بتجرد وموضوعية... هل ظُلم مرسي؟؟
لست إخوانيا ولست متحيزا للإخوان بل لدي من التحفظات على منهجيتهم ما دفعني للكتابة مرات عديدة تنتقد سياساتهم منطلقا من حرصي على وطني الأردن الذي تتخبط حكومته بقرارات شبيهة بقرارات تتخذ بحالات الطوارئ والأحكام العرفية. وما نأخذه على الإخوان هو نهج الإقصاء للرأي الآخر والإفتقار للمرونة المفضية للإلتقاء بمنتصف الطريق من أجل الخروج بتوافق أملا بدفع المسيرة الوطنية وتخطي الصعاب والعراقيل التي يبرع بخلقها الدخلاء لإعادة الوطن للمربع الأول.
سؤال يدور بذهني وربما بأذهان الكثيرين من المتابعين لما يجري بمصر الكنانة, والسؤال هو: هل وقع ظلم على الرئيس المصري محمد مرسي؟؟ حتى نجيب على هذا السؤال, سنتحرى الموضوعية ما أمكننا وأتمنى على القارئ الكريم أن يحذي حذوي ويتجرد ما أمكنه من خلفيته السياسية والدينية ويحكم بمعيار قائم على المنطق والواقع والحقائق على الأرض بعيدا عن العواطف والنزعات السياسية والأهواء.
محمد مرسي تسلم الحكم بعد ثورة شبابية عظيمة أطاحت بحاكم متكبر متجبر متحجر تفصله مسافات طويلة عن شعبه حكم مصر مدة ثلاثين عاما. صبر الشعب على ظلمه وتفرده بالرئاسة كالملوك رغم وجود معارضة ليست بالهينة. مرسي لم يأتِ نتيجة انقلاب ولم يكن نائب رئيس لمبارك ليخلفه (مبارك حكم مصر ثلاثة عقود دون نائب رئيس جمهورية). كانت هناك إنتخابات وصناديق اقتراع وهي التي دائما تتفاخر بها الأنظمة العربية وتتذرع بها وبنتائجها خصوصا عندما تكون مزورة. حوالي (13) مليون هم من اقترعوا لصالح مرسي وفاز على منافسه أحمد شفيق أحد رجالات مبارك المقربين.
إذن مرسي جاءت به الثورة والديمقراطية والإقتراع، وهي مقومات انطلق منها وأقرها الشعب. لا يخفى على المتابع والمراقب نظافة مرسي ووطنيته ورغبته بتحرير مصر ومؤسساتها من براثن نظام مبارك وتلك مهمة صعبة جدا وتحتاج لسنوات كي يتم ترسيخ مبادئ الثورة ومثلها وما قامت من أجله. كما نعلم، صاحب الحاجة أرعن. وهذا انطبق على شريحة كبيرة من المصريين المتعطشين للتغيير الملموس الذي يخرجهم من أجواء الحكم السابق ونمطيته. وهنا كان مقتل الرئيس مرسي الذي لم يقترب من المعارضة ولم يتفاعل معها إلا قليلا بحيث يعطي مؤسسته هامشا للتفكير والعمل والتخطيط وبنفس الوقت يقطع الطريق على معارضيه ليثبت لهم أنه يسير بالإتجاه الصحيح ونحو الهدف الذي تنشده الثورة.
لم يتحسس مطالب الناس، وربما كان هناك تقصير من مستشاريه وناصحيه لكنه لا يعفى من المسؤولية. واعتمد على شرعيته وربما راهن على عامل الزمن. لكننا لا ننكر أنه كان بطيء الحركة بالإستجابة لمطالب الثوار الذين أوصلوه لسدة الحكم. قرَّب الكثيرين من المحسوبين على التيار الإسلامي حتى اتهم باخونة وأسلمة المؤسسات ولم ينتبه أن شرارة يمكن أن تشعل نارا. القضاء لم يكن بعيدا عن الإكتواء بأخطائه، لكن نزاهة القضاء المصري واستقلاليته لحد كبير جدا كانت الضامن للتصحيح. وقبل الرجل واحترم حكم القضاء. كان دائم الإفتخار بالقوات المسلحة والشرطة كصمام أمان لحماية الحدود والأمن.
بالمقابل، كان حكمه يتسم بالنأي عن تصفية الخصوم أو التنكيل بهم أو زجهم بالسجون كما كان يصنع سابقه وكان نصيرا للإعلاميين والصحفيين، وهو رجل دين بالمقام الأول, لم يغلق قناة فضائية خصوصا القنوات التي تروج لفساد الأخلاق ولا القنوات المحسوبة على معارضيه إيمانا منه بحرية الإعلام. وكان بسيطا بساطة الفلاح المصري وكان يؤكد رئاسته لكل المصريين مسلمين وأقباط.
