jo24_banner
jo24_banner

إصلاح الإدارة البرلمانية بداية النهوض بمجلس النواب

المحامي صدام ابو عزام
جو 24 :
لا شك في أن الطبيعة المؤسسية للسلطات التشريعية في بنيانها الهيكيل تختلف عن غيرها من المؤسسات الرسمية ذات الطابع الهيكيلي الهرمي، وهذا الشكل التقليدي في المؤسسات الرسمية تمليه طبيعة العمل الحكومي الرسمي في الغالب الأعم الى حين بروز المؤسسات المستقلة ذات النفع العام للتغلب على بريوقراطية العمل الرسمي.
إلا أن الأمر مختلف كلياً في عمل السلطات التشريعية ذات التكوين الأفقي والهرمي إدارياً والتي توصف بالطبيعة "الرخوة"، فعلى صعيد رأس السلطة التشريعية ولغايات تمثيلها يقبع عادة رئيس المجلس والذي يستمد في الغالب الأعم قراراته من مكتب المجلس أو في بعض الانظمة تسمى هيئة المجلس أو بما يخوله به النظام الداخلي والدستور. وعلى صعيد النواب تختلف الكيانات المؤسسية المشتغلة بالعمل البرلماني بين لجان وكتل وأحزاب وإئتلافات وغيرها وجميع ذلك متغير وفقاً للنظام الانتخابي وطبيعة النظام السياسي.
إلا أن الثابت في كل ذلك هو الإدارة البرلمانية أو ما أصطلح على تسميته في أغلب الانظمة العربية "الامانة العامة للمجلس"، والتي تعتبر الوعاء الحقيقي للعمل البرلماني والتي تقدم خدمات الدعم الفني والمالي والاداري لأعضاء المجلس، وعليه إنتهجت غالبية النظم المؤسسية التي أدركت مبكراً أهمية مأسسة وتنظيم الإدارة البرلمانية نهجاً مؤسسياً واضحاً وطموحاً لعمل الأمانة العامة ينطلق من تحديد مهام وواجبات رئيسية للأمانة العامة في النظام الداخلي بل واعتماد الهياكل التنظيمية في ذات النظام، فضلاً عن تبني هياكل تنظيمية حساسة للعمل البرلماني تنطلق من وعي وإدراك حقيقي لدور ومهام واختصاصات العاملين في الأمانة العامة، وعلاقتهم بأعضاء السلطة التشريعية.
ولعل أولى المبادئ الرئيسة في إصلاح منظومة العمل البرلماني المؤسسي تكمن في إستقلال السلطة التشريعية عن السلطة التنفيذية إدارياً ومالياً من خلال تبني نظاماً واضحاً للموارد البشرية ونظام مالي بموجبهما يتم تحديد الكوادر البشرية العاملة في الأمانة العامة والطاقة الإستعابية لها ويرسم طريقاً طبيعاً للإلتحاق بالعمل بالأمانة العامة وطرق وأشكال التعيين وفقاً للمعايير الدستورية المبنية على الكفاءة والمؤهلات ويتسم بالشفافية والموضوعية.
ففي ظل وجود نظام للموارد البشرية صادر من مكتب المجلس أو هيئة المجلس يحدد بموجبه إجراءات التعيين والترفيع والترقية ويحتوي على نظام للدرجات والامتيازات الوظيفية فضلاً عن نظام تأديبي ومن ضرورات هذا النظام توحيد أشكال التعيين في الأمانة العامة وبيان الإجراءات الخاصة بذلك، وهذا يحتاج الى إرادة مؤسسية واضحة لا تركز الصلاحيات بيد رئيس المجلس كشخص، وانما يجب أن تتم هذه العملية وفقاً لإجراءات كما سبق الإشارة اليه.
