2024-11-25 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

عن عمر ناهز مليار دينار

فايز الفايز
جو 24 : أنظروا الى البتراء، مدينة العرب الأنباط الخالدة، لقد مرّ عليها قرون طويلة ولا تزال أيقونة الأردن ومحج أنظار العيون الوردية حول العالم، ومع هذا فلا نعرف حقيقة كم كانت تقدر ثروة حكام مملكة الأنباط، وهل كان لديهم عجز في الموازنة أم أنها عانت من الدين الخارجي والداخلي، ولكن ما نعرفه أن « الإنجاز الأثري» هو من بقي خالدا وليس صناديق المال التي باتت ترفع الوضيع وتحطّ الرفيع، دولا كانت أم بشراً.

في الأردن ومنذ ثلاثين عاما تقريبا، بدأت تنمو بشكل عشوائي ومضطرب وسريع جدا طبقة من الأثرياء ومحدثي النعمة، وعلى الرغم من بيئة المال والأعمال التي واكبت الخمس عشرة سنة الماضية، فإن التراجع في كافة القطاعات كان أسرع من دورة الأيام، وباتت «القيمة» لا تساوي شيئا مقابل « الثمن»، فكل شيء للبيع وأي شيء ممكن شراؤه بسهولة، حتى التاريخ ورواياته المختلقة والسيّر الذاتية والأسماء، بل وأسماء العائلات والأنساب يمكن شراؤها، ولن نتكلم عن المناصب والألقاب، فمواسم التنزيلات هائلة، ولكن الإعتداء على مشاعر العامة من المُحدثين في السلطة والمال يبدو خطيرا.

منذ عام 1990 تقريبا وبداية خراب بلاد الأعراب، اندثرت طبقات الأرستقراط، فكلنا يتذكر أسماء لعائلات من الأثرياء وكبار التجار والملّاك والشيوخ القواعد، التي شكلت ملامح واضحة للأرستقراط المتواضع، ومع هذا كان المجتمع الأردني متجانساً ليس فيه هذه الفروقات الهائلة التي نراها اليوم، فكان إبن الثري وإبن العرّي يمكن أن تجدهما في مدرسة واحدة، وجامعة واحدة وفي كتيبة واحدة، ويقفون على باب « الفرّان» ويمكن لوجبة إفطار رمضان أن تشتم رائحة الصنف المطبوخ في أكثر من بيت أو قصر أو دار نصفها تحت الأرض، ومع هذا كانت الأرض وما عليها من بشر ينعمون بالبركة والثقة بالله تعالى والتوكل عليه، ولكن اليوم اختفى كل شيء، فلا أرستقراط وعائلات وتجار يمكن تذكرهم، والكل يرفض الكل وينكر عليه.

فيما مضى من عقود وعهود وملح بارود، كان هناك رجال لا تلهيهم النساء والأولاد والإغراءات عن القيام بواجبهم، ولم توسوس لهم أنفسهم بمد اليد أو استغلال المناصب العامة والمكانة الخاصة لظلم الآخرين والسطو على حقوق الغير، وهناك الآلاف من الأسماء العملاقة التي بنت ورسمت مستقبل هذا البلد ولم تكن تملك ما يكفيها من مال، ثم تجدهم يحملون على الأكتاف وعلى أيدي الناس وفي أعينهم يسكنون، فكيف تغيرت تلك القيم، وكيف إنهارت قواعد البناء الأخلاقي الوطني، ولماذا وصلنا الى ما نحن عليه من تزييف لكل شيء جميل؟.

في العالم غير العربي ليس هناك قانون يمنع الأشخاص من الإثراء القانوني، ولكن غالبية أثريائنا العرب مشكوك في أصولهم المالية، ومع هذا نجد أشخاصا أميركيين وأوروبيين وآسيويين تفوقوا على كل تاريخ العرب وكرمنا الكاذب وروايات الإيثار ونصرة الملهوف، فمؤسسة «غيتس» الخيرية التي أسسها بيل غيتس أغنى رجل في العالم، بتعب جبينه، إنضم إليه منافسه «وارن بافيت»، وتبرعوا بأكثر من ثلثي ثرواتهم الشخصية لصالح فقراء ومرضى العالم الثالث 50 مليار دولار، ومثلهم» بول ألين» الذي تبرع بملياري دولار لتطوير البحث العلمي، ونحن نسرق البحث العلمي وأبحاثه، فيما احتفل « مارك زوكربيرغ» بولادة طفلته فتبرع بكل إرث شركة فييسبوك لصالح جمعيات خيرية، ونحن نقدم أسوأ المنتوجات للجميعات الخيرية، حتى الملياردير الهندي «مانوج بهارفجا» تبرع بتسعين بالمائة من ثروته لصالح فقراء بلاده، ومثله فعل «ميخائيل فريدمان» ثاني أغنى رجل في روسيا.

في الأردن والعالم العربي، تدفعنا الغيرة والحميّة،والشعور بالذنب تارة والإحتقار تارة أخرى لكل أولئك المتخمين الذين يبلعون الأموال ويبنون القصور ذات السرايا في مجتمعات فقيرة ومتواضعة، ألا يعلمون أن ذلك استفزاز، ودفع لروح الكراهية والجريمة، ثم يتحول الأثرياء الجدد الى محتكرين، وهناك يسدلون الستار على الفصل الأخير من رواية البلد الذي كان فقيرا وعظيما قبل أن يصبح كما ترونه هذا المساء.

فهل يعقل أن يموت رجل عن عمر ناهز مليار أو مائة مليار دولار، ثم لم يتذكر قول الله تعالى :{ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ، هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ } 35 سورة التوبة.الراي
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير