jo24_banner
jo24_banner

معركة الإصلاح: الدولة والمجتمع في مواجهة مع الذات

ابراهيم غرايبة
جو 24 : يفترض أن مجلس النواب يمثل البوصلة للمجتمع والدولة، ويعبرعن قلب الأمة وروحها، وعقلها الواعي والباطن، في إدراك أولوياتها ومشكلاتها واحتياجاتها، وما تحب أن تكون عليه؛ لأن المواطنين ينتخبون النواب لتمثيلهم في الولاية على الموارد والدولة، ولسنّ التشريعات التي ترشد القضاء والسلطة والمجتمع، ومراقبة الحكومة التي فوضها البرلمان من خلال الثقة بها، بمعنى أنها حكومة الناس الذين انتخبوا النواب. وهذا هو ببساطة مقتضى المبدأ الدستوري في أن الأمة هي مصدر السلطات. وهكذا، فإن السلطات تفقد طريقها عندما يعجز النواب عن ذلك. ومن وجهة "تفكيكية"، فإن حيرة المجتمعات واضطرابها تعكس حيرة النواب الذين انتخبتهم المجتمعات الحائرة! ما يؤشر أيضا على حالة السلطة التنفيذية والقضائية!
إلى أين يمضي بنا النواب؟ إلى أين نمضي بأنفسنا؟ ماذا يريد النواب من الحكومة؟ ماذا نريد (المجتمعات والمواطنون) من الحكومة والنواب؟ هل تنقصنا المعرفة والرؤية لتنظيم العلاقة بين الدولة والمجتمع، ولتسيير العلاقة بين السلطات على النحو الذي يحقق الإصلاح؟
يبدو، ولشديد الأسف، أننا لا نملك (الدولة والمجتمعات) لا الأسئلة ولا الإجابات، أو أننا نملك وعيا مضادا للإصلاح، كأننا نعمل ضد أنفسنا؛ ما يجعل معركة الإصلاح في بلادنا أعقد بكثير مما يبدو في الوهلة الأولى! إنه/ها (الإصلاح) ليس مواجهة مع الفشل فقط، ولكنه مواجهة مع الإفشال؛ الوعي العبقري المضاد الذي يخطط للفشل بوعي وذكاء، وليس كما يظن كثير من الإصلاحيين أو أغلبهم بأنه مواجهة مع نقص الوعي والخبرة للإصلاح.
وسواء كان هذا السلوك المضاد للإصلاح يعبر عن وعي مقصود أو لاوعي، فليس ثمة فرق كبير في النوايا والدوافع والمصالح!
مفتاح الإصلاح هو أن تدرك النخب السياسية والاقتصادية وبقايا/ فلول النخب الاجتماعية (فالمجتمعات تكاد تكون بلا نخب، والعمليات السياسية تجري من غير قواعد اجتماعية، وهذه قصة أخرى على أي حال!) أنها في مواجهة مع الذات ومع المجتمع والطبقات الواسعة والمتعددة، وأن تسأل نفسها ببساطة: هل تثق بها الطبقات والمجتمعات؟ هل تريد أن تواصل قيادتها للدولة والمجتمعات من غير ثقة أو تفويض من المجتمعات والطبقات؟ هل تريد مواصلة إلغاء المجتمعات وسائر الطبقات الأخرى، ومواصلة تجاهل مصالحها؟ هل ستبقى مصرة على تنظيم وادارة الدولة والسلطات والمؤسسات والموارد والميزانيات والسياسات والتشريعات على النحو المعبر فقط عن مصالحها (النخب) الصغيرة، ولو كان في ذلك إنهاك للدولة والمجتمعات والموارد؟
المشهد السياسي والعام اليوم يُظهر، ببساطة، أن الذين يُدفع بهم إلى مواقع القيادة والتأثير والفرص ليس بسبب عدم معرفة أنهم فاشلون، ولكن بسبب معرفة أنهم فاشلون! والسياسات الفاشلة والفاسدة لم تفرض بسبب العجز عن إدراك الإصلاح، ولكن بسبب الإدراك الذكي المدبر للفشل والإفشال والفساد والإفساد! والتعليم لم يدمر ويُدفع إلى الانهيار بسبب نقص الإمكانات والخبرات، بل العكس؛ فقد استخدمت إمكانات وموازنات هائلة لتدمير التعليم وإفشاله على نحو لا ينقصه الذكاء والخبرة في الانهيار. والرعاية الصحية دُمرت لصالح جماعات من المستثمرين والموردين!
كأن الأردنيين يتعرضون لعمليات انتقامية واسعة وشاملة، تفسّخ مدنهم وبناهم الاجتماعية، وتشتت فاعليتهم وقدراتهم وفرصهم في التجمع المستقل حول مواردهم ومصالحهم! وتجري هيمنة على الثقافة والفنون والرياضة والمساجد، تحول بينهم وبين التشكل الاجتماعي والثقافي الملائم، والذي يرقى بحياتهم وسلوكهم ووعيهم، ويجدد مواردهم ويعظمها! والمؤسسات التعليمية تتحول إلى ورش للتنميط وتفريغ الناس من مواهبهم وقدراتهم على التعلم والارتقاء! والصحة تتحول إلى عمليات بلا فائدة تعود على الناس، سوى جماعات من الشركات والاستثمارات وأصحاب مصالح ومهن انفصلت عن الرعاية الصحية، لا تدمر موارد الناس فقط، ولكنها تضعهم تحت رحمة ووصاية شركات ومقاولين لا علاقة لهم برسالة وضمير الرعاية والخدمة العامة والأساسية! والرعاية الاجتماعية تتحول الى حفلات وأنشطة للعلاقات العامة، وتوجيه للمعونات والموارد في مسارات أنيقة معزولة.
