jo24_banner
jo24_banner

مجلس النواب الثامن عشر: الأولوية إصلاح البيت الداخلي

المحامي صدام ابو عزام
جو 24 :
بعيداً عن النقاش الدائر والصراع المحتدم حول رئاسة مجلس النواب وتشكيل المكتب الدائم والكتل النيابية، الا أنني أعتقد بأن المسألة أعمق وأعقد من ذلك بكثير، تنطلق من حقيقة لا بد من اداركها والسعي لتحقيقها، هي أن انضاج الافكار والاشخاص مهما بلغو من قوة لن يتمكنوا من السعي في تحقيق أفكارهم الا في بيئة مؤسسية مواتية، وبيئة السلطات التشريعية ذات تكوين مخصوص، استقرت في التجارب والممارسات الفضلى وفق تشكيلات مؤسسية داخلية للسلطات التشريعية لتمكنها من تحقيق غاياتها الوطنية، لكن هذه التشكيلات الداخلية للمجلس لن تنجح في مساراتها الوطنية ولن تحقق الرهانات الشعبية ما لم تكن تعمل في حاضنة مؤسسية تتساوق مع الاهداف الوطنية المتوخاة من المجلس، وبالتالي تشكل رافعة حقيقة لتطوير عمل السلطة التشريعية في الاردن.

لا يخفى على أي مطلع أو متابع للشأن البرلماني أن هناك العديد من الملاحظات والسلبيات التي تعتور طريق العمل والبناء في مجلس النواب، وباتت هذه الإشكاليات محل إجماع واهتمام من قبل الكافة بل وغدت تشكل حالة مطلبية يؤكد عليها الجميع، ومن ذلك ما اشار اليه جلالة الملك في العدد من المناسبات الوطنية بالنسبة لمراجعة النظام الداخلي لمجلس النواب وإقرار مدونة السلوك النيابي وغيرها من القضايا ذات التاثير على بيئة العمل في مجلس النواب.

امام ذلك تصبح مسألة إصلاح البيت الداخلي قضية جوهرية وملحة، ومطلوب من النواب والمكتب الدائم إيلائها جل اهتمامهم، لا الإنشغال أو اشغالهم بالقضايا الفرعية أو الرئيسية غير الملحة او الشكلية منها، في التقييم العام لعمل السلطات التشريعية والإدارات البرلمانية لم يتجاوز المجلس الحد الادنى من التقديرات التي تؤهلة بأن يؤدي الواجبات المنوطة به على أكمل وجه، مثال ذلك تقرير نظام النزاهة الوطني الصادر عن منظمة الشفافية الدولية والذي أشار الى أن عمل السلطة التشريعية في الأردن ينتابه العديد من الإشكاليات التي أعاقت ولا تزال تعيق المسار الطبيعي لممارسة الأدوار التشريعية والرقابية والدبلوماسية للمجلس.

اذ تلعب الإدارات البرلمانية التي تشرف على إدارة الجوانب المالية والادارية والفنية والمتابعة مع النواب الدور الأكبر في تطوير وتهيئة الأجواء المؤسسية المواتية لتمكين النواب من ممارسة أدوارهم الدستورية، وعليه فإن طبيعة تشكيل المكتب الدائم يجب أن تضمن الفعالية والكفاءة ووالقدرة على اتخاذ القرار الذي ينعكس على بيئة العمل، لا الإنقياد والتبعية وإجترار أدوار تقليدية في حضور جلسة والظهور في مؤتمر صحفي وغير ذلك.

إن من ضمن أهم الاولويات التي يجب القيام بها إصلاح وتعديل النظام الداخلي بشكل يضمن تفاعل كافة التشكيلات المؤسسية داخل المجلس ولو استغرق ذلك وقتاً الا أنه يترك نتائج ايجابية على شكل وطبيعة السلطة التشريعية في الأردن بشكل عام ويؤدي الى تفعليها بشكل حقيقي ومؤسسي لا صوري مفتعل، مطلوب من المجلس في ذات السياق تفعيل المكتب التنفيذي والذي يتولى حسب النظام الداخلي أعباء ومهام جسيمة، لكن حالة التغييب التي شهدها هذا المكتب خلال الفترات الماضية حدت وحالت دون تأثيره على عمل المجلس.

يتبع ذلك إصلاح الجانب الإداري في المجلس، اذ لا يخفى علينا ما تطالعنا به الأخبار على مدار السنوات الماضية من تمترس العديد من الإشكاليات الإدارية في تنظيم عمل الأمانة العامة ولعل كان أخرها صراعات بين رؤساء السلطات على تعيين موظفيين للأسف هذا أدنى مستوى يمكن الوصول اليه من العمل المؤسسي، ودليل موضوعي على إنحراف مسار السلطة التشريعية عن الاهداف الوطنية العلياء. وما يستتبع ذلك من بناء اولوية تسعى الى استقرار الهياكل التنظيمية والاختصاصات والمهام الوظيفية في المجلس، وأن تدار بطرق مؤسسية لا بلجان سرية، والتخلص من مسألة التضخم الإداري الذي شكل ويشكل أحد المعيقات في مسار المجلس.

ومن ضمن المعايير التي يتم على ضوئها الاستدلال على متانة المؤسسة التشريعية هي مدى توفر الموارد التكنولوجية ونظم المعلومات الكافية وذات الجودة العالية لتمكين المجلس من اداء واجباته بفاعلية، اذ من غير المعقول أن يبقى المجلس يدار بالواسائل والاساليب التقليدية والتي تستنزف الوقت والجهد الكبير من عمل السلطة التشريعية، تشير التجارب العريقة الى انه تم التخلص من مسألة الورق في عمل المجلس والتصويت التقلدي واصبح السواد الاعظم من أعمال المجلس يدار الكترونياً حتى مشاريع القوانين توزع وتتدارسها اللجان من خلال معدات الكترونية.

ومن ضمن المعايير التي تحتاج الى مراجعة جوهرية وبناء مؤسسي حصيف مسألة تدفق المعلومات اذ من غير المعقول في الاردن ونحن لدينا تجربة نيابية عريقة منذ مطلع القرن العشرين، لا يستطيع المواطن الحصول على المعلومات المتعلقة بعمل السلطة التشريعة، ومسألة تدفق المعلومات تحتاج الى تفعيل مسألة البث والتلقي والنشر وفق خطة ومنهجية مؤسسية عابرة للأشخاص، من غير المتصور أن السلطة التشريعية في الأردن لغاية الأن لا تصدر تقريراً سنوياً عن أعمالها الإدارية وكيفية ممارسة مهامها الدستورية، يمثل ذلك حالة إخفاق كبير لا بد من تلافيها، وكذلك ضمان حصول المواطن والصحفي على أي معلومة، فضلاً عن نشر مداولات وتقارير اللجان بشكل موسع ومعمق والسماح بتسجيل وقائع الإجتماعات وبثها، في البرمانات العريقة وعلى الهياكل المؤسسية يوجد مركز للمعلومات تناط به مثل هذه المهام.

كما يجب أن يتيح المجلس للزملاء المعلومات المتعلقة بالموازنة ووسائل وإجراءات الصرف من بنودها وأن تفصح الإدارة البرلمانية عن منهجية إدارة الموازنة داخل المجلس وفق بنود وفصول واضحة لا لبس فيها، بحيث يستطيع كل شخص معرفة نفقات السفر والذهاب الاياب والرواتب والنفقات الأخرى ومصدر نشؤء القرار الإداري الخاص بكل قرار، حيث شكلت ولا زالت هذه المسألة تحدٍ كبير امام المجالس السابقة، لا أن يتم دعوة مشارك لمؤتمر خارج البلاد ويتم تنسيب عشرة اشخاص على حساب ميزانية المجلس والتمديد لهم للزيادة في مخصصاتهم ومياوماتهم والحصول على امتيازات للأسف لا تنم عن فهم أصيل بالأدوار الإدارية والمالية الخاصة بعمل السلطات التشريعية، في الممارسات الفضلى أحد وسائل المحاسبة الشعبية للنواب الاطلاع على حجم النفقات الذي خصص لكل نائب وتذاكر السفر وغيرها، حيث أن السلوك البرلماني بات محل رقابة شعبية.

