jo24_banner
jo24_banner

المواطنة والحريات الدينية: إزالة التعارض

ابراهيم غرايبة
جو 24 : يسلط تقرير "نحو مواطنة كاملة ومعتقد حر: أثر الانتماء الديني على الحقوق والحريات الدينية"، والصادر مؤخرا عن شبكة الإعلام المجتمعي، الضوء على حالة الحريات الدينية في الأردن، ويوضح حالات تشريعية وواقعية وتطبيقية وسلوكية مجتمعية، تضر بالحريات الدينية، أو تتناقض مع مقتضيات وحقوق المواطنة.
تقع معظم إشكاليات المواطنة والحقوق والحريات الدينية في مجال الأحوال الشخصية؛ الزواج، والطلاق، والإرث. فقانون الأحوال الشخصية الأردني لا يسمح لغير المسلم أن يتزوج من مسلمة، وإن كان يسمح للمسلم أن يتزوج من غير المسلمة. وفي الوقت نفسه، فإن القانون الكنسي يحرم على أتباع الكنيسة (ذكورا وإناثا) الزواج من غير المسيحي. كما أن الطلاق في القانون الكنسي أكثر تعقيدا من قانون الأحوال الشخصية. وهنا تنشأ إشكاليات تطبيقية كثيرة ومعقدة، تضر بحياة فئة من المواطنين وحقوقهم ومصالحهم، وتنعكس على الأبناء، وقد تؤدي إلى حرمانهم من حقوق أساسية، أو تزيد حياتهم صعوبة وتعقيدا.
لا تتوقف إشكاليات الزواج المختلط على التعقيدات القانونية والدينية (إسلامية ومسيحية)، ولكنها تتصل بالوثائق الأساسية التي يحتاجها المواطن، والتي تشير إلى دين المواطن. كما أنها تؤدي في أحيان عدة إلى خلافات عائلية وعشائرية، تأخذ بعدا طائفيا ودينيا حرجا. ولأن الطلاق أسهل في قانون الأحوال الشخصية من قانون الكنيسة، يغير بعض المسيحيين دينهم (رسميا في الوثائق) لأجل الحصول على الطلاق، وبعضهم يغير دينه ليتزوج من مسلمة، وبعض النساء المسيحيات يغيرن دينهن إلى الإسلام بعد الزواج، وتمتد آثار هذه الخطوات إلى الأبناء، ووصف حالتهم الدينية في الوثائق، كما إلى حقوق الإرث.
أما "البهائيون"، فإن حالتهم الدينية لا توصف في الوثائق بشيء، ولا ينظر إلى البهائية في المؤسسات والوثائق الرسمية باعتبارها "دين". وبطبيعة الحال، فإنهم يواجهون إشكاليات قانونية وعملية في حالات الزواج المختلط وفي وثائقهم الشخصية.
المسيحيون أيضا يواجهون إشكالية متعلقة بطوائفهم المتعددة. فهناك طوائف تمثل فئة واسعة من الإنجيليين (الاتحاد المسيحي، والكنيسة الإنجيلية الحرة، وكنيسة جماعات الله، والكنيسة المعمدانية، وكنيسة الناصري الإنجيلية) لا يعترف بهم مجلس الكنائس، ويسجلون لدى الحكومة على أساس قانون الأشخاص المعنويين، وليس على أساس قانون مجلس الطوائف الدينية غير المسلمة. فالمجلس يقتصر على الروم الأرثوذكس، واللاتين، والروم الكاثوليك، والأرمن الأرثوذكس، والموارنة، وكنيسة العنصرة، والأقباط الارثوذكس، والأسقفية العربية، والسريان الأرثوذكس، والكنيسة الإنجيلية اللوثرية، والادفنتست السبتيين، والمورمون.
وهناك أيضا مشكلة طوائف إسلامية تتبع مذاهب مختلفة عن الأغلبية المسلمة السنية، مثل الشيعة بطوائفهم المختلفة. فالشيعة ليسوا طائفة واحدة؛ وإذا كانوا لا يعانون من تمييز قانوني أو رسمي، فإنهم يواجهون مشكلات وعوائق في ممارسة شعائرهم والتعبير عن معتقداتهم وآرائهم الدينية. والمسألة متصلة بالحالة السياسية، أو باتجاهات ومواقف مجتمعية، كما حدث مؤخرا من إحراق مقر لطائفة الشيعة البهرة، وهم ليسوا مواطنين، ومختلفون سياسيا وفكريا عن الشيعة الاثني عشرية السائدة في إيران والعراق، ولكنهم تعرضوا لسوء فهم!
هناك حالة من التهييج والكراهية والتحريض الطائفي، تتصاعد في المساجد وشبكات التواصل الاجتماعي. ومردّ ذلك غالبا إلى الحالة السياسية المتشكلة بسبب الأحداث الدائرة في إيران والعراق وسورية والخليج. ويبدو من الصعب على المستوى المجتمعي (إن أمكن تحقيق ذلك على المستوى الرسمي) الفصل بين الخلاف السياسي والمعتقدات الدينية.
جزء كبير من المشكلة يمكن حله بإلغاء الإشارة إلى الدين في الوثائق الشخصية الرسمية؛ فذلك يسهل كثيرا في تسيير حياة ومصالح المواطنين، والحصول على وثائقهم الأساسية اللازمة. ولكن هناك مشكلة أكثر تعقيدا، تتصل بالتعارض بين المعتقدات الدينية وبين القوانين المطبقة، أو في التعارض بين الحريات والقوانين المطبقة، أو التعارض بين الحريات وبين تطبيق التعاليم الدينية.
والمشكلة الأكثر تعقيدا وصعوبة هي التعصب المجتمعي وغياب التسامح، وخلط الحالة الدينية بالهوية والروابط القرابية والعشائرية. وفي موجة صعود المسألة الدينية، فإن حريات الاعتقاد والتفكير تبدو مهددة، وتتعرض حياة وحقوق كثير من المواطنين للخطر بسبب آرائهم ومعتقداتهم الدينية، أو آرائهم حول الدين والمعتقدات الدينية. ويبقى ضروريا التوصل إلى قانون شامل للأحوال الشخصية، يكون ملائما للتعددية الدينية، ومنسجما مع الحقوق والحريات العامة، وإذا أمكن حل التناقض بين القانون والتعاليم الدينية عبر المؤسسات الدينية، أو في أن يكون للمواطنين فرصة للاختيار بين المحاكم الدينية والمحاكم المدنية، على أن يكون القانون المدني هو المرجعية الحاكمة للاختلاف والتعارض أو التوفيق بين التعاليم الدينية والقانون؛ فقانون الأحوال الشخصية القائم يشكل مصدرا لإشكاليات وتناقضات كثيرة مع الحقوق والحريات الدينية والعامة.
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير