة محورية قوية ولديها كل الأمكانيات لهذا الدور.
(الغد)

تابعو الأردن 24 على google news