عندما جربت جدتي العلاج المؤلم
جمال الشواهين
جو 24 : جدتي لأبي اسمها ثريا القاسم، لقبت بأم عباية كونها كانت ترتدي دائما عباءة سوداء إظهارا للشيخة، ولقبت أيضا بالصفورية لأنها مارست الطب العربي والقبالة، وأهل صفورية اشتهر منهم كثر بالطب العربي وتطهير الفتيان، وقد منحها الانتداب الإنكليزي في أربعينيات القرن الماضي شهادة رسمية لممارسة أعمالها الطبية.
وفي تلك الأيام كان أهل الباقورة والقرى المجاورة لنهر الأردن يحتاجونها ويطلبون علاجها، بما في ذلك عقم النساء، وكانت بما لديها من خبرة تحدد إن كان السبب الرجل، ولا تُخبر بالأمر سوى الزوجة وتنصحها بما عليها فعله لتُخبر والدتها بالأمر. وقد استمرّت بممارسة الطب حتى وفاتها في إربد نهاية ستينيات ذات القرن الذي منحت فيه الشهادة الإنكليزية.
في مرة تعرّض والدي لمّا كان طفلا بالسادسة من العمر لمرض رمد العين وكان لديها مسحوقا لهذه الحالة وهمّت ليلا لوضع قليل منه بعينيه لينام على ذلك ويفيق بلا رمد كما اعتادته في المرات التي عالجت بها رمدا. في تلك الأيام لم تكن الكهرباء متوفرة في بلدة الباقورة وقد كانت على بعد أمتار من مشروع روتمبرغ لتوليد الكهرباء، وبسبب الظلمة أخرجت علبة شبيهة لعلبة مسحوق الرمد وأخذت قليلا من المسحوق فيها وكان مخصصا لغير الرمد ومسحته بعيني صغيرها، وما هي سوى برهة حتى بدأ صراخه ينطلق عاليا بلا توقف وبدموع سخية جدا، أدركت جدتي وجود الخطأ الطبي واكتشفت أنّها استخدمت مسحوق الشبّة وليس المخصص للرمد.
بسرعة أخذت كوز الماء وبدأت عملية غسيل للعينين واستمرّت حتى توقّف الطفل عن البكاء، اطمأنّت وجدي قليلا وتركاه لينام. وفي الصباح لم يكن هناك أيّ رمد بالعين ولم يعاني منه بعد ذلك طوال حياته.
المهم أنّ جدتي رغم شفاء والدي من مسحوق الشبّة بطريقة أفضل من المسحوق المخصص للرمد إلاّ أنّها لم تصفه لأحد جراء ما شاهدته من المعاناة الشديدة التي يتسبب بها، وقد فضّلت الاستمرار بالمخصص للرمد وإن تطلّب أمره زمناً أكثر للشفاء أو ربما عدمه.
جدي الذي شهد الحادثة ظل هادئا رغم ما يُعرف عنه من عصبية، ولمّا اطمأنّ قال لها: "كنتِ رح تطّيري عيون الولد يا دكتورة النسوان"، تعبيرا عن خبرتها بأمراض النساء وليس العيون، فما البال وهي تعمل بالتخصصات كافة.
المهم، رفع الأسعار يشبه ألم الشبّة، ومع ذلك تستخدمه الحكومة رغم البدائل التي لا تسبب آلاما تذكر، وفوق ذلك لا يعالج ولا يشفي وإنّما يسبب آلاما فقط.
وفي تلك الأيام كان أهل الباقورة والقرى المجاورة لنهر الأردن يحتاجونها ويطلبون علاجها، بما في ذلك عقم النساء، وكانت بما لديها من خبرة تحدد إن كان السبب الرجل، ولا تُخبر بالأمر سوى الزوجة وتنصحها بما عليها فعله لتُخبر والدتها بالأمر. وقد استمرّت بممارسة الطب حتى وفاتها في إربد نهاية ستينيات ذات القرن الذي منحت فيه الشهادة الإنكليزية.
في مرة تعرّض والدي لمّا كان طفلا بالسادسة من العمر لمرض رمد العين وكان لديها مسحوقا لهذه الحالة وهمّت ليلا لوضع قليل منه بعينيه لينام على ذلك ويفيق بلا رمد كما اعتادته في المرات التي عالجت بها رمدا. في تلك الأيام لم تكن الكهرباء متوفرة في بلدة الباقورة وقد كانت على بعد أمتار من مشروع روتمبرغ لتوليد الكهرباء، وبسبب الظلمة أخرجت علبة شبيهة لعلبة مسحوق الرمد وأخذت قليلا من المسحوق فيها وكان مخصصا لغير الرمد ومسحته بعيني صغيرها، وما هي سوى برهة حتى بدأ صراخه ينطلق عاليا بلا توقف وبدموع سخية جدا، أدركت جدتي وجود الخطأ الطبي واكتشفت أنّها استخدمت مسحوق الشبّة وليس المخصص للرمد.
بسرعة أخذت كوز الماء وبدأت عملية غسيل للعينين واستمرّت حتى توقّف الطفل عن البكاء، اطمأنّت وجدي قليلا وتركاه لينام. وفي الصباح لم يكن هناك أيّ رمد بالعين ولم يعاني منه بعد ذلك طوال حياته.
المهم أنّ جدتي رغم شفاء والدي من مسحوق الشبّة بطريقة أفضل من المسحوق المخصص للرمد إلاّ أنّها لم تصفه لأحد جراء ما شاهدته من المعاناة الشديدة التي يتسبب بها، وقد فضّلت الاستمرار بالمخصص للرمد وإن تطلّب أمره زمناً أكثر للشفاء أو ربما عدمه.
جدي الذي شهد الحادثة ظل هادئا رغم ما يُعرف عنه من عصبية، ولمّا اطمأنّ قال لها: "كنتِ رح تطّيري عيون الولد يا دكتورة النسوان"، تعبيرا عن خبرتها بأمراض النساء وليس العيون، فما البال وهي تعمل بالتخصصات كافة.
المهم، رفع الأسعار يشبه ألم الشبّة، ومع ذلك تستخدمه الحكومة رغم البدائل التي لا تسبب آلاما تذكر، وفوق ذلك لا يعالج ولا يشفي وإنّما يسبب آلاما فقط.