كتاب الدين والعلم لـ"برتراند راسل"
ابراهيم غرايبة
جو 24 : شُغلت الإنسانية على مدى تاريخها، بالعلاقة بين الدين والعلم. وكان الجدل بين العلم والدين موضوعا لصراعات ومحاكمات طويلة في عصر النهضة الأوروبي. ويقدم الفيلسوف البريطاني برتراند راسل تحليلا لهذا الجدل، وما يتضمنه من اختلاف واتفاق؛ وما يزال كتابه "الدين والعلم" مهما في فهم هذه العلاقة.
العلم محاولة عن طريق الملاحظة وإعمال العقل -القائم على هذه الملاحظة- لاكتشاف الحقائق الخاصة بالعلم، ثم اكتشاف القوانين التي تربط الحقائق بعضها بعضا. وتستخدم التقنية المعرفة العلمية لتوفير الراحة ووسائل الترف التي كان يستحيل تحقيقها فيما مضى، أو كانت تحتاج إلى تكاليف باهظة. ولكن الدين، كما يقول راسل، ظاهرة أشد تعقيدا من العلم. فجميع الأديان التاريخية لها ثلاثة وجوه: المؤسسة، والعقيدة، ونظام يحكم الأخلاق الشخصية.
التدين الشخصي البحت يمكن أن يبقى، حتى في أكثر العصور علمية، بدون أن يعكر صفوه شيء، طالما أنه يتجنب التورط في تأكيدات يمكن للعلم أن يدحضها. وبالنسبة للعالم المسيحي، كان هناك نوعان من الصراع، حين تصدى العلم لبعض المسلمات المسيحية المهمة، أو بعض المذاهب الفلسفية الضرورية للفكر الديني. وقد استخدم توماس الإكويني العلم والمنطق لإثبات محتويات الكتاب المقدس بالدليل العلمي، من مثل الخالق.
ويأخذ العلم صدقيته من فرص تطبيقه تقنيا. فالنظريات المؤدية إلى اختراعات وتطبيقات، تصدق النظريات العلمية الأخرى. وهكذا تتوقف المعرفة عن أن تكون مجرد مرآة للكون لتصحيح أداة علمية في تناول المادة ومعالجتها.
اضطر اللاهوت أن يؤقلم نفسه مع العلم، ولهذا بدأ تفسير نصوص الكتاب المقدس التي لا تساير العلم على نحو رمزي، ثم قام البروتستانت بنقل مركز السلطة الدينية من الكنيسة إلى الكتاب المقدس وحده، ثم التركيز على روح الفرد.
وفي جميع الأحوال، فالدين مرتبط بالحياة الخاصة التي يشعر بها المؤمنون. وطالما أن الدين يتلخص في طريقة الشعور، وليس فقط في مجموعة من المعتقدات، فإن العلم لا يستطيع أن يتعرض له.
ومن الصراعات التاريخية المشهورة بين الدين والعلم، مقولة نيكولاس كوبرنيكوس (1473–1543) بمركزية الشمس بدلا من الأرض. ثم طور يوهانس كبلر (1571-1630) النظرية على أساس أن الكواكب تدور حول الشمس في مدار إهليلجي بيضاوي. وتحتل قوانين كبلر الثلاثة أهمية عظمى في تاريخ العلم، لأنها وفرت لإسحق نيوتن (1642-1727) الدليل الذي اعتمد عليه لإثباق قانون الجاذبية. كما جاءت قصة غاليليو غاليلي (1564–1642) الذي قدم دراسة للقوانين التي تحكم حركة الأجسام، واستفاد من التلسكوب.
وقد حظرت الكنيسة الكتب التي تقول بدوران الأرض، وصارت الهندسة رجسا من عمل الشيطان. وسجن غاليليو وأدين كوبرنيكوس بعد وفاته، وفرّ رينيه ديكارت إلى هولندا. واستمر هذا الحظر حتى العام 1835. فلم يكن في العصور الوسطى إيمان بسيادة قوانين الطبيعة مثل الآن، واعتقدت العصور الوسطى أن أي شيء فوق الغلاف الجوي للأرض لا يفنى ولا يستحدث.
وأثارت نظرية التطور لتشارلز دارون جدلا ما يزال قائما. وقد ركز علماء اللاهوت في هجومهم على نظرية التطور على فكرة أن الإنسان ينحدر من الحيوانات الأدنى. ولكن مع الزمن، تطور موقف إيجابي من التطور.
