مجلس النواب السابع عشر
عندما تصدر الصحيفة صباح اليوم، ستكون قد ظهرت نتائج الانتخابات النيابية وعرفها المواطنون. ولكن هذه المقالة كتبت أمس الساعة السادسة مساء؛ ولا يمكن الكتابة إلا حول نتائج الانتخابات التي لم تكن قد ظهرت، وهذا أسوأ ما يواجهه الكاتب.
لكن، وفي جميع الأحوال، فإن ما يجب ويُتوقع الحديث عنه في اليوم الأول لمجلس النواب الجديد يكاد يكون محسوما مهما كانت نتائج الانتخابات: حكومة برلمانية متوقعة، يفترض أن تؤسس لحياة سياسية جديدة، قائمة على مشاركة النواب ودورهم القيادي المفترض والمتوقع في الحياة السياسية؛ وتشريعات سياسية واقتصادية تساهم في بناء الإصلاح القائم على العدالة الاجتماعية والاقتصاد الاجتماعي وترشيد الدور الاقتصادي والاجتماعي للدولة؛ والانطلاق في الوعود التي ينتظرها المواطنون، من عدالة ومكافحة للفساد! أو بعبارة واقعية بسيطة: تحسين حياة المواطنين، والارتقاء بمستوى معيشتهم.
ثمة فرصة كبيرة للإصلاح إن أراد النواب والحكومة المنبثقة عن مجلسهم؛ إصلاح لا يحتاج إلى موارد إضافية، ولكن بإعادة توزيع الإنفاق العام وترتيب الأولويات والسياسات المقبلة على النحو الذي يُصلح العمل والسياسات الضريبية، ويرتقي بالأداء العام، وبخاصة في التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية والنقل.
أعتقد أنه في حال قدرتنا على إصلاح التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية، فسوف نخفف عبئا كبيرا عن الطبقات الوسطى، ونساعدها بذلك على إعادة توجيه مواردها ومدخراتها باتجاه تحسين حياتها في السكن والطعام واللباس والاستهلاك الأساسي. ونحن بذلك نؤسس لاقتصاد وطني مزدهر، لأن اقتصاد السكن والغذاء هو تدوير للأموال في مجالات تحسين الحياة، وفي البلد والمجتمع نفسه؛ ويقلل كثيرا من الواردات وتحويل الأموال إلى الخارج، ويحرك سوق عمل وطنية واسعة وممتدة في الحياة الاجتماعية والمهنية والحرفية. وسوف يتيح الإصلاح الضريبي، من تفعيل للتحصيل الضريبي، ومواجهة للتهرب الضريبي والجمركي، مجالا واسعا لتفعيل الموارد العامة، وتخفيف العبء الضريبي عن معظم فئات المجتمع، لأنه ليس الفقراء ولا متوسطو الحال هم من يتهرب من الضريبة والرسوم الجمركية!
الارتقاء بالتعليم والصحة لا يؤدي فقط إلى تخفيف العبء الاقتصادي عن المواطنين، ولكنه ينشئ بيئة فاعلة وواسعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. فالمفترض في تعليم متطور وفاعل أن يرتقي بالمشاركة المهنية والحرفية والاجتماعية في سوق العمل الوطنية والإقليمية والعالمية؛ كما ترتقي الرعاية الصحية، بالتأكيد، بمستوى العمل والإنتاج.
ليس منتظرا تحقيق معجزات ولا مفاجآت، ولكن فقط أن يؤدي النواب والوزراء واجباتهم التي سوف يقسمون على أدائها، وهي واضحة تماما، ويدركها اليوم جميع المواطنين! ولشديد الأسف، فإنها المطالب نفسها التي كنا نلحّ عليها في اليوم الأول لكل المجالس النيابية السابقة!
(الغد)