فرص وتحديات في الحياة السياسية المقبلة
ابراهيم غرايبة
جو 24 : "إن الاكتشاف الأعظم الذي شهده جيلي، والذي يقارن بالثورة الحديثة في الطب، هو معرفة البشر أن بمقدورهم تغيير حياتهم عبر تغيير مواقفهم الذهنية" وليم جيمس.
متابعة لرؤية الملك بأن تطوير الحياة السياسية يعتمد أساسا على أحزاب فاعلة، ونظام إداري حكومي مهني ومحايد، ونظام داخلي برلماني ملائم، ومعارضة إيجابية تعمل وتراقب بفاعلية؛ يحضر سؤال بديهي وتلقائي: إلى أي درجة يمكن أن ننشئ يوم الخميس المقبل حياة سياسية تحقق هذه الشروط والمبادئ؟
بطبيعة الحال، ولسوء/ حسن الحظ، فإن التطور السياسي المأمول، أو التراجع أو الجمود والركود، ليست مسارات حتمية، ولا تهبط بتلقائية. وهي ليست منخفضا جويا، بمعنى أنه لا علاقة لنا بصنعها وإنتاجها. فالمستقبل غالبا ما يمكن صنعه وإنتاجه. ولذلك، فإننا حين نتحدث عن توقعاتنا للحياة السياسية المقبلة، فإننا لا نتنبأ بالغيب، ولكننا نقدر فرص نجاحنا وفشلنا، وقوتنا وضعفنا، والمعطيات التي تسمح بحدوث مسار مرغوب أو مرفوض أو متوقع!
لن تهبط الحكومة البرلمانية يوم الخميس مثل منخفض جوي أو ملائكة من السماء منزلين، وليس فشلها أيضا حتميا إلا بمقدار ما نريد لها أن تفشل! هناك بالطبع أسباب ومعطيات كثيرة تجعل فرصة تحقيق حكومة برلمانية قائمة على تعددية سياسية صعبة. ومن المرجح، في جميع الأحوال، أنها لن تتشكل بتلقائية، إلا إذا فاجأنا بعض الأحزاب والقوائم السياسية باختراقات كبيرة ومهمة في مجلس النواب. وعلى الأغلب، فإن مفاوضات عسيرة وطويلة سوف تجري لأجل تشكيل تجمع نيابي يملك أغلبية برلمانية! وحتى في هذه الحالة، فإن حاجة كبيرة وملحة ستفرض نفسها فورا لتطوير آليات عمل هذا التجمع النيابي ليكون قادرا على الاستمرار والصمود.
إن الضمانة الممكنة لإنجاح العملية السياسية المقبلة هي الإصرار عليها، برغم كل فرص تفكك التجمعات السياسية وضعف الأداء الحكومي في ظل وزراء سياسيين ونواب، ومعارضة تقليدية مصرة على إستراتيجية المقاومة السلبية، والنظر إلى النجاح باعتباره إفشال الحكومة أو إضعافها!
ذهنية الحكومة الدائمة (الطبقة) والمعارضة الدائمة لم تعد تصلح أبدا، إن كانت تصلح ابتداء. بل إنها أفسدت الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية. ويجب أن نقول إن الإخوان المسلمين، ومن قبلهم القوميون واليساريون، ساهموا في تشكيل هذه البيئة الفاسدة التي أحاطت بالعمل السياسي، ثم امتدت إلى الحياة الاجتماعية والثقافية. وقد كان ذلك بطبيعة الحال ملائما جدا للحكومة (الطبقة).
وكان يجب أن تتغير هذه البيئة المحيطة في العام 1989، لتقوم الحياة السياسية على الحكم والمعارضة في نظام سياسي واحد، تتبادل فيه القوى السياسية مواقعها بين الحكم والمعارضة. لكن نلاحظ اليوم أن لدينا مصطلحات عملية نستخدمها في الأردن مختلفة اختلافا كبيرا عن مفهومها في اللغة والسياسة. فوصف المعارضة والحكومة في الأردن هو وصف دائم لطبقات وفئات وجماعات تولد وتموت وهي توصف بالوصف نفسه. وحتى عندما تخرج قوى وشخصيات من الحكومة (المؤسسة)، فإنها تظل موصوفة بأنها "حكومة". وعندما تدخل المعارضة في الحكومة، فإنها تظل أيضا معارضة. ومن المؤكد أن مقولات المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين، همام سعيد، حول الدولة الإسلامية والخلافة، تؤكد هذا العقل الباطن القائم على الانفصال الشعوري والفكري والاجتماعي الراسخ الذي يوجه العمل والتفكير السياسي لدى الإخوان المسلمين. وبالمناسبة، فإن القوميين واليساريين لم يكونوا مختلفين في انفصالهم هذا، بل كان الاختلاف فقط في تفسير وتبرير الانفصال.