وكان وما يزال ثمة ربط بين المرض والشياطين والأرواح الشريرة. ونحن نعلم الآن علميا (يقول راسل) أن الإيمان قادر على شفاء بعض الأمراض، في حين يعجز عن شفاء بعضها الآخر. وقد أصبحت دراسة وظائف الأعضاء علما على يد ويليام هارفي (1578–1657)، مكتشف الدورة الدموية. واستمرت الجامعات الإنسانية تحظر تدريس الدورة الدموية حتى نهاية القرن الثامن عشر، كما استبعد التشريح من أي تعليم طبي. وأثار التلقيح ضد الجدري عاصفة اعتراض من قبل رجال الدين، واعترضوا أيضا في القرن التاسع عشر على استخدام التخدير في العمليات الطبية.الـغـد
العلم محاولة عن طريق الملاحظة وإعمال العقل -القائم على هذه الملاحظة- لاكتشاف الحقائق الخاصة بالعلم، ثم اكتشاف القوانين التي تربط الحقائق بعضها بعضا. وتستخدم التقنية المعرفة العلمية لتوفير الراحة ووسائل الترف التي كان يستحيل تحقيقها فيما مضى، أو كانت تحتاج إلى تكاليف باهظة. ولكن الدين، كما يقول راسل، ظاهرة أشد تعقيدا من العلم. فجميع الأديان التاريخية لها ثلاثة وجوه: المؤسسة، والعقيدة، ونظام يحكم الأخلاق الشخصية.
التدين الشخصي البحت يمكن أن يبقى، حتى في أكثر العصور علمية، بدون أن يعكر صفوه شيء، طالما أنه يتجنب التورط في تأكيدات يمكن للعلم أن يدحضها. وبالنسبة للعالم المسيحي، كان هناك نوعان من الصراع، حين تصدى العلم لبعض المسلمات المسيحية المهمة، أو بعض المذاهب الفلسفية الضرورية للفكر الديني. وقد استخدم توماس الإكويني العلم والمنطق لإثبات محتويات الكتاب المقدس بالدليل العلمي، من مثل الخالق.
ويأخذ العلم صدقيته من فرص تطبيقه تقنيا. فالنظريات المؤدية إلى اختراعات وتطبيقات، تصدق النظريات العلمية الأخرى. وهكذا تتوقف المعرفة عن أن تكون مجرد مرآة للكون لتصحيح أداة علمية في تناول المادة ومعالجتها.
اضطر اللاهوت أن يؤقلم نفسه مع العلم، ولهذا بدأ تفسير نصوص الكتاب المقدس التي لا تساير العلم على نحو رمزي، ثم قام البروتستانت بنقل مركز السلطة الدينية من الكنيسة إلى الكتاب المقدس وحده، ثم التركيز على روح الفرد.
وفي جميع الأحوال، فالدين مرتبط بالحياة الخاصة التي يشعر بها المؤمنون. وطالما أن الدين يتلخص في طريقة الشعور، وليس فقط في مجموعة من المعتقدات، فإن العلم لا يستطيع أن يتعرض له.
ومن الصراعات التاريخية المشهورة بين الدين والعلم، مقولة نيكولاس كوبرنيكوس (1473–1543) بمركزية الشمس بدلا من الأرض. ثم طور يوهانس كبلر (1571-1630) النظرية على أساس أن الكواكب تدور حول الشمس في مدار إهليلجي بيضاوي. وتحتل قوانين كبلر الثلاثة أهمية عظمى في تاريخ العلم، لأنها وفرت لإسحق نيوتن (1642-1727) الدليل الذي اعتمد عليه لإثباق قانون الجاذبية. كما جاءت قصة غاليليو غاليلي (1564–1642) الذي قدم دراسة للقوانين التي تحكم حركة الأجسام، واستفاد من التلسكوب.
وقد حظرت الكنيسة الكتب التي تقول بدوران الأرض، وصارت الهندسة رجسا من عمل الشيطان. وسجن غاليليو وأدين كوبرنيكوس بعد وفاته، وفرّ رينيه ديكارت إلى هولندا. واستمر هذا الحظر حتى العام 1835. فلم يكن في العصور الوسطى إيمان بسيادة قوانين الطبيعة مثل الآن، واعتقدت العصور الوسطى أن أي شيء فوق الغلاف الجوي للأرض لا يفنى ولا يستحدث.
وأثارت نظرية التطور لتشارلز دارون جدلا ما يزال قائما. وقد ركز علماء اللاهوت في هجومهم على نظرية التطور على فكرة أن الإنسان ينحدر من الحيوانات الأدنى. ولكن مع الزمن، تطور موقف إيجابي من التطور.
وكان وما يزال ثمة ربط بين المرض والشياطين والأرواح الشريرة. ونحن نعلم الآن علميا (يقول راسل) أن الإيمان قادر على شفاء بعض الأمراض، في حين يعجز عن شفاء بعضها الآخر. وقد أصبحت دراسة وظائف الأعضاء علما على يد ويليام هارفي (1578–1657)، مكتشف الدورة الدموية. واستمرت الجامعات الإنسانية تحظر تدريس الدورة الدموية حتى نهاية القرن الثامن عشر، كما استبعد التشريح من أي تعليم طبي. وأثار التلقيح ضد الجدري عاصفة اعتراض من قبل رجال الدين، واعترضوا أيضا في القرن التاسع عشر على استخدام التخدير في العمليات الطبية.الـغـد