المواقع الإخبارية ومعاييرها
ما سيأتي ليس هجوما على المواقع الإخبارية بل تقرير لواقع وتسليط ضوء على ظاهرة أتوخى منه السعي نحو الأفضل للمواقع والقارئ. بعض المواقع تنسجم موادها لحد كبير مع رسالتها ورؤيتها والبعض الآخر يدعي المثالية المتناهية ونسبة التوافق بين رسالته ومواده المنشورة متدنية جدا. ورغم المآخذ على العديد من المواقع, نقدر ونحترم الجهد الكبير الذي يقف خلفه جنود مجهولون لا نشك أنهم يجتهدون للإرتقاء والسمو بمهنة المتاعب والإنتظار والتصيد لخبر به نفع الناس وخير الوطن.
المواقع الإخبارية الإلكترونية تلعب دورا هاما وبارزا بتشكيل الرأي العام وتوجيهه باتجاه القضايا والأحداث والسياسات بالداخل والخارج. وهي مصدر ثري جدا للمعلومة والخبر الصحفي والإعلامي كونها جزء من الجسم الإعلامي والصحفي العام. ويُسجل لها أنها كانت المبادِرة بتسليط الأضواء على الفاسدين والفساد ووجهت الناس بهذا الإتجاه شيئا فشيئا حتى صار الحديث عن الفساد وصانعيه من الأمور التي خرجت من دائرة التحريم إلى الدائرة الأكثر أهمية والأكثر اهتماما عند الأردنيين.
تصدت هذه المواقع لقضايا هامه كالتوطين والوطن البديل وعززت الإيمان بأن هناك ما يحاك بأيدي داخلية وخارجية ضد الأردن، وذلك بغية نشر الوعي لحشد الجميع للتصدي لمثل تلك المزاعم التي تسيء للوطن بقصد التلاعب بهويته ومستقبله. لم يكن الإعلام الرسمي مطلق الحرية بتناول مثل هذه القضايا البالغة الخطورة, توخيا للتهدئة مع الدول المعنية والتي لها علاقة بمثل هكذا قضايا, فجاءت المواقع الإخبارية الإلكترونية لتسد فراغا لا يقوى على سده الإعلام الرسمي المقيد بما يتوافق مع النهج الحكومي. فوجد القارئ بهذه المواقع ما كان يتمنى أن يجده بإعلام الدولة, فصار متنفسا ومصدرا يمد القارئ بما يتوق لمعرفته.
هناك الكثير من الإيجابيات التي يصعب حصرها والتي من خلالها تقوم المواقع الإخبارية بالتنوير والتبليغ والإشارة والتعليم والكشف عن المستور صالحه وطالحه. وحتى لا نبدو منحازين, نقول أن هناك البعض الذي يعتمد الحشو والإستقطاب القائم على الإثارة السياسية وغير السياسية.
لكل موقع خطه السياسي والديني والإيماني وربما الحزبي. فتجد موقع سمته الغالبة بصف الحكومة وآخر طابعه ديني وآخر ينهج نهج المعارضة بقصد المعارضة فقط وآخر طابعه المعارضة الإيجابية التي تهدف للإصلاح والتصحيح والتغيير للأفضل. وهناك المواقع الحكومية بأسماء لا هم لها إلا تسويق الحكومات. وهناك مواقع تابعة للأجهزة الأمنية لكي تروج للسياسات العامة وتظهرها بلسما خالصا أو لتسريب خبر معين بهدف الحصول على استفتاء غير معلن أو لجس نبض الشارع أو لتسليط الضوء على قضية م أو لحجبه عن قضية ما وهذا من صلب الإعلام والصحافة. وهناك مواقع تضم أشخاصا ربما مفروضون عليها كمراقبين ومخبرين للتأكد من " صلاحية " ما ينشر.
هناك سمة عامة تكاد تجدها بكل المواقع وهي الإدعاء بسقف الحرية العالي جدا أو ربما عدم وجود سقف لحرية النشر. وعندما تقرأ رسالة أو رؤية هذه المواقع وشعاراتها تظن أنك بالسويد أو فنلندا لشدة الزعم بتوفر حرية النشر بمنتهى الجرأة والشجاعة. كما يلاحظ قارئ الرسالة أو الرؤية لأي موقع يخلص لحقيقة أن هذا الموقع لديه من الجرأة والتنويع والتوازن والرأي والرأي الآخر ما ليس لدى غيره من المواقع الأخرى.