ولكن إلى أي مدى يتحمل المواطنون، أفرادا ومجتمعات وطبقات ومصالح وأمكنة، المسؤولية في التشكل الفيروسي القائم؟ ما مدى الوعي والمسؤولية التي مورست في الانتخابات النيابية؟ هل نجح المواطنون أم فشلوا في اختيار النواب المفترض أن يحملوا روح الأمة ومُثُلها وأهدافها ومصالحها؟
المشهد السياسي والعام كما تظهر الأحداث والأخبار، يثير الخوف والقلق، ويؤكد مقولة أن النخب السياسية تصرّ على عدم الإصلاح مهما كان الثمن. ويؤشر أيضا على أن المجتمعات غير قادرة على حسم خياراتها تجاه الطبقات السياسية المؤثرة، وأنها ستبقى تراوح بين نخب فاشلة فاسدة مستبدة، أو جماعات إسلامية متشددة وغرّة.
المشهد يفتح المجال لسلسلة من التداعيات والأفكار حول البيئة العامة والسياسية المحيطة بحياتنا ومصائرنا، وتطلعاتنا الإصلاحية؛ ويؤشر على قدرة/ فرصة المجتمعات في اختيار ممثليها، ويدعو إلى التساؤل المرير: كيف يستطيع الناس انتخاب قادتهم على النحو الذي يجعلهم يختارون الأفضل؟ كيف تؤدي الانتخابات والديمقراطية المتاحة إلى الإنصاف والعدالة وتحسين حياة الناس؟
لم تغير الانتخابات كثيرا في حالة محدودية أو انعدام خيارات المواطنين والمجتمعات، وعجزهم عن اختيار قادة ونخب يعكسون التطلعات والأهداف الإصلاحية، وعدم القدرة على تحديد الاحتياجات والبرامج والأولويات والمرشحين القادرين على حملها وتطبيقها؛ ماذا يمكن أن يُعَول على النواب اليوم في تشريعات إصلاحية وعادلة في الضرائب والعمل والضمان الاجتماعي والحريات؟ ماذا يمكن أن يعول عليهم في مراقبة السلطة التنفيذية وترشيد أدائها؟
وأسوأ من ذلك، أن الانتخابات حالة تؤكد أن المجتمعات غير قادرة على تنظيم نفسها وإدارة قضاياها وأولوياتها وتدبير احتياجاتها، وأنها لم تنشئ بعد ممارسة سياسية وانتخابية تعكس مصالحها وولايتها على مصيرها ومواردها، وأن انعدام الخيارات -ويا للهول- هو خيار المجتمعات نفسها!
وهي حالة تؤشر أيضا على اضطراب الرؤية الإصلاحية وفهم الدستور، وأن الحراك الإصلاحي لم يقدر على أن يتقدم بالمجتمعات والمواطنين خطوات كافية ومعقولة، واختيار قيادات جديدة تمثل مرحلة جديدة، أو على الأقل مختلفة عن طبقة متورطة في الفشل والفساد. ولم تنشئ (المجتمعات) في حراكها ومشاركتها في الانتخابات، أو في عملها السياسي والعام، بيئة جديدة تعود بالتطور الإيجابي على تنظيم وتطوير الحياة والسياسية والموارد والاقتصاد.
لماذا تعجز الطبقات الوسطى وأهل المدن وجماعات المصالح والمهن والتيارات السياسية والاجتماعية عن تشكيل قواعد واتجاهات اجتماعية، تعيد بناء وتشكيل الدولة والمجتمع على أساس تقدمها الاقتصادي والاجتماعي؟ لماذا تعجز عن ذلك برغم أن الانتخابات المتاحة لا تمنع تحقيق ذلك؟ لماذا تمضي هذه الأعداد الكبيرة جدا من الجامعيين والمهندسين والمحامين والأطباء وأساتذة الجامعات والمعلمين ورجال الأعمال والمدن والأحياء الحضرية القائمة على المهن والتجارة والخدمات؛ لماذا تمضي بإرادتها نحو تجمعات واختيارات قرابية ودينية لا علاقة لها بأهداف الانتخابات ولا بإدارة المدن والدولة؟ لماذا ينتخب مجتمع متعلم تعليما متقدما قيادات سياسية ومجتمعية لا تعبر عن رؤيته ومصالحه؟ لماذا يتم تفضيل الفساد والفشل مع الرابطة القرابية، على العدالة والتقدم والتنافس البرامجي والسياسي؟
الانتخابات والديمقراطية المتاحتان تبدوان اليوم فخا محكما للمجتمعات والمواطنين؛ إذ يتم سوقهم ديمقراطيا باختيارهم الى خيارات بدائية سابقة على الدولة الحديثة، ورهنهم للفساد والفشل، وكأنه لم يكن ديمقراطية ولا تعليم ولا أسواق وأعمال وثقافة جديدة!الغد
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير