عندما تكون «الكرامة» طفلا
امان السائح
جو 24 :
استوقفتني نظرات ابن الاعوام العشرة وملامح وجهه الطفولية.. واستوقفني الم ملامحه عندما قالها «لا» رافضا بكل كبرياء ورجولة اكرامية عناء ايصاله كيسين صغيرين من الاغراض للسيارة، حينما كان المطر منهمرا بغزارة لاقول له شكرا يا بني، مرددا «اكيد لا.. لا اريد شيئا، هذا عملي.
قضية «الطفل» تمتد الى ابعد من قصة الرفض وقصة الكرامة، وقصة «الاكرامية» التي يمكن ان يحصل عليها اي ممن يقدمون المساعدة لشخص بايصال اغراضه، انها قصة ان يعمل هذا الطفل بمثل تلك المهمات، انها قصة عمالة اطفال لم يكملوا بعد السنوات العشر، ليكونوا بين يدي ربما اي شخصيات وأي مواطنين، وربما بعضهم يمتهنون استغلال هذه الفئة من الاطفال، وينتهكون طفولتهم في حمل اوزان ثقيلة، او المشي مسافات للوصول الى السيارة، او حتى التلفظ بكلمات غير لائقة تهين كرامتهم، وتطيح بجهدهم، وتنتهك اعمارهم.
انها قضية ضرورة اعطاء هذه الفئة من الاطفال اهتماما ورقابة، على اصحاب العمل بأي موقع كانوا، حتى وان كان هذا الطفل من اقاربهم، او ابن صاحب العمل، فوجودهم هنا مرفوض وعملهم بهذا الاتجاه،غير مقبول على الاطلاق، وأن يكونوا في دائرة الخطر والاهانة، وعدم العيش في منظومتهم الخاصة بأعمارهم..
انها منظومة عمالة الاطفال الذين تواجدوا خلال اوقات العطلة الشتوية بالمدارس على اختلاف مواعيدها وفقا للمدرسة نفسها، في اماكن مختلفة، بكراجات السيارات، ومحال الخضار والبقالات، وكافة المحال باختلاف مسمياتها، من حمل وتنزيل، وترتيب رفوف وغيرها، وهو امر اصبح في متناول الجميع ربما لعدم تكليف اصحاب العمل تكاليف مالية، واستثمار حالة الطاعة التي يمتلكونها بسبب اعمارهم لغايات استغلالهم، وهو مدعاة للرفض والامتعاض الشديد..
اطفالنا عندما يمتهنون العمل ويجبرون عليه، او ربما يحبونه كونه ينقلهم الى عالم الرجولة والشباب، يمتلكون قيمة مختلفة من الاخلاق والطفولة والكرامة، يمتلكون حالة من التصالح مع الذات، ينتقلون بها من عالم الى عالم اخر، لكنهم يبقون ابناء واطفالا بعمر وردي علينا ان نحتضنه بروح مختلفة، وان نكرمهم بقيمة مالية يستحقونها لنقول لهم شكرا، ونقول لهم، انتم رصيدنا، وسندنا ومستقبلنا، فرفقا بكم منا، ورعاية منا جميعا لهم، فودهم اصبح امرا واقعا وعلينا ان نتطلع لهم بشكل مختلف حتما..
هذا الطفل ذو الملامح الجميلة، والقلب الكبير، وصاحب القضية الاهم، اختصرت نظرته كل تفاصيل الحياة، وحملتنا جميعا مسؤولية هذه الفئة المظلومة حتما، هذه الفئة وهو منهم رفض بكل كبرياء وكرامة الكون ما حملته له من رمزية تكرمه وتقول له شكرا، ونهرني بنظرة محترمة ليرفض ما قدمته بعنفوان لا يمكن لأحد ان يفهمه او يقدره، الا هو ربما لأن عمله حاجة واجبار، فلا يريد ان يكون تحت مظلة الشفقة من قبل اي من الناس، لكنه اوصل رسالة اختصرت كل شيئ.
هؤلاء هم الرصيد والمستقبل وهم الوطن بكل تفاصيله، ارواحهم وكرامتهم هي حياتنا وهم اصل حكايتنا..