«خدمة الدّين» استنزاف للموازنة
بحسب آخر بيانات صادرة عن وزارة المالية فقد بلغ اجمالي خدمة الدين العام (داخلي وخارجي)/الموازنة 1.647 مليار دينار حتى نهاية تشرين ثاني الماضي بزيادة نسبتها 5.1% عن نهاية 2017، منها 922.3 مليون دينار اجمالي الفوائد على الاساس النقدي /موازنة مرتفعة بنسبة 7.72% عما كانت عليه في نهاية 2017، ومن المتوقع ان تحتفظ على وتيرة الزيادة عند نهاية العام 2018 الذي لم تصدر بيانته بعد.
الدين العام وعجز الموازنة مشكلتان تؤرقان مسؤولي المالية العامة في اي دولة، فالمراد سد فجوة العجز كي لا يزيد حجم الدين، الا ان الافراط في الاقتراض يعد المشكلة الحقيقية لاي دولة، وهو ما نعانية في الاردن، ذلك ان كافة الاجراءات القاسية التي اتخذتها الحكومة كان في سبيل زيادة الايرادات لسد فجوة العجز لم تثمر حتى الآن بل ان هناك زيادة في عجز الموازنة، بالاضافة الى تسهيل الحصول على قروض باسعار فائدة اقل، فالنهج المتبع هو الرغبة في سداد الديون الحالية ذات الخدمة المرتفعة من خلال قروض جديدة باسعار فائدة متدنية.
سياسية مالية لا شك انها تريح الموازنة العامة، لكن لفترة محدودة، وهذا ليس تشاؤما او رفضا لما هو متبع، الا ان النهج المتبع سيبقى نسب الدين عند مستوياتها السابقة وان انخفضت ستكون النسبة محدودة وغير مؤثرة، وعلاوة على ذلك، فإن تفاقم الدين العام يكون مرتبطًا بأعباء خدمة الدين (أقساط و فوائد)، الأمر الذي يؤثر في حجم الإنفاق على مجالات التعليم والصحة والأجور وباقي المجالات المتعلقة بتحسين سبل المعيشة وتلبية حاجات التنمية البشرية في المجتمعات.
ان خطورة الدين العام والاستمرار في سياسة الاقتراض تنقسم الى قسمين، فاذا كان الاقتراض داخليا فمعناه مزاحمة الحكومة للقطاع الخاص في مجال الاقتراض من الجهاز المصرفي، والذي سينتج عنه عزوف البنوك عن تقديم القروض لمشروعات القطاع الخاص والاكتفاء بشراء سندات الخزينة وأذوناتها،لانعدام المخاطر فيها وارتفاع العائد عليها، فيما تكمن التوجسات من الدين الخارجي في ان الاقساط والفوائد ستحول للخارج بالعملة الاجنبية ما يعني ان نسبة مهمة من ايرادات الدولة ستذهب الى الخارج عدا عن انها ستؤثر على ميزان المدفوعات والاحتياطي من العملات الاجنبية لدى البنك المركزي، فيما فوائد القروض الداخلية سيعاد تدويرها في الاقتصاد الوطني.
تحاول الحكومة جاهدة تخفيض الدين العام كنسبة من الناتج المحلي الاجمالي، لكن يجب ملاحظة ان الدين العام اصبح ازمة بنيوية، وتتخطى الحلول قصيرة الامد بالاستدانة لسداد قروض حل موعدها، والجميع يدرك ان تخفيض الدين العام يتطلب سنوات طويلة، ولا بد من اتباع نهج اقتصادي واضح الملامح يعتمد على تشغيل الاقتصاد المحلي وجذب الاستثمارات على اسس متينة وواضحة لمساعدة الدولة في زيادة ايراداتها، وتقليص المدة لتخفيض الدين العام.