لا يمكن التقدم في الحياة السياسية من غير استبعاد هذه الذهنية المحيطة بالعمل السياسي والحاكمة، والنظر إلى الحكم والمعارضة على أنهما وجهان لعملة واحدة، ولا يختلفان عن بعضهما إلا بمقدار الاختلاف بين طرفي الملعب في مباراة، وتبادلهما لا يختلف عن تبادل اللونين الأبيض والأسود في لعبة الشطرنج على سبيل المثال. وإذا كان همام سعيد يعتقد أنه يحضر للفتح الإسلامي العظيم، ويحشد للموقف الفاصل، فتلك قاصمة الظهر! وعلى أي حال، فإنها قصة طويلة جدا تحتاج إلى عودة أكثر تفصيلا!
تستطيع الكتل السياسية والبرلمانية أن تعيد تنظيم نفسها وفق نتائج الانتخابات، لتنتظم في تجمعات سياسية ونيابية قائمة على النواب وشخصيات سياسية ونشطاء وشباب وقواعد اجتماعية. وهذا لن يحدث تلقائيا، وإنما يحتاج إلى مبادرات سياسية جديدة، مختلفة عن تقاليد العمل السياسي السابقة. كما لن يكون عملا سهلا وتلقائيا أن يعمل النواب معا لإدارة الحكم أو المعارضة، ولكنها عملية لا بد من خوضها. وربما يتطور العمل السياسي خلال التجربة والممارسة. والنجاح السياسي هذا لن يؤدي بالضرورة إلى تقدم اقتصادي وتنمية؛ فالفقر والبطالة يرتبطان بدرجة ما بالإصلاح السياسي، ولكن هذا الإصلاح ليس حلا تلقائيا للمشكلة! ومن المؤكد أن أسهل الحلول والأفكار هو الخروج إلى الشارع والمطالبة بالإصلاح!الغد
متابعة لرؤية الملك بأن تطوير الحياة السياسية يعتمد أساسا على أحزاب فاعلة، ونظام إداري حكومي مهني ومحايد، ونظام داخلي برلماني ملائم، ومعارضة إيجابية تعمل وتراقب بفاعلية؛ يحضر سؤال بديهي وتلقائي: إلى أي درجة يمكن أن ننشئ يوم الخميس المقبل حياة سياسية تحقق هذه الشروط والمبادئ؟
بطبيعة الحال، ولسوء/ حسن الحظ، فإن التطور السياسي المأمول، أو التراجع أو الجمود والركود، ليست مسارات حتمية، ولا تهبط بتلقائية. وهي ليست منخفضا جويا، بمعنى أنه لا علاقة لنا بصنعها وإنتاجها. فالمستقبل غالبا ما يمكن صنعه وإنتاجه. ولذلك، فإننا حين نتحدث عن توقعاتنا للحياة السياسية المقبلة، فإننا لا نتنبأ بالغيب، ولكننا نقدر فرص نجاحنا وفشلنا، وقوتنا وضعفنا، والمعطيات التي تسمح بحدوث مسار مرغوب أو مرفوض أو متوقع!
لن تهبط الحكومة البرلمانية يوم الخميس مثل منخفض جوي أو ملائكة من السماء منزلين، وليس فشلها أيضا حتميا إلا بمقدار ما نريد لها أن تفشل! هناك بالطبع أسباب ومعطيات كثيرة تجعل فرصة تحقيق حكومة برلمانية قائمة على تعددية سياسية صعبة. ومن المرجح، في جميع الأحوال، أنها لن تتشكل بتلقائية، إلا إذا فاجأنا بعض الأحزاب والقوائم السياسية باختراقات كبيرة ومهمة في مجلس النواب. وعلى الأغلب، فإن مفاوضات عسيرة وطويلة سوف تجري لأجل تشكيل تجمع نيابي يملك أغلبية برلمانية! وحتى في هذه الحالة، فإن حاجة كبيرة وملحة ستفرض نفسها فورا لتطوير آليات عمل هذا التجمع النيابي ليكون قادرا على الاستمرار والصمود.
