فلنغار ...قليلا من ( ميلندا ) ..!!!
كم هي إمراة ( مدبرة ) و ( ست بيت ) السيدة ( ميلندا ) زوجة الملياردير الأمريكي ( بيل جيتس ) ، فهي وعلى الرغم من المليارات الطائلة التي يملكها زوجها فهي تربي أبناءها على ثقافة الاعتدال في الإنفاق إلى حد التقشف ، والفلسفة التي تحركها نحو ذلك هي أن تزرع في أبناءها حب وتقديس ثقافة العمل والإنجاز للحفاظ على ثروة الأب الذي بناها بالبدل والجهد والعرق ، (الدلال ) أو الإنفاق الزائد عن حده من قبل أبناءها يعني حسب وجهة نظرها سيؤدي إلى تدمير ما بناه الأب من صرح عظيم ، وأخطر ما صرحت فيه حول ذلك أيضا أن الأموال المطلقة هو مثل السلطة المطلقة ، مفسدة ما بعدها مفسدة