الشهداء والمتقاعدون والمتقاعسون
في الدول الراقية بسياساتها واستراتيجياتها وخططها الإقتصادية نجد أن هناك منظومة عمل وطنية متكاملة تستهدف في الدرجة الأولى الطبقة الوسطى والفقيرة، وتمنع إنهيار الهيكل الإجتماعي المستند على تلبية حاجات الأسرّ التي تعتمد على أربابها في توفير احتياجاتها من العيش والسكن الكريم والطبابة والتعليم، فهناك صناديق دعم تمول من كبريات الشركات والأثرياء ورجال الأعمال والبنوك والمؤسسات الخيرية، وهذا مايترجم بمصطلح التكافل الإجتماعي خارج منظومة الحكومة، وفي الأردن كان التركيز على شبكة الآمان الإجتماعي جيدا في البداية قبل أن تتأثر البلد بالهزات الإقتصادية، وتُركت الحكومات لتلعب وحدها دورا كان الأصل أن يشارك فيه جميع المقتدرين والأثرياء،دون الحاجة الى توجيهات ملكية مستمرة.
الأسبوع الماضي أطلق جلالة الملك مبادرة جديدة تستهدف أسر شهداء القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، وذلك بتأسيس صندوق خاص لدعم احتياجات أسر الشهداء وبتمويل أولي مقداره خمسة ملايين دينار من مخصصات الديوان الملكي، جريا على هذه المبادرة كان الأصل أن يهب الجميع للمشاركة في تمويل هذا الصندوق خصوصا ممن استطاعوا تأسيس ميزانيات وملكيات وثروات ضخمة تحصلت من خلال مشاركتهم في تنفيذ المشاريع الكبرى واستغلال بيئة الأعمال من خلال شركاتهم وأعمالهم وسيطرتهم على السوق المحلي بالطرق المشروعة والقانونية، ولكن لم نر أو نسمع شيئا عن ذلك بعد مرور إسبوع.
الأصل أن لا ينتظر أحد أن يخرج الملك ليحث الآخرين كي يقوموا بواجبهم تجاه أسر الشهداء أو عائلات العسكر أو الفقراء في وطننا، ثم نسمع عن مشاركات متواضعة ومؤقتة هنا أو هناك، تذكرنا بموائد شهر رمضان، وحتى التبرعات الوحيدة التي أعلن عنها رئيس مجلس الأعيان وأعضاء المجلس وبعض رؤوساء سابقين وسفير واحد، لن يكون لها نتيجة فاعلة إذا لم يهب جميع المقتدرين لفتح قنوات تبرع للصندوق وإنشاء صناديق تكافل إجتماعي أخرى في كل محافظات المملكة مدعومة من أثرياء الوطن والشركات الكبرى والبنوك، وتشغيل رساميلها في مشاريع منتجة و تعطى أولوية في تنفيذ مشاريع البنية التحتية التي تستحوذ عليها شركات معروفة تبيعها لشركات أخرى.
المشكلة للأسف أن هناك من يعلق باستخفاف وينتقد أي إجراء أو مبادرة يمكن أن تحقق حلم مواطن واحد على الأقل بينما نجد المعلق والمستخف يتمتع بمزايا التكنولوجيا الهاتفية وهو مستلق على ظهره، ليطلق غربان الشؤم فوق حقل يحتاج أيد ومعاول كثيرة لينتج محاصيله، فيما هناك نساء ورجال يعملون بكد وبصمت في جميعات وأعمال تطوعية في قرى وبلدات بعيدة عن رصد الكاميرات الدعائية، يلبون صرخات وأنين الفقراء والمعوزين من الأسر التي تسكن في العرّاء والأودية قفار الأزرق والمفرق والحسا والأغوار، وبعض قرى حول عنق العاصمة، وينسى البعض أن درهما يقدمه أفضل من أن يبقى لاهيا شاردا حتى يسمع بمبادرة حسنة ليبدأ خواره الملعون .
يجب على الجميع أن يشيعوا ثقافة التشجيع وتقديم الشكر لأي شخص أو جهة تقدم أقل خدمة أو دعم أو النجدة، فهذا يؤسس لبيئة إجتماعية صحية محترمة، تفرّق بين واجبها بالمشاركة في التكافل الإجتماعي ودعم الأسر التي قدمت أبناءها أوسمة شهادة على جبين الوطن دفاعا عن شعبنا ووطننا وأمننا، وبين نقد الإجراءات الحكومية الوزارية التي لا تجترح حلولا مبتكرة خارج جيب المواطن .
لقد كانت دعوة جلالة الملك لإنشاء الصندوق وإعادة هيكلة عمل المؤسسة الإقتصادية والإجتماعية للمتقاعدين العسكريين والمحاربين القدامى، مفتاحا لمرحلة جديدة توقظ الجميع من سباتهم ، خصوصا الذين يستغلون نفوذهم في تحقيق أكبر المكاسب المالية من خلال العطاءات والمشاريع العامة، وكذلك كبار أصحاب الثروات المالية الخاصة الراكدة في البنوك والمعلنة بالمليارات حسب البنك المركزي، فواجبهم إخراجها لفتح مشاريع سوقية جديدة تشغل الشباب والعاطلين عن العمل.
وعلى «مؤسسة المتقاعدين» أن تواكب تطور السوق، وأن تتخلص من البيروقراطية القديمة وتقدم دعما أكثر للموظفين العاملين فيها، وتتوسع في التدريب المهني والتجاري لأعضائها، وبعيدا عن ذلك فعلى من يريد العمل أن يذهب مباشرة لأهدافه الخاصة في تحقيق ما يريد من فضل الله، بعيدا عن محاولة إغراق الشعب كله في بحيرة السياسة الآسنة التي أصبح كل من هب ودب مفكرا ومحللا ومراقبا وكاتباوناطقا باسم الوطنية ومدافعا متأخرا عن الشعب، كمن يريد الحصاد بعد رحيل الصيف واصفرار الخريف.
Royal430@hotmail.com