2024-11-25 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

المعرفة التي تأتي بعد فوات الأوان!

ابراهيم غرايبة
جو 24 : نتعلم أشياء كثيرة كان يجب أن نتعلمها من قبل، فتزيدنا المعرفة حزنا وعذابا، لأننا نفوت فرصا كثيرة، ولا نملك أن نستدرك إلا في حالات قليلة، استدراكا غير مفيد إلا قليلا. التعلم بالتجربة، ومعرفة الصواب والخطأ بالتعلم اليومي والمواجهة مع الحياة والأفكار، يقتضيان أن يكون الإنسان خالدا لا يموت؛ فلا يمكنه استيعاب التجارب وتصحيح أخطائه وتطبيق معارفه إلا في حياة أبدية غير محدودة. كيف نتعلم في زمن قصير محدود التجارب والأخطاء والمعارف الكثيرة جدا ونستوعبها، ونتجنب تكرارها ومرارتها؟
كان لي صديق جمعني به العمل، وصرنا نلتقي في معظم الأيام في بيتي أو بيته، نتحدث طويلا ونفكر معا في مسائل كثيرة. ظللنا نلتقي ونعمل ونتحدث ونمزح ونفكر معا على مدى عشر سنوات متواصلة، وكنا في أثناء ذلك نستهلك كميات تجارية من الشاي. وفي كل يوم عندما نشرب الشاي؛ يقول "صديقي" ملاحظا أنني أشرب الشاي بسكر قليل: كنت أعتقد أنك تحب الشاي حلوا. فأصحح له معلومته. وصرت أشعر بإهانة خفية مكتومة كلما أبدى بلا سأم اكتشافه اليومي الذي يظل يتجدد في كل لقاء بأنني أحب الشاي بسكر قليل، وأنه كان يظن أني أحب الشاي حلوا.
انتهت "صداقتنا" فجأة، بلا سبب متصل بالصداقة بين اثنين، ولكن توقف العمل الذي كان يربطنا معا. وكنت أحسب صداقتنا أقوى من العمل، ولكني اكتشفت، ويا لسذاجتي، أننا لم نكن أصدقاء ابتداء.
اليوم، بعد عشر سنوات من انقطاع صداقتنا، أتذكر قصة الشاي؛ عادت إلي أو استحضرتها وأنا مشغول بالإصغاء إلى اللاوعي أو العقل الباطن، وإلى الكون والحياة والتعلم منها. ولكن ما يقلقني اليوم في هذه المعرفة أنها تصيبني بحزن عميق وإحباط وخيبة، عندما أحاول فهم الناس والاستماع إليهم كما توحي إليّ أو تحدثني عقولهم الباطنة، أو كما أستمع إلى نفسي.
نحتاج أن نستمع إلى أنفسنا طويلا؛ باهتمام وحب وثقة بأنفسنا، وأن نكتشف ما فيها من جمال وحكمة ترشدنا في ما تبقى لنا من الحياة، وتعلمنا أن نحب الحياة والناس على نحو مختلف عما كنا/ كنت أقيم به علاقتي/نا بالعالم!
الفكرة ببساطة هي أن الإنسان يحاول الارتقاء بنفسه، ولكنه اليوم في هذا العصر يبدو أكثر قدرة على أن يعمل بنفسه ولنفسه، ما يعني بالنسبة للإنسان شعورا بالاغتراب عن نفسه، وعن أخيه الإنسان. كنا نجد الصداقة والتضامن ليس من مورد صاف خالص، ولكن لأننا نحتاج إلى بعضنا، واليوم تقل حاجتنا إلى بعضنا؛ في العمل والحياة، فمعظم ما يؤديه الأطباء أصبح الإنسان العادي قادرا على أدائه باستخدام التقنية المتاحة، ومعظم إن لم يكن جميع ما تقدمه المدارس والجامعات يمكن الحصول عليه بلا حاجة لمؤسسات وأساتذة، وصار 90 % من الموظفين لن يضر غيابهم بمصالح الناس ومعاملاتهم، و90 % مما يباع ويشترى في الأسواق يمكن الاستغناء عنه بدون أن يتأثر مستوى معيشة الناس ورفاههم. لم تعد تأسف على أحد ولا أحد يأسف عليك، إلا إذا كنت عامل نظافة أو شاعرا.. وفي الواقع لن يحتاج الناس إلا من يقدم لهم الخيال!
الغد
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير