2024-08-21 - الأربعاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

"التريّف" والجماعات الإسلامية يعصفان بالمدن والطبقات الوسطى

ابراهيم غرايبة
جو 24 : هل يعبر الإخوان المسلمون عن أزمة المدن العربية؟ بمعنى، هل تعكس أزمة التشدد الديني، والتجمعات السياسية والانتخابية على أسس مختلفة عن المحركات الأساسية والحقيقية المفترض أن تفسر تجمعات الناس واختلافاتهم، وصعود النخب السياسية والاجتماعية؛ هل تعكس غياب التشكلات الاجتماعية والمهنية والاقتصادية المؤثرة في تشكيل العلاقات السياسية وبناء المجتمعات؟ السؤال إذن: هل نواجه التشدد والتريف بالتمدن؟
نعم، بالطبع؛ ولا حاجة إلى إثبات ذلك. ولكن، لا بأس في هذا السياق من اختبار النظر إلى التشكلات "الإسلاموية السياسية" باعتبارها واحدة من الأعراض والمشكلات التي نشأت عن تشوه المدن والمجتمعات، ومثلها التجمعات العشائرية والقرابية لأهداف انتخابية مدنية أو نقابية أو نيابية.
ولا بدّ من الاستدراك هنا، وتأكيد القول وتكراره أيضا، بأن النقد ليس موجها أساسا إلى الدين أو العشائرية، ولا يدعو الكاتب إلى إقصائهما وتهميشهما؛ فالدين والعشيرة والأسرة مصادر للتشكل والتضامن، وتنشئ قيما مهمة وضرورية لحماية المجتمع ومصالحه وأهدافه. ولكن الفكرة الأساسية هي أن توضع هذه المصادر في مكانها الصحيح والملائم. فالدواء على سبيل المثال، ضروري جدا لحياة الناس وشفائهم، ولكن يجب أن يستخدم لهذا الهدف؛ وسوف يؤدي استخدامه طعاما أو للتسلية أو الضيافة، أو التوسع في وصفه واستخدامه من غير قواعد وضوابط صحيحة، إلى عكس أهدافه. ولا يعني انتقاد ذلك أبدا مهاجمة الدواء أو الدعوة إلى الاستغناء عنه! فأزمة المجتمعات والدول مع "الإخوان المسلمين" و"الإسلام السياسي" بعامة، ليست في الإسلام بالتأكيد، ولكنها في مجالات توظيفه، والصراع عليه، والصراع حوله.
وعودة إلى أزمة المدن العربية التي تلخص الأزمات السياسية والاجتماعية برمتها، لأنها مبتدأ الإصلاح، ومبتدأ الفساد أيضا. فالمدن، وبخاصة العواصم في توسعها السريع، تحولت إلى قرى عملاقة؛ حولها الوافدون إليها إلى ريف ممتد، بدلا من أن تحولهم إلى متمدنين. وهذا ينشئ متوالية من الأزمات والتوترات. فالمجتمعات المدينية في خدماتها واحتياجاتها المعقدة، تحتاج إلى منظومة من الثقافة والقيم والعلاقات والتشكيلات الاجتماعية المكافئة لهذه الاحتياجات والأولويات: البلديات، ومنظمات المجتمع المدني، والخدمات الأساسية والاجتماعية والترويحية. وحين تعجز الدولة والمجتمعات عن تلبية أولويات الناس وتطلعاتهم، تتحرك منظومات بديلة تشكل الناس حسب روابط القرابة؛ أو تتحرك الجماعات الدينية ليس لأجل أن يكون الدين مصدرا للتمدن والارتقاء والقيم المشتركة لجميع الناس، ولكن لأجل التجمع والتحرك نحو خدمات وأهداف يراها الناس ضرورية وملحة في المدن والمجتمعات، مثل التماسك والتكافل والرضا، أو الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة. والأكثر مدعاة للتجمع والتأييد، هي الوعود الكبرى بالخلاص، سواء في الدنيا أو الآخرة!
وبالتأكيد، فإن هذه المقاربة لا تعفي الإخوان المسلمين والحركات الإسلامية من المسؤولية، وضرورة أن تصحح نفسها وتراجع طريقة تفكيرها لتكون في سياق أهداف المجتمع والدولة الأساسية، وليست أزمة إضافية مع الأزمات الكثيرة المعقدة؛ وأن تكون جزءا من الحلّ، وليس جزءا من المشكلة! فحين نتحدث عن الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تنشئ المشكلات الاجتماعية، مثل الجريمة والإدمان والانحراف، لا نبرر للمخطئين خطأهم، ولكننا نحاول أن نبحث عن الحلّ، وأن نساعد المخطئين أيضا في علاج أنفسهم.
إن المدن تتشكل اجتماعيا حول منظومة من الأعمال والمهن والوظائف والخدمات والموارد. وحين يكون ثمة فجوة بين الواقع الاجتماعي وواقع السوق والأعمال والمؤسسات، تنشأ الأزمة.
كيف تكون الجماعات الإسلامية جزءا من الحلّ، وعونا للمجتمع والدولة في الارتقاء والتنمية والإصلاح؟ أعتقد أنه لم يفت الأوان على ذلك. ونحتاج جميعا، أفرادا وحكومات ومنظمات اجتماعية، أن نفكر معا ومستقلين لنجيب عن سؤال: كيف نجعل الدين موردا للارتقاء والسلم الاجتماعي؟ كيف نخرج من الصراع الاجتماعي والسياسي إلى العمل؟ أو لنقل ببساطة: كيف نجعل الفقر والبطالة عدوين مشتركين لنا جميعا، نتنافس ونتعاون في مواجهتهما؟
وربما تكون المسألة في أن الإصلاح الحقيقي الذي يرتقي بالكرامة والحريات ومستوى الحياة والتنمية الإنسانية، ويؤمن بالحريات الشخصية والاجتماعية، تقوم عليه مجموعات وطبقات لا تملك جَلَد النضال والعمل والتضحية لأجل فكرتها، كما هو الحال في الجماعات الدينية، سواء المتشددة منها أو المعتدلة؛ فتلك المجموعات غالبا من الطبقات الوسطى ذات الحسابات والأفكار المنضبطة والبراغماتية، وينتمي أفرادها إلى أعمار لا تملك من الحماس والصحة والحيوية ما يدفعها إلى التظاهر والاحتجاج والتجمع في الساحات، ولا تملك أفكارها وتصوراتها قاعدة اجتماعية وجماهيرية واسعة وشاملة؛ لا تملك سوى الوعي والسأم.. وسلبية لا تضر الفساد والاستبداد.الغد
تابعو الأردن 24 على google news