كوتا المرأة في قانون البلديات والجدل حول التطبيق
المحامي صدام ابو عزام
جو 24 :
لاشك في أن مسألة تمكين المرأة سياسياً غدت مسألة محل إجماع من الكافة، ولا مراء بأن سيناريوهات التمكين هذه تأخذ العديد من الأشكال والآليات، الا أن ذلك منضبط ومحكوم بضوابط موضوعية وإجرائية وفق القوانين والسياسات الناظمة لها.
وعليه، فإن الصياغة التشريعية العميقة الواضحة التي تتسم بالوضوح والدقة و ضمن قوالب تشريعية لا تحتمل الغموض والإبهام والمصحوبة بالكشف عن هذه الغاية النبيلة في الأسباب الموجبة هي التي تؤتي أكلها وتودي بالنتيجة الى زيادة مشاركة المرأة وتشكل تدبيراً ايجابياً يضاف الى غيره من التدابير الوطنية للخروج من التحديات التي تعاني من المرأة سياساً واقتصادياً وثقافية والتي ما عادت تخفى على أحد.
لعل من أهم التدابير التشريعية في هذا المجال ما أصطلح على تسميته " الكوتا" المقاعد الإضافية المخصصة للنساء والذي يمثل تدخلاً مباشر من المشرع بهدف التغلب والقضاء على العوائق الاجتماعية والثقافية التي تحول دون مشاركة المرأة أو أي فئة اجتماعية، لتكون المجالس المنتخبة صورة حقيقية لكافة مكونات المجتمع وإدماجهم العمل السياسي والاقتصادي والثقافي للإسهام بشكل ايجابي في بناء المجتمع في حالة تعبر عن تقرير المصير، وذلك من خلال تخصيص نسبة مئوية للنساء في مجلس النواب أو المجالس المحلية أو قوائم الاحزاب السياسية أو عضويتها.
وعند استدعاء الأدبيات والممارسات العالمية لتطبيقات الكوتا نجد أن انواع الكوتا تندرج تحت الاتي: الكوتا الدستورية وبموجبها يتضمن الدستور نصوصاً واضحة وصريحة تحدد نسبة مشاركة النساء في مجلس النواب أو المجالس المحلية على المستوى المحلي أو في القوائم ويحدد ذلك طبيعة النظام الانتخابي سواء كان فردياً او نسبياً أو مختلطاً. والنوع الأخر هو الكوتا الاختيارية والتي يتم بموجبها تضمين القوائم المترشحة من الاحزاب السياسية عدداً معيناً من المترشحات النساء، وفي العادة لا تكون هذه الممارسة مرتبطة بقانون أو تعليمات وإنما ممارسة فضلى تقوم بها الاحزاب في المجتمعات التي استطاعت أن تغير في ثقافة المجتمع السلبية تجاه مشاركة المرأة، وتساعد في ذلك ايضاً الحكومة من خلال وضع حصة من الدعم المالي للأحزاب التي تلجأ الى ذلك.
أما النوع الأخير فهو الكوتا التشريعية وهي التي يتم النص عليها صراحة بموجب القانون الناظم لعملية الانتخاب سواء سلطة تشريعية أو مجالس محلية، - وفي تطبيق هذا النوع من الكوتا شيء من التفصيل- وحسب شكل النظام الانتخابي المتبع، ففي النظام النسبي الذي يعتمد على القوائم يتم النص صراحة على نسبة معينة يجب أن تحتويها القوائم الراغبة في الترشح، وفي التطبيق العملي لذلك يجب أن يكون واضحاً لدى المشرع كيفية وألية وشكل التدبير وتطبيقه، ويكون إما كوتا أثناء عملية الترشيح بأن يتم تضمين القوائم الراغبة في الترشح عدداً معيناً أو نسبة معينة من النساء مثل تحديد نسبة 30% أو 20% وغيرها وهنا لا يمكن قبول أي قائمة راغبة للترشح لا تتضمن هذه النسبة، وفي بعض الأنظمة ذهب المشرع أعمق من ذلك بأن حدد مكان وجود المرأة في القائمة وترتيبيها إما ترتيب تبادلي مع الرجال أو في مقدمة القائمة أو في النصف الأول من المترشحين في القائمة، ويتم اللجوء الى ذلك عندما يكون هناك رغبة حقيقية وأكيده لتمكين المرأة فلا يعدم المشرع الوسيلة التشريعية للكشف عن نواياه الصادقة في اتباع كافة الصيغ التشريعية التي لا تترك مجالاً للشك للتعبير عن تلك الإرادة.
