حكومات برلمانية
في رؤيته للإصلاح، يجد الملك أن الحكومة البرلمانية المأمولة تحتاج إلى ثلاثة متطلبات أساسية، ترتكز على الخبرة المتراكمة والأداء الفاعل، وهي: أحزاب وطنية فاعلة وقادرة؛ وجهاز حكومي مهني ومحايد؛ ونظام داخلي لمجلس النواب يؤطر آلية تشكيل الحكومات من خلال التشاور والتوافق بين الكتل البرلمانية. ويضاف إلى ذلك، أيضا، معارضة بنّاءة وقادرة على تقديم رؤية بديلة (حكومة ظل).
يبدو واضحا بطبيعة الحال أنها متطلبات تحتاج إلى جهد وتحضير تشريعي وسياسي وإداري كبير ومكثف. فالأحزاب السياسية والكتل البرلمانية لم يسبق لها من قبل المشاركة الحقيقية والفاعلة في السلطة التنفيذية، ولم يسبق لها أيضا أن خاضت تجربة طويلة في الائتلاف السياسي والمعارضة (حكومة الظل). والجهاز الحكومي يحتاج إلى تطوير كبير، تدريبي وتأهيلي، لإعداد وتهيئة قيادات حكومية مدربة وقادرة على قيادة العمل المؤسسي؛ وتطوير تشريعي وتنظيمي يمنح المديرين العامين الصلاحيات والقدرات الكافية للتخطيط واتخاذ القرار، لأن العمل الحكومي يقوم على الوزراء أساسا، ويهمش إلى حدّ كبير دور الأمناء العامين والمديرين. ولم تتشكل من قبل تقاليد برلمانية حقيقية في التكتل والتشاور، ويبقى ثمة سؤال (لا أعرف الآن إجابته): إلى أي حد يساعد النظام الداخلي الحالي لمجلس النواب على إنجاح/ إفشال الحكومة البرلمانية؟ ذلك أن تعديل النظام الداخلي لمجلس النواب يحتاج إلى وقت.
نحن في 24 كانون الثاني (يناير) الحالي نواجه استحقاقا سياسيا وتحولا كبيرا (يفترض) في آليات الحكم والإدارة العامة والتشريع. ويجب أن ننظر في الإمكانات والفرص القائمة والمنجزة بالفعل. إذ سوف يكون لدينا في ذلك اليوم كتل برلمانية، أو مشروعات كتل تستعد للعمل ولم تعمل معا من قبل. ولكن، ربما يكون لدينا عدد كبير من النواب السابقين المفترض أنهم يعرفون بعضهم بعضا. وهنا سنواجه مأزقا في الحالتين: فالنواب المعاد انتخابهم بحاجة إلى وقت ليثبتوا أنهم يفكرون ويعملون بطريقة جديدة مختلفة، وليكسبوا ثقة المجتمع والرأي العام. والنواب الجدد لم يسبق للكثير منهم العمل في أحزاب سياسية منخرطة بالفعل في العمل البرلماني والحكومي.
إذن، فالحكومة المقبلة ستكون تجريبية؛ بمعنى أنها تدخل في تجربة جديدة في فلسفة وآليات تشكيلها، وبخاصة أنه يستبعد أن يكون لدينا حزب يحظى بأغلبية برلمانية، بل ستكون هناك مجموعة من الكتل والأحزاب تعمل معا للمرة الأولى، وتخوض تجربتها الأولى في التشاور وتشكيل الحكومة. وهذا سوف يزيد صعوبة المهمة وتعقيدها؛ فحتى في الأنظمة السياسية العريقة، تكون الائتلافات والتوازنات السياسية نقطة ضعف قاتلة في الحكومات وقدرتها وفاعليتها، لأنها ائتلافات مهددة بالتفكك وفقدان الأغلبية.
ولكن، ربما تتشكل مبادرات سريعة وفورية لإنشاء أحزاب سياسية جديدة من النواب والسياسيين والنشطاء والوزراء والمسؤولين السابقين والأعيان. لن تكون هذه الأحزاب تحولا كبيرا في العمل السياسي، ولكنها محاولة لتحقيق أعمال وإنجازات اعتمادا على شخصيات تقليدية ومجربة، وهذه هي قوة وضعف المبادرة في الوقت نفسه.
(الغد )