إن الضمانة الممكنة لإنجاح العملية السياسية المقبلة هي الإصرار عليها، برغم كل فرص تفكك التجمعات السياسية وضعف الأداء الحكومي في ظل وزراء سياسيين ونواب، ومعارضة تقليدية مصرة على إستراتيجية المقاومة السلبية، والنظر إلى النجاح باعتباره إفشال الحكومة أو إضعافها!
ذهنية الحكومة الدائمة (الطبقة) والمعارضة الدائمة لم تعد تصلح أبدا، إن كانت تصلح ابتداء. بل إنها أفسدت الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية. ويجب أن نقول إن الإخوان المسلمين، ومن قبلهم القوميون واليساريون، ساهموا في تشكيل هذه البيئة الفاسدة التي أحاطت بالعمل السياسي، ثم امتدت إلى الحياة الاجتماعية والثقافية. وقد كان ذلك بطبيعة الحال ملائما جدا للحكومة (الطبقة).
وكان يجب أن تتغير هذه البيئة المحيطة في العام 1989، لتقوم الحياة السياسية على الحكم والمعارضة في نظام سياسي واحد، تتبادل فيه القوى السياسية مواقعها بين الحكم والمعارضة. لكن نلاحظ اليوم أن لدينا مصطلحات عملية نستخدمها في الأردن مختلفة اختلافا كبيرا عن مفهومها في اللغة والسياسة. فوصف المعارضة والحكومة في الأردن هو وصف دائم لطبقات وفئات وجماعات تولد وتموت وهي توصف بالوصف نفسه. وحتى عندما تخرج قوى وشخصيات من الحكومة (المؤسسة)، فإنها تظل موصوفة بأنها "حكومة". وعندما تدخل المعارضة في الحكومة، فإنها تظل أيضا معارضة. ومن المؤكد أن مقولات المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين، همام سعيد، حول الدولة الإسلامية والخلافة، تؤكد هذا العقل الباطن القائم على الانفصال الشعوري والفكري والاجتماعي الراسخ الذي يوجه العمل والتفكير السياسي لدى الإخوان المسلمين. وبالمناسبة، فإن القوميين واليساريين لم يكونوا مختلفين في انفصالهم هذا، بل كان الاختلاف فقط في تفسير وتبرير الانفصال.
لا يمكن التقدم في الحياة السياسية من غير استبعاد هذه الذهنية المحيطة بالعمل السياسي والحاكمة، والنظر إلى الحكم والمعارضة على أنهما وجهان لعملة واحدة، ولا يختلفان عن بعضهما إلا بمقدار الاختلاف بين طرفي الملعب في مباراة، وتبادلهما لا يختلف عن تبادل اللونين الأبيض والأسود في لعبة الشطرنج على سبيل المثال. وإذا كان همام سعيد يعتقد أنه يحضر للفتح الإسلامي العظيم، ويحشد للموقف الفاصل، فتلك قاصمة الظهر! وعلى أي حال، فإنها قصة طويلة جدا تحتاج إلى عودة أكثر تفصيلا!
تستطيع الكتل السياسية والبرلمانية أن تعيد تنظيم نفسها وفق نتائج الانتخابات، لتنتظم في تجمعات سياسية ونيابية قائمة على النواب وشخصيات سياسية ونشطاء وشباب وقواعد اجتماعية. وهذا لن يحدث تلقائيا، وإنما يحتاج إلى مبادرات سياسية جديدة، مختلفة عن تقاليد العمل السياسي السابقة. كما لن يكون عملا سهلا وتلقائيا أن يعمل النواب معا لإدارة الحكم أو المعارضة، ولكنها عملية لا بد من خوضها. وربما يتطور العمل السياسي خلال التجربة والممارسة. والنجاح السياسي هذا لن يؤدي بالضرورة إلى تقدم اقتصادي وتنمية؛ فالفقر والبطالة يرتبطان بدرجة ما بالإصلاح السياسي، ولكن هذا الإصلاح ليس حلا تلقائيا للمشكلة! ومن المؤكد أن أسهل الحلول والأفكار هو الخروج إلى الشارع والمطالبة بالإصلاح!الغد