تصطدم أحيانا كثيرة من بعض المواقع وليس جميعها الإمتناع عن نشر خبر أو مقال أو معلومة وذلك بسبب أن المقال مثلا لا ينسجم مع رسالتها ورؤيتها وإن قرأت نص رسالتها أو رؤيتها تجدها مليئة بالمثل والقيم الدالة على الحرية التي لا سقف لها والجرأة التي لا يتحلى بها غيرها والشجاعة المنقطعة النظير وتسعى لخلق توازن وتطرح الرأي والرأي المعاكس. وعندما يرسل أحدهم مقالا يحتوي على جملة أو فكرة لا تتفق تماما مع قناعة رئيس التحرير أو الناشر الشخصية فتهمل ولا تنشر.
ليس المقصود نشر ما هب ودب. فالمادة التي لا تضيف جديدا أو إخراجها ضعيف أو صياغتها تعيب كاتبها أو لغتها لا تليق بالموقع أو التي لا ترتقي لمعايير النشر, فنشرها سبة على صاحبها وعلى الموقع الذي أجاز نشرها. لا أدعي المثالية بتأكيدي وتأكدي بتحري اللغة السليمة والصياغة المناسبة واختيار التعابير التي تنسجم مع الفكرة, لكن تحري تحقيق هذه الأسس هو منأولوياتي بالكتابة. عندما تقرأ بعض المقالات المليئة بالأخطاء الإملائية وعناوينها لا علاقة لها بالمضمون وصياغتها ركيكة, ولم يتدخل الموقع بتصحيح العنوان إملائيا على أقل تقدير, فاعلم أن المراجعة وقراءة المقال تكون بقصد التأكد من مدى ملاءمتها لمزاج المراجع سياسيا وحكوميا.
فالإمتناع عن النشر قائم على معيار سياسي شخصي مقيد بمدى التوافق مع الجهاز الرقابي الذاتي الذي غالبا ما يكون مرتبط برقابة من خارج الموقع. لو كان المعيار يأخذ بالحسبان اللغة والإملاء والصياغة واختيار التعابير لتم الإمتناع عن نشر الكثير من المقالات. المقالات التي تكثر بها العيوب والمقالات التي تفتقر للتدقيق وينقصها توخي أسباب الإجازة لنشرها, تنعكس على نوعية الموقع نفسه مثلما تنعكس على مصداقيته. أحيانا أقرأ مقالات تصفق للنظام والدولة ولغتها لا تتعدى رصيد طالب بالصف الرابع لكنها تتفق مع مزاج وفكر الناشر أو المحرر فيجاز نشرها. لا نغفل أن هناك بعض رؤساء التحرير الذين يتواصلون مع الكاتب لتعديل جملة أو فكرة أو للإستئناس برأي يخدم الموقع والكاتب والقارئ. بالمقابل هناك من يجيزون النشر لمقال عنوانه من خمسة كلمات وبه ثلاثة أخطاء إملائية أو نحوية, فما المانع من القيام بالتصحيح؟؟ إذ لا يعد ذلك تدخلا أو تعديلا بالنص.
لا ننكر أن هناك العديد من المواقع التي طابعها الموضوعية والبعد عن الذاتية إذ تنشر موادها متوخية التوازن بطرح مختلف الأراء المؤيدة أو المعارضة لحدث ما أو قضية ما. أما المواقع التي تضيق على نفسها وتبالغ بالإلتزام بخط واحد بالتأكيد قرائها محدودون ومن فكر مقيد وخلفية لا تقبل التنويع وتبدو متقوقعة على نفسها وهي بالحقيقة ليست مواقع متخصصة حتى تجيز الإنفرادية لنفسها. فننصح مثل هذه المواقع أن تعيد النظر بشعاراتها ورؤيتها ورسالتها حتى لا تبدو متناقضة مع نفسها ومع القارئ أو الكاتب وبالتالي تكتسب المصداقية وتحوز على ثقة الجميع.
هناك مواقع تبحث عن كتاب بشهرة محمد حسنيين هيكل ومصطفى أمين وتوماس فريدمان حتى وإن تطرقوا لمواضيع وقضايا لا تخدم القارئ ولا تضيف له جديدا,هل هؤلاء ولدوا مشاهيرا؟؟ مع تقديرنا لهم وإقرارنا بأستاذيتهم. هناك مواقع تنحو منحى الإحتكار فتشترط لنشرها مقالا ما أن تكون الأولى بنشره وبعد يوم أو يومين لك الحرية بنشره بمواقع أخرى. هناك مواقع لا تنشر مقالا به إنتقاد للحكومة وسياساتها, وتنشره بحال أنك تصفق وتطبل لسياسات الحكومة وتكيل لها الثناء.
المواقع ذات الطابع التنويعي كالمواقع الإخبارية نتوقع منها التنويع بنشر الأراء المختلفة لخلق التوازن واستقطاب القراء وإلا عليها أن تعيد صياغة رسالتها ورؤيتها وشعاراتها كي تتناسب مع كيفية اختياراتها للمادة ومعاييرها عندما تقر مادة معينة للنشر.
حمى الله الأردن والغيارى على الأردن. والله من وراء القصد.