أما بالنسبة للموارد المالية والتي تشكل أحد أهم مرتكزات العمل البرلماني يجب أن يتضمن النظام المالي شكل الموازنة وإجراءات الصرف والانفاق والمياومات وإجراءات السفر والرواتب والعلاوات، وتنظيم كافة إجراءات العمل المالي وفقاً للجان تشكل لهذه الغاية، ولجان للرقابة الادارية والمالية، وأن تتسم الميزانية بأقصى درجات الإفصاح والنشر على الملاء، فضلاً عن ضمان تدفق المعلومات الخاصة بالموارد المالية بشكل دوري ومستمر يضمن المتابعة من قبل الرأي العام كأحد وسائل الرقابة على سير عمل السلطة التشريعية، وهذا أبسط قواعد العمل المؤسسي.
تعتبر هذه الخطوات اوى اجراءات الاصلاح المنشود في عمل مجالس النواب اذ وفقاً لهذا التنظيم المؤسسي الإداري والمالي يتم اتخاذ أولى الخطوات الرئيسة لمنع تدخل اعضاء المجالس التشريعية في عمل الأمانة العامة لقطع الطريق على أي واسطة أو محسوبية في إجراءات التعيين والتوظيف وفي التعامل مع الموارد المالية وإجراءاتها والمناقلة في بنودها والتي عادة تتم وفقاً لتوجهات فردية غير مؤسسية.
تشير الدراسات المرموقة والموثوقة في مجال العمل البرلماني الى أن أي سلطة تشريعية لم تكن بمنأى عن تأثيرات النواب وتدخلهم في عمل الأمانة العامة" الإدارة البرلمانية" حتى في أعرق الدول ديمقراطية وتنظيماً، إذ تشير الى وجود جرائم فساد مالي في المكافاءات التي كانت تصرف التي كانت تصرف للنواب للاستعانة بخبراء ومستشارين خلال مزاولة أعمالهم التشريعية والرقابية في مجلس العموم البريطاني في مطلع القرن العشرين، مما حدى بالإدارة البرلمانية الى إتخاذ إجراءات إدارية ومالية صارمة للحد والقضاء على مثل هذه الممارسات إنطلقت من تنظيم مؤسسي وفقاً لتعلميات وانظمة مالية وادارية تحدد كافة الإجراءات الخاصة بذلك، وشكل ذلك سابقة في تحتذى وأحد الممارسات الفضلى في مجال تنظيم ومأسسة عمل السلطات التشريعية.
إذ من أبجديات العمل البرلماني المستند الى البرامج والخطط أن لا يتم إستقطاب التوجهات البرلمانية على حساب تركز الصلاحيات في يد جهة مرجعية ادارية واحدة في المجلس أو من خلال تقديم بعض المزايا الإدارية والمالية بطريقة مباشرة وغير مباشرة، وتشير كذلك الدراسات والتقارير المختصة بالعمل البرلماني الى أن أغلب البرلمانات في دول الشرق الاوسط تفتقد الى إجراءات مؤسسية واضحة وموضوعية حيال مأسسة الأمور الإدارية والمالية وتخضع في الغالب الاعم الى صلاحيات واسعة وفردية تتركز بيد رئيس المجلس، مما يؤثر على على جودة الخدمات الفنية والإدارية والفكرية المقدمة للأقلية البرلمانية أو للمستقلين.
وعليه، فإن هذه الخطوات تشكل الخطوة الاولى في عملية الاصلاح المؤسسي للسلطة التشريعية وبمعزل عن إتخاذ تلك الخطوات ستبقى المجالس البرلمانية مصابة بالتخمة الإدارية والكسل المؤسسي العاجز عن تقديم أفضل خدمات الدعم الفني والفكري للسادة النواب بموضوعية واستقلال، وستبقى توجهات مكتب المجلس أو ائتلاف الاغلبية يستخدم الأمانة العامة ويطوعها لغايات كسب تأييد النواب من خلال تمرير بعض القرارات الادارية الخاصة بالتوظيف وبعض القرارات المترتب عليها امتيازات مالية مثل السفر والمياوات وغيرها.
 
تابعو الأردن 24 على google news