أما النوع الثاني من تطبيقات الكوتا وهي الكوتا حسب النتائج والتي يسعى المشرع من خلالها الى وجود نسبة معينة من النساء في المجالس المنتخبة مثلاً 30% من نسبة المقاعد أو 15% ويتم اللجوء الى تحديد مقاعد في الدوائر الكبرى مثلا 3 مقاعد للنساء أو تحديد عدد إجمالي للمقاعد المخصصة للنساء في الانتخابات بشكل عام مثلا 20 أو 15 مقعد وهكذا، وهذا التطبيق يتم اللجوء اليه في النظام الانتخابي الفردي وبعض تطبيقات النظام المختلط مثل اعتبار نظام أفضل الخاسرين كشكل آخر لهذا النوع من الكوتا، إذ يمكن اعتبار المرشحات الحاصلات على أعلى الأصوات وبما لا يتجاوز العدد المخصص للكوتا كفائزات بغض النظر عن الأصوات التي يحصل عليها المرشحون الرجال.
وعليه يجب أن يتضمن التشريع نصوصاً واضحة حول شكل الكوتا المتبع والتطبيق الخاص به سواء تطبيق عند الترشح أو النتائج، لحسم أي نقاش أو جدل أو تحديات عند التطبيق أو إجراء الانتخابات، فالمسألة قانونية ذات طابع تشريعي.
هذا التشخيص ذو الطابع النظري لم يأت من فراغ ويجد أساسه في تصريحات الناطق الإعلامي للهيئة المستقلة للانتخاب في صحيفة الرأي يوم السبت 8/7/2017 ومفاده بطلان ورقة الانتخاب في حال عدم شمولها على اسم مرشحة امرأة في حال استخدم الناخب حقه الكامل في إختيار الاسماء، وفي الحقيقة وبالتطبيق العملي لذلك على واقع النصوص الواردة في قانون البلديات نجد أن الكوتا التي إنهجها المشرع الأردني هي تشريعية في الدرجة الأولى، أما شكل التطبيق فإنه تطبيق حسب النتائج لا حسب الترشح، وهذا واضح من خلال صياغة الفقرة أ من المادة 33 من قانون البلديات والتي جاءت بصياغة عامة بموجبها تم تحدد مقعد واحد للنساء لعضوية المجلس المحلي، ويتم تحديده من خلال المرشحة التي حصلت على أعلى الاصوات ضمن ضوابط: الأعلى نسبة مقارنة مع عدد المقترعين، وعدم فوزها بالتنافس المباشر.
واضح بأن المشرع يتحدث هنا عن الفائزات في المقاعد حسب النتائج التي حصلن عليها، هذا من جهة ، وأشار المشرع الى أنه في حال عدم الترشح من النساء يتم التعيين من قبل الوزير، فلو كانت غاية المشرع قيد صحة ورقة الاقتراع بوجود اسم امرأة لما أجاز التعيين من قبل الوزير لأنه في حال تطبيق هذا القيد لن نصل الى حالة التعيين نهائياً من جهة أخرى.
هذا فضلاً عن أن طبيعة النظام الانتخابي المعمول به لا يؤدي الى قيد قبول ورقة الاقتراع بوجود اسم مترشحة، إذ أن مفاعيل التطبيق العملي السلبية لهذا التوجه تنفي عنه العدالة والمساواة والتالي تمس مساساً جوهرياً بإرادة الناخبين فلو أن دائرة انتخابية لم تترشح فيها إمراه هل يجوز للناخب إختيار خمسة ذكور وكيف سيتم إبطال الورقة. وكذلك لو أن دائرة انتخابية ترشحت فيها إمراه واحدة وفازت بالتزكية فما هو التطبيق في هذه الحالة، لعل مثل هذه المفارقات وغيرها تؤكد بدون شك الى أن إرادة المشرع لم تتجه لمثل هذا القيد.
ومما يؤكد ايضاً هذا التوجه هو عضوية المرأة في المجلس البلدي حيث ذهب المشرع باتجاه نسبة مئوية من عدد الأعضاء هي 25% من بين النساء الأعضاء في المجالس المحلية التابعة للمجلس البلدي والحاصلات على أعلى نسبة أصوات مقارنة بعدد المقترعين، فلو ذهبنا فرضاً مع التوجه الذي كشف عنه الناطق الإعلامي للهيئة الاستاذ جهاد المومني لما كان هناك داعٍ للخيارات التي حددتها الفقرة ب بند 1 في القرعة والتعيين لاستحالة الوصول الى هذه الخيارات.
والسؤال الأهم المطروح في هذا السياق، هو عن مدى صلاحية الهيئة المستقلة للانتخاب أن تتخذ مثل هذا التوجه بتحديد شكل النظام الانتخابي من حيث الشروط الموضوعية اذ وفقاً لقانون الهيئة وصلاحياتها تتوقف عند الإدارة والإشراف على العملية الانتخابية ولا تستطيع استحداث أحكام موضوعية تتعلق بشكل النظام الانتخابي وقيوده، وننتقل في مثل هذه الحالة الى الدائرة الأكبر وهي مدى دستورية مثل هذا الإجراء. إن تم تطبيقه.