لماذا التسرع في تعيين أعضاء مجالس المحافظات؟؟
المحامي صدام ابو عزام
جو 24 :
طالعتنا وسائل الإعلام بخبر قرار مجلس الوزراء بتعيين أعضاء مجالس المحافظات وفقاً لأحكام قانون اللامركزية، حيث حدد المادة (6 ) فقرة ( د ) منه صلاحية مجلس الوزراء تعيين ما لا يزيد عن ( 15%) من عدد أعضاء المجلس المنتخبين أعضاء في المجلس على أن يخصص ثلث هذه النسبة للنساء، الغريب في الأمر أنه لم يمضِ على الانتخاب سوى ساعات قليلة، بل ولم يصدر التقرير النهائي من الهيئة المستقلة للانتخاب حول النتائج الرسمية ولم تكتسب الدرجة القطيعة حيث لا تزال عملية الطعون مقبولة وفقاً لأحكام القانون.
لعل هذا الإجراء، يعيدنا الى المربع الأول من النقاش حول الغاية من تعيين أعضاء في مجالس المحافظات، وعلى الرغم من حالة الخلاف والرفض حول تقنين مسألة التعيين الا أن بعض الأنظمة القانونية استساغ مثل هذا الإجراء بداعي رفد المجالس بالخبرات والمهارات اللازمة لتمكينهم من القيام بأدوارهم المنوطة بهم على أكمل وجه.
ولعل المتابع لمراحل النقاش الوطني المرافقة لإصدار القانون نجد العديد من التصريحات الرسمية وشبه الرسمية وحالة اتفاق عام على أن هذا التعيين الهدف منه رفد المجلس بالخبرات اللازمة في حال لم تعسف الإنتخابات بذلك، بمعنى أن الاعضاء المعينين يمثلون رافداً معرفياً وخبراتياً للمجلس في أداء مهامه وواجباته. ومن جهة أخرى ضمان تمثيل لكافة مكونات المجتمع المحلي لتشكل رافعة لتصحيح المسار الثقافي نحو بعض الاقليات.
وكان الأجدر أن ترسل الحكومة رسالة تطمين للمجتمع الاردني تشكل دعماً حقيقيا لضمان إنجاح مشروع اللامركزية والذهاب باتجاه التعيين بحكم الوظيفة مثل منسق هيئة شباب كلنا الاردن، أو مدير مركز الشباب أو مراكز الاميرة بسمة المنتشرة في كافة المحافظات أو اتحاد المرأة أو مؤسسات المجتمع المدني العاملة في المحافظات أو مراكز الخبرة أو النقابات المهنية.
سيما وأن الحديث عن دعوة المجالس للإجتماع لا يزال مبكراً حيث وحسب أحكام المادة ( 33 ) من قانون اللامركزية يتم دعوة المجلس لعقد أول اجتماع له خلال ( 30 ) يوماً بعد نشر النتائج النهائية في الجريدة الرسمية، بمعنى بعد انتهاء مدد الطعن واعتماد النتائج النهائية من الهيئة ونشرها في الجريدة الرسمية بعد ذلك وخلال ( 30) يوم يتم الدعوة للإجتماع الاول.
الأصل أن يتم دراسة وتحليل مخرجات العملية الانتخابية في مجالس المحافظات بالمقارنة مع المهام والصلاحيات التي حددها القانون وتحديد المتطلبات والخبرات والكفاءات المطلوبة للنهوض بها على أكمل وجه، وتحليل المتوفر منها وفقاً لنتائج الانتخابات وحصر الاحتياجات وتحديد معايير لتلك الاحتياجات في كل محافظة لاختلافها عن بعضها ومن ثم البدء في مراحل عملية التعيين، فضلاً عن مسح علمي موضوعي للخارطة السكانية والجغرافية في كل محافظة ومدى تأثير أي شخص مرشح للتعين في هذه المجالس أن يكون إضافة نوعية حقيقية تشكل قوة دفع علمي وحالة إثراء معرفي وخبراتي للمجلس، بمعزل عن هذه الأدوار لا يمكن الحديث عن مسار طبيعي ومؤسسي لعملية التعيين.
وللأسف يبدو أن ذات العقلية والذهنية التي كانت تنسب بتعيين المجالس الاستشارية في المحافظات ذاتها التي أدارت هذه المسألة اذ لا يزال البعض غير مؤمن بفكرة اللامركزية ويعتقد بأن مجالس المحافظات هي مجالس استشارية لا يتعدى دورها هذا البعد الاستشاري.
لعل تفكيك المراحل التحضيرية لصنع القرار باعتقادي هي الاولوية وتمثل حالة مطلبية للإصلاح في أغلب مؤسساتنا الوطنية والتي لا تزال تتمترس خلف نهج تقليدية في إجراءات وفلسفة بناء القرار ولا تستند في مسارها العملي بالأبعاد العلمية والموضوعية لتلك القرارات أو بالتطورات التي تطرأ على الساحة العامة، وتبقى مسكونة بهواجس الخوف من أبعاد اجتماعية وأمنية وشخصية في بعضها الأخر، حيث أن مثل هذه الاجراءات غير المدروسة وغير المستندة الى عمق معرفي بإمكانها أن تلحق بالغ الضرر بالفهم العام لأدوار مجالس المحافظات وبالنتيجة بمشروع اللامركزية برمته.
في ذات السياق، على من يعتقد أن مجالس المحافظات ليس لها أدوار تنفيذية واستراتيجية وتخطيطية وانما هي مجالس موازية للمجالس الاستشارية أن ينتبذ لنفسه مكاناً قصياً، ويعيد النظر في مصادره المعرفية والعملية، واذا أتيح لحملة هذا الفكر التسلسل والمشاركة في الأعمال التحضيرية للقرارات المتعلقة بمجالس المحافظات فإن أفكارهم كفيلة بإفشال فكرة اللامركزية برمتها.
دون الدخول في تحليل الاسماء التي تم تعيينها أو التعرض والمساس بذوت السادة المعيين مع بالغ الاحترام للجميع لكن نظرة فاحصة تعطيك مؤشرات كبيرة ودلالات عميقة عن البعد الموضوعي حول مسار عملية التعيين بالمقارنة مع الغاية التي أستحدث منها مثل هذا الاجراء – أي التعيين-.
اللامركزية مشروع ذو أولوية وطنية جاء نتيجة نقاش وطني كبير وعميق لاقى قبول واستحسان ربما من الكافة - مع خلافات حول بعض التفاصيل- وأخذ حيز كبير من مساحة النقاش العام ووقت المؤسسات الوطنية وخصص له موارد مالية باهظة ليتم إنضاجه وإخراجه بأحسن صورة وبما يخدم الاهداف التي جاء من أجلها، وعليه، غير مقبول ولا مبرر ولا معقول أن يتم بهذه السرعة اتخاذ إجراءات من شأنها النيل من هذا المشروع وأن تخرجه عن أهدافه وغاياته.