علينا أن لا نغفل بعض العراقيل والمنغصات التي كانت تشكل له أسبابا لعثراته. هناك نسبة كبيرة من عدم التوافق بين الخط الإخواني وبين المدرسة الأزهرية. وهناك الأضواء المسلطة على الإخوان أينما تواجدوا لإظهارهم بمظهر غير مرضي للكثير من الناس العاديين. الأنظمة العربية تستعديهم وتشيطنهم وبنفس الوقت لا تقوى على تجاوزهم. حقيقة نتج عنها توخي الحذر من الطرفين الذي دافعه القلق والتوجس والخوف على الكراسي.
الولايات المتحدة لا ترضى عن حاكم عربي إلا إذا كان طوع يدها ويبقى دائم الدوران بفلكها وبعكس ذلك تعمل بشتى الوسائل لإزاحته وتبديله. وهذا ما يجعل موقف أمريكا من الإنقلاب العسكري المدني الديني غير واضح. فأمريكا والإتحاد الأوروبي لا يقرا الإنقلابات العسكرية ولا يباركاها لأنها لا تتماشى ولا تتوافق مع ثوابتهم الراسخة. ومن حيث الواقع زمن الإنقلابات العسكرية قد ولّى.
والعسكر وطبيعة حياتهم وما يتم حقنهم به من الفكر العسكري القائم على مفهوم القتال والأمن لا يتوافق مع الديمقراطية ولا ينسجم مع الرأي الآخر لأن العسكرية قائمة على الأمر والتنفيذ وهامش تقبل الخطأ ضيق جدا لديها. ومن هنا تجلى دهاء عبد الفتاح السيسي بإشراك رجال الأزهر والكنيسة والمعارضة والقوى السياسية بقرار الإنقلاب لكي يتسنى له القبول والإعتراف من قبل دول العالم. لكن دولة دستورها معطل وحكومتها يلفها الكثير من الغموض يجعل من العالم الغربي يحسب ألف حساب لكيفية التعامل مع هكذا دولة.
وعلى عكس الغرب، الدول العربية تهافتت وسارعت وباركت وهنأت النظام الجديد لأنها لا تؤمن بالثوابت الدستورية والآليات والديمقراطية التي يستند عليها الغرب. وهي أنظمة فردية بمعطمها اعتادت على الحكم المطلق، إذ ما يريده الزعيم فهو حاصل دون الإهتمام بالرأي العام. والتسابق على التهنئة جاء نكاية بالإخوان وليس حبا بالسيسي.
لقد كان لانحياز الجيش للشعب بثورة 25 يناير وحسم الموقف لصالح الشعب الكثير من المبررات وعلى رأسها الإرادة الشعبية الشامله والعارمة التي مثلت كل أطياف الشعب المصري التي رفضت نظام يحكم بعقلية صاحب مزرعة. لكن الحال مختلف الآن. فهناك إنقسام حاد داخل الشعب ونرى الجيش قد إنحاز لإرادة فريق معارض ولم يحفل بالفريق الآخر المؤيد للرئيس السابق الذي ناصر ودعم مرسي وأوصله لسدة الحكم. والجيش واجبه الأساسي حماية كل الشعب ومناصرته عندما يكون مجمعا على تحقيق هدف موحد.
فالجيش عزز الإنقسام وأعطى مبررا للإخوان وأنصارهم بالإصرار على سعيهم خلف حق مضاع ومُصادر مثلما أعطى المبرر لحشود ميدان التحرير المؤيدة للإنقلاب العسكري بالإستقواء على حشود ميدان رابعة العدوية متذرعة ومتسلحة ومستقوية بمناصرة الجيش لها. وبهذا الحال كأن الجيش قد عمل على تأجيج الموقف وإشعال الخصومة بين الفريقين بقصد أو بغير قصد. فلا يمكننا إلا القول أن الموقف تنقصه الحكمة ويفتقر لحساب دقيق لما سوف تتمخض عنه الأيام القادمة.
كما لن ننس المعارضة الشديده منذ اليوم الأول بوجه الرئيس مرسي من قبل الذين فشلوا أمامه ولم ينجحوا بالوصول لسدة الحكم. بالمقابل، نرى النظام الجديد ومنذ لحظة تسلمه مهام الحكم، قام باعتقال معظم قيادات الإخوان والتضييق عليهم إعلاميا بإغلاق الفضائيات التي يمكن أن تكون صوتا وصدى لهم. أليس هذا قمع وتكميم أفواه وقتل حريات وإنتقام من النظام السابق؟؟
فهل وقع ظلم على الرئيس محمد مرسي؟؟ أترك الإجابة للقارئ بعد تجرده من القناعات السابقة محاولا الأخذ بالموضوعية كأداة للحكم. ولنعلم أننا نعيش الكثير من المتناقضات بهذا الزمان، فالصادق لا يُصَدَّق والكاذب لا يُكَذَّب والفاسد يتسيد والخائن يعتلي.
ونذكر أن الشعوب لا راد لإرادتها مهما بلغت التضحيات ومهما ارتفعت الخسائر. فهي الغالبة بنهاية الأمر، والحق يعلو ولا يعلى عليه وإن بدت الأمور معكوسة أحيانا.
وحمى الله الأردن والأمة والغيارى عليهما. والله من وراء القصد.