ننجح سياسيا ونفشل بتسويق أنفسنا
استيقظ الرأي العام في الأردن وفي إسرائيل أيضا بعد خمسة أشهر على أنغام خبر الإعتذار الرسمي «للحكومة الإسرائيلية» والتي أعقبها إعتذار شخصي من رئيسها بنيامين نتانياهو موجه للأردن عن الجريمة التي وقعت في محيط السفارة الإسرائيلية بعمان تموز الماضي ، في السياسة يكون الإعتذار هو مفتاح الحل للقضايا وليس الحل النهائي، ولكن نتانياهو الذي يحكم بعقلية الثور الهائج لا يؤمن كثيرا بنظرية الإعتذار، فهو دمر كل الحواجز الدبلوماسية واللباقة السياسية عندما استقبل الضابط القاتل «زئيف مويال»، وأخذته العزة بالأثم فأوعز للجميع بعدم التعاطي مع القضية بأخلاق وأعراف الدبلوماسية، ولكن النهاية كانت أن قرفص وهز بذنبه معترفا بذنبه.
في الأردن هناك مساق أخلاقي للسياسة والدبلوماسية الخارجية منذ زمن بعيد، فالملك الحسين طار الى إسرائيل عقب مقتل الطالبات في الباقورة على يد الجندي الدقامسة، وزار عائلات الفتيات وقدم التعويض الأخلاقي « الإعتذار والأسف» لمقتل طالبات صغيرات غير مسلحات، ولم يكن ذلك بسبب معاهدة السلام الفتية آنذاك، ولكن لأن الظروف الإنسانية وتقاليدنا العربية وعقيدتنا الإسلامية لا تسمح بما حدث،فضلا عن العقيدة العسكرية التي لا تسمح لمقاتلة المدنيين، ولكن في إسرائيل العقيدة مختلفة تماما في ظل حكم اليمين الصهيوني، فقتل الأطفال يبدو كنزهة صيد ممتعة.
كان واضحا منذ بداية القصة إن الأردن وعلى أعلى المستويات بات مشتبكا بأعقد مشكلة مع الكيان الإسرائيلي، وعلى الرغم من تفاصيل الحادثة الأولية وشخوصها من الطرف الأردني، والتي أمسك عن تفاصيل لا يعلمها سوى المختصين، فإن موقف جلالة الملك كان واضحا وقويا وصارما تجاه البجاحة التي مارسها نتانياهو، قبل وبعد استقبال القاتل الإسرائيلي، فقد رفض الملك أي إتصال مع نتانياهو وأوعز للجميع بالتمترس في خندق الرفض لأي تسويات أو وساطات حتى مع الجانب الأميركي، وهذا لا يحدث عادة إلا إن كان الكيل قد طفح فعلا، وقد راهن الأردن على قوته الداخلية وسياسة المواجهة الفضة حتى يفرض حقه،وهذا ما حصل بطريقة أو بأخرى.
من هنا يتبين للجميع عدة حقائق أن الحكومة الإسرائيلية لا تعترف بسهولة بأخطائها الصغيرة، فكيف بخطاياها الكبيرة، ولذلك لم يكن نتانياهو ليستسلم بسهولة ، ليس لأنه حريص على إعادة فتح السفارة بل لأنه وجد نفسه جالسا على قمة الشجرة دون أي سلم للنزول، فيما خصمه الأردني كان عنيدا بما يكفي لتركيعه في النهاية، فالرجل يواجه أزمات متعددة من مطاردة الشرطة له للتحقيق معه والمظاهرات المستمرة ضد فساد الحكومة والشخصيات المقربة منه ، والرفض العالمي لمبدأ الإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وبدء فشل مخططه للإلتفاف نحو العالم العربي من فوق حدود اتفاقيات السلام الموقعة مع الثلاثي العربي.
على الجانب الأردني يبرز التحدي الإقتصادي والذي بات يضغط على الواقع الأمني مزيدا من التحديات الداخلية والخارجية ، فذهاب الحكومة الى أقصى وأقسى القرارات التي أغلقت كل الآمال في وجوه الطبقة الفقيرة وهي الأكبر، لم يعد ينبئ بأي إنفراج للبحبوحة المالية للعائلات أو للقطاعات الإقتصادية، في ظل إنقطاع أي تمويل خارجي بكافة أشكاله، ولهذا حديث طويل ولكنه يتشابك مع بقاء السياسة الخارجية على منطق الخلاف المستمر، فالإدارة الأميركية الحالية لم تعد مهتمة بالحزن لما آلت إليه أوضاعنا، إلا من باب حاجتها لإستقرار الأردن.
لهذا تأتي زيارة نائب الرئيس الأميركي مايك بينس اليوم الأحد للأردن غاية في الأهمية، ليس على صعيد توضيح سياسة البيت الأبيض عقب إعلان القدس،و شرح مستجدات الخطة الأميركية للسلام و التي تتقاطع ومصالح الأردن العليا، ولكن أيضا هناك تجديد إتفاقية المساعدات الأميركية للأردن للسنوات الخمس القادمة بنحو مليار ونصف ملياردولار سنويا كمساعدات عسكرية واقتصادية وهذا مهم جدا للأردن في ظل الضائقة المالية الخانقة، ما يعطينا دفعة نحو الأمام قليلا للإلتزام بمهامتنا الأمنية والخدمية، وهذا الأمر لا يفهمه كثير من الباحثين عن الشهرة الذين لا يفرقون بين السياسات الحكومية القاصرة وما بين الإلتزامات الأردنية كدولة تصارع لبقائها على لائحة النظام العالمي.
للأسف أن يكون لدينا تلك القوة لإجبار خصومنا خارجيا وإنجاح إرادتنا السياسية داخليا، فيما لا يستطيع المعنيون تسويق بضاعتنا السياسية خارجيا ثم نريد من غيرنا الوقوف معنا.
Royal430@hotmail.com