ومن ضمن الاولويات التي يجب التركيز عليها في هذا السياق تطوير ومراجعة مدونة السلوك النيابي والتي ولدت ميته نتيجة الفهم المشوه حول السلوك البرلماني وإعتقاد البعض بأنه معصوم مؤسسياً وشخصياً وبالتالي أدى الى إجهاض فكرة تطوير مدونة سلوك نوعية للمجلس، اذ تعتبر مدونات السلوك أحد أهم الأدوات الفاعلة في تطوير أعراف وتقاليد برلمانية ايجابية عريقة.

استقلالية المجلس في اتخاذ القرار مسألة ذات أهمية بالغة، اذ ليس المقصود الاستقلال المادي من حيث المكان والقدرة على عقد الاجتماعات، وانما القدرة على ممارسة الأدوار الدستورية بمحض إرادته ولعل ذلك يتأتى من خلال تكوين حزبي وتوجهات ايدولوجية ذات رؤى وتطلعات اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية، وعليه فإن الاستقلال الفعلي لا يزال يراوح مكانه ويعد اكبر التحديات التي تعاني منها أغلب البرلمانات العربية اذ مسألة الغياب شبه التام للأحزاب السياسية في المجلس وانتشار ظاهرة النواب المستقلين تؤدي الى الى التاثير عليهم وبالنتيجة التاثير على قرارات المجلس بشكل عام، وهذه الحالة شهدناها في الأردن بشكل متكرر، حيث كان النواب يتخذون مواقف علنية حيال بعض القضايا وعند التصويت تجد انقلاب على تلك المواقف فيقع النائب في حالة تناقض كبيرة، ويفضل البعض منهم الإعتزال وعدم الحديث حتى لا يسجل عليه مواقف متناقضة، وهذا بالضرورة يستتبع الحديث عن تعديل النصوص الخاصة بتشكيل الكتل النيابية.

إن تعزيز مبادئ النزاهة والشفافية والمسألة في مجلس الشعب بيت وضمير الأمة أمر غاية في الاهمية، فيجب أن يكون النواب على قدر عالٍ من المسؤولية الوطنية والمؤسسية في تقديم قدوات وقادة في كافة الممارسات ولاسيما المتعلقة بالشفافية والنزاهة ومكافحة الفساد، وهنا يجب أن يتضمن النظام الداخلي نصوصاً تتحدث بصراحة عن مسألة المال السياسي وتضارب المصالح وتقديم الاقرارات للذمة المالية، وان يتضمن النظام الداخلي نصوصاً إجرائية وتنفيذية حيال ذلك، إذ في بعض التجارب العالمية النائب الذي يعمل في صنعة أو حرفة معينة وأحيل الى لجنته قانون يتعلق بعمله، فإنه بموجب النظام الداخلي يجب عليه التنحي وعدم الحضور التصويت، المسألة للأسف مقلوبة راسأ على عقب لدينا، النواب يتسابقون الى الانضمام الى اللجان القريبة من أعمالهم التجارية للضغط على المؤسسات الوطنية وتحقيق مكاسب شخصية.

الحديث يطول في مسألة إصلاح البيت الداخلي لمجلس النواب، وهذا للأسف مرده ممارسات وتقاليد سلبية سادت وسيطرت على مسار عمل السلطة التشريعية، اذا أردنا سلطة تشريعية قوية في الاردن تحوز على رضا وقبول المواطن وتنعكس على نسب المشاركة في المستقبل نغدو بأمس الحاجة الى تضافر جهود وطنية من كافة الفاعلين لتحسين آليات وإجراءات العمل النيابي البرلماني من خلال تطوير حاضنة مؤسسية حقيقية فاعلة، اذ كل المحاولات والنداءات لتحسين صورة المجلس لن تأتي أُكلها بمعزل عن كل ذلك، لكن الجهود الوطنية يجب أن ترقى الى مصاف العمل المؤسسي لا النداءات وتغيير الاشخاص بمعزل عن رؤيا استراتيجية يسهر على تطبيقها زعماء وطنيين همهم الأول والأخير تطوير وتحسين اداء المؤسسات الوطنية.
 
تابعو الأردن 24 على google news