المعرفة والحياة على أساس الحب
ابراهيم غرايبة
جو 24 : أرجو أن يتقبل القراء مواصلة عرض كتاب إريك فروم "فن الحب"؛ فقد وجدته يساعدنا في التخلص من النظرة الخرافية والأفكار الخاطئة نحو الحب، الذي هو ببساطة فن ومعرفة؛ يساعدنا على السعادة والحياة الأفضل، ويتعلق بكل شؤون حياتنا وأهدافها. فالمعرفة، التي هي غاية الإنسان وقصته منذ التكوين، تبدو مرتبطة بالحب، ولعلها من تجليات الحب.
فالحياة في مجرد جوانبها البيولوجية، معجزة وسر، والإنسان في جوانبه الإنسانية سر لا يسبر غوره بالنسبة لنفسه وبالنسبة لرفاقه. إننا نعرف أنفسنا، ومع هذا، ومع كل الجهود التي نبذلها، لا نعرف أنفسنا؛ نعرف رفيقنا، ومع هذا لا نعرفه! وكلما وصلنا إلى عمق وجودنا أو إلى عمق وجود إنسان آخر، تفلت منا هدف المعرفة. ومع هذا، لا نملك إلا أن نرغب في النفاذ إلى سر نفس الإنسان؛ النفاذ إلى النواة الدفينة التي هي "هو". والحب هو طريق لمعرفة السر؛ هو نفاذ فعلا إلى الشخص الآخر الذي تخمد الوحدة رغبتنا في معرفته. فالإنسان يعرف بالاندماج؛ يعرف نفسه ويعرف كل إنسان.
ومشكلة معرفة الإنسان مماثلة للمشكلة الدينية الخاصة بمعرفة الله؛ إذ تبذل المحاولة لمعرفة الله بالفكر.
ليس الحب أساسا علاقة بشخص معين، بل موقف أو اتجاه يحدد علاقة شخص بالعالم. فإذا أحب الشخص شخصا آخر وحده، غير مكترث ببقية رفاقه، لا يكون حبه هذا حبا، بل هو تعلق تكافلي، أو أنانية متسعة. ويمكن هنا الحديث عن أنواع وصيغ كثيرة للحب: حب الذات، والحب الأخوي الإنساني، وحب الله، والحب الأمومي، والحب بين رجل وامرأة.
الحب الطفولي يسير على مبدأ إنني أحب لأنني محبوب. أما الحب الأكثر نضجا، فإنه يسير على مبدأ "إنني أحبك لأني أحتاج إليك"، أو "إنني أحتاج إليك لأنني أحبك". والحب الأخوي هو الحب الأساسي؛ الشعور بالمسؤولية والرعاية والاحترام والمعرفة إزاء إنسان آخر، والرغبة في تطوير حياته. وتعبر عن ذلك دعوة الدين إلى أن تحب للآخرين ما تحب لنفسك. ويقوم الحب الأخوي على تجربة أننا جميعا واحد، ويجري إهمال الفروق في الذكاء والمعرفة بالمقارنة مع هوية الجوهر الإنساني المشترك لدى الناس جميعا.
والحب الأمومي هو تأكيد مطلق لحياة الطفل واحتياجاته. وهذا التأكيد له جانبان: الرعاية والمسؤولية عن حياة الطفل ونموه، والموقف الذي يغرس في الطفل حبا للحياة. وفي هذا الحب يجب على الأم أن تتسامح، وأن ترغب وتؤيد انفصال الطفل. وفي هذه المرحلة، يصبح الحب الأمومي مهمة صعبة تتطلب عدم الأنانية والقدرة على إعطاء كل شيء وعدم الرغبة في شيء، سوى سعادة محبوبها. وفي هذه المرحلة تفشل كثير من الأمهات؛ فالمرأة النرجسية المهيمنة المتملكة تستطيع أن تنجح في أن تكون أما محبة طالما أن الطفل صغير، أما المرأة المحبة حقا، فهي التي تشعر بالسعادة في العطاء، وهذا الحب ربما يكون أصعب أنواع الحب، وأكثرها خداعا أيضا، فالمرأة تستطيع أن تحب طفلها الصغير، ولكن لا يمكن أن تكون محبة إلا اذا استطاعت أن تحب الآخرين؛ زوجها والأطفال والغرباء وكل البشر.
والحب بين رجل وامرأة هو سعي إلى الاندماج الكامل؛ الاتحاد مع شخص آخر. وهو بطبيعته يقتصر على شخص وليس مطلقا. وربما كان هذا الحب هو أشد أنواع الحب خداعا، لأنه يلتبس بالجنس، الملتبس أيضا بالرغبة والهيمنة والإيذاء.
ومن المنطقي أن أحب نفسي نظرا إلى أنني إنسان أيضا. فالفكرة الواردة في الكتاب المقدس: حب جارك حبك لنفسك؛ تتضمن أن احترام تكامل الإنسان وتفرده أي حب الإنسان وفهمه، لا يمكن أن ينفصلا عن احترام الإنسان وحبه وفهمه لفرد آخر.
وحب الله غير مختلف إذا ما تحدثنا من الناحية السيكولوجية؛ فهو حب ينشأ من الحاجة إلى قهر الانفصال وتحقيق الوحدة. وفي الحقيقة، فإن حب الله له صفات مختلفة عما لحب الإنسان، وإلى حد كبير نجد الاختلافات نفسها في كل الأديان "المؤلهة"؛ سواء كانت تؤله عدة آلهة أم إلها واحدا، إذ يعد الله هو أعلى قيمة، يعد الخير الأقصى المرغوب. ومن ثم، يتوقف المعنى الخاص لله على الخير الأقصى المرغوب بالنسبة للشخص، لهذا يجب أن يبدأ إدراك مفهوم الله، بتحليل لطابع بناء الشخص الذي يعبد الله. (الغد)
ibrahim.gharaibeh@alghad.jo
فالحياة في مجرد جوانبها البيولوجية، معجزة وسر، والإنسان في جوانبه الإنسانية سر لا يسبر غوره بالنسبة لنفسه وبالنسبة لرفاقه. إننا نعرف أنفسنا، ومع هذا، ومع كل الجهود التي نبذلها، لا نعرف أنفسنا؛ نعرف رفيقنا، ومع هذا لا نعرفه! وكلما وصلنا إلى عمق وجودنا أو إلى عمق وجود إنسان آخر، تفلت منا هدف المعرفة. ومع هذا، لا نملك إلا أن نرغب في النفاذ إلى سر نفس الإنسان؛ النفاذ إلى النواة الدفينة التي هي "هو". والحب هو طريق لمعرفة السر؛ هو نفاذ فعلا إلى الشخص الآخر الذي تخمد الوحدة رغبتنا في معرفته. فالإنسان يعرف بالاندماج؛ يعرف نفسه ويعرف كل إنسان.
ومشكلة معرفة الإنسان مماثلة للمشكلة الدينية الخاصة بمعرفة الله؛ إذ تبذل المحاولة لمعرفة الله بالفكر.
ليس الحب أساسا علاقة بشخص معين، بل موقف أو اتجاه يحدد علاقة شخص بالعالم. فإذا أحب الشخص شخصا آخر وحده، غير مكترث ببقية رفاقه، لا يكون حبه هذا حبا، بل هو تعلق تكافلي، أو أنانية متسعة. ويمكن هنا الحديث عن أنواع وصيغ كثيرة للحب: حب الذات، والحب الأخوي الإنساني، وحب الله، والحب الأمومي، والحب بين رجل وامرأة.
الحب الطفولي يسير على مبدأ إنني أحب لأنني محبوب. أما الحب الأكثر نضجا، فإنه يسير على مبدأ "إنني أحبك لأني أحتاج إليك"، أو "إنني أحتاج إليك لأنني أحبك". والحب الأخوي هو الحب الأساسي؛ الشعور بالمسؤولية والرعاية والاحترام والمعرفة إزاء إنسان آخر، والرغبة في تطوير حياته. وتعبر عن ذلك دعوة الدين إلى أن تحب للآخرين ما تحب لنفسك. ويقوم الحب الأخوي على تجربة أننا جميعا واحد، ويجري إهمال الفروق في الذكاء والمعرفة بالمقارنة مع هوية الجوهر الإنساني المشترك لدى الناس جميعا.
والحب الأمومي هو تأكيد مطلق لحياة الطفل واحتياجاته. وهذا التأكيد له جانبان: الرعاية والمسؤولية عن حياة الطفل ونموه، والموقف الذي يغرس في الطفل حبا للحياة. وفي هذا الحب يجب على الأم أن تتسامح، وأن ترغب وتؤيد انفصال الطفل. وفي هذه المرحلة، يصبح الحب الأمومي مهمة صعبة تتطلب عدم الأنانية والقدرة على إعطاء كل شيء وعدم الرغبة في شيء، سوى سعادة محبوبها. وفي هذه المرحلة تفشل كثير من الأمهات؛ فالمرأة النرجسية المهيمنة المتملكة تستطيع أن تنجح في أن تكون أما محبة طالما أن الطفل صغير، أما المرأة المحبة حقا، فهي التي تشعر بالسعادة في العطاء، وهذا الحب ربما يكون أصعب أنواع الحب، وأكثرها خداعا أيضا، فالمرأة تستطيع أن تحب طفلها الصغير، ولكن لا يمكن أن تكون محبة إلا اذا استطاعت أن تحب الآخرين؛ زوجها والأطفال والغرباء وكل البشر.
والحب بين رجل وامرأة هو سعي إلى الاندماج الكامل؛ الاتحاد مع شخص آخر. وهو بطبيعته يقتصر على شخص وليس مطلقا. وربما كان هذا الحب هو أشد أنواع الحب خداعا، لأنه يلتبس بالجنس، الملتبس أيضا بالرغبة والهيمنة والإيذاء.
ومن المنطقي أن أحب نفسي نظرا إلى أنني إنسان أيضا. فالفكرة الواردة في الكتاب المقدس: حب جارك حبك لنفسك؛ تتضمن أن احترام تكامل الإنسان وتفرده أي حب الإنسان وفهمه، لا يمكن أن ينفصلا عن احترام الإنسان وحبه وفهمه لفرد آخر.
وحب الله غير مختلف إذا ما تحدثنا من الناحية السيكولوجية؛ فهو حب ينشأ من الحاجة إلى قهر الانفصال وتحقيق الوحدة. وفي الحقيقة، فإن حب الله له صفات مختلفة عما لحب الإنسان، وإلى حد كبير نجد الاختلافات نفسها في كل الأديان "المؤلهة"؛ سواء كانت تؤله عدة آلهة أم إلها واحدا، إذ يعد الله هو أعلى قيمة، يعد الخير الأقصى المرغوب. ومن ثم، يتوقف المعنى الخاص لله على الخير الأقصى المرغوب بالنسبة للشخص، لهذا يجب أن يبدأ إدراك مفهوم الله، بتحليل لطابع بناء الشخص الذي يعبد الله. (الغد)
ibrahim.gharaibeh@alghad.jo