jo24_banner
jo24_banner

تفهم الأشياء كما تدركها الحواس

ابراهيم غرايبة
جو 24 : "من حقك أن تكون مفهوما"؛ عبارة تعلمتها من الصديق جمال الطاهات. والحال أن هناك أزمة في فهم المسائل والأفكار، تجري في العلم والسياسة والإعلام، والحوارات والنقاشات، وفي الكتابة والبحث والردّ والتعليق.
وأقدر أن لذلك أسبابا كثيرة ومعقدة، منها الفهم المختلف للمصطلحات والكلمات ودلالاتها. ويمكن سرد قائمة طويلة جدا من الكلمات والمصطلحات التي تعني لدى الناس أشياء مختلفة عن بعضها، وتؤدي إلى اختلاف كبير في التقدير والنقاش والمواقف أيضا. مثال ذلك: النخبة، وتعني القادة. وهي ليست مدحا أو ذما. صحيح أن من معاني النخبة "الأفضل"، ولكن يجب ملاحظة السياق، وهي غالبا تعني القادة السياسيين والاجتماعيين والاقتصاديين؛ هم نخبة، ويقال أحيانا "صفوة"، لأنهم قادة فقط؛ فلا تعني الكلمة سوى أنهم قادة: نواب، ووزراء، وأعيان، ومديرون، ورؤساء، وأعضاء مجلس إدارة، وقادة اجتماعيون.. وربما يكون من أسباب اللبس وتعدد الفهم أن المصطلح تشكل في الثقافة الغربية، ومنح اسم النخبة هناك بدون أن يعني ذلك بالضرورة "الأفضل".
وهناك اختلاف بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي. صحيح أن المصطلح مستمد من اللغة، وله أساس لغوي، ولكنه اتخذ شخصية واستخداما محددا. ويمكن ملاحظة ذلك في قواميس اللغة الإنجليزية في سرد تاريخ الكلمة، وكيف أخذت على مدى الزمن معاني مختلفة ومتعددة، وكيف تطور استخدامها ومعناها. نحتاج إلى جهد علمي لغوي عربي مكافئ، يتتبع الكلمات وتطور معانيها ودلالاتها واستخداماتها. وبغير ذلك، فإننا سنظل في متاهة، وسوف يظل الكاتب والباحث والمتحدث يخصص مساحات وأوقاتا كثيرة لتحديد المقصود بالمصطلحات والكلمات. والأكثر صعوبة وتعقيدا هو أن الكاتب يحتاج إلى مقدمات واستطرادات طويلة ومعقدة ليوضح ما ليس مقصودا؛ وهذا مربك ومزعج. وفي الثقافة الأردنية (وربما العربية)، تحتاج إلى قدر واسع من الخبرة والذكاء لتدرك وتحدد ما ليس مقصودا في كلامك! وتفاجأ دائما في الصحافة وفي الحياة اليومية أنك فُهمت على نحو لم يخطر ببالك. هناك أيضا فرق بين الفهم الشعبي الاجتماعي وبين الاستخدام العلمي للمصطلحات والكلمات؛ بيروقراطية، فلسفة، براغماتية.. فتقليدية كلاسيكية على سبيل المثال، لها معان شعبية سلبية، ولكنها في العلوم واللغة لها معان ودلالات محددة، وهي غالبا إيجابية وليست كما هي في الانطباع الشعبي والاجتماعي السائد.
من الطُرف المأساوية في هذا السياق، أن أساتذة جامعيين وباحثين أكاديميين، فضلا عن صحفيين ومثقفين، يظنون أن معنى "عينة عشوائية" هو: كما اتفق؛ يعني "اللي بتلقاه في وجهك". ويستخدم في البحث مصطلح مجتمع الدراسة، ولكنه يفهم بأنه المجتمع بشكل عام.
ويستخدم اليوم، وعلى نحو واسع، مصطلح "الخطاب"؛ بمعنى التعبير التطبيقي عن نظرية أو فلسفة. ولكن عددا كبيرا من المثقفين والباحثين والأكاديميين لا يفهمون معناه، والأطرف من ذلك أن بعضهم يصرح عن فهمه للمصطلح بأنه "الخطبة" و"الخطابة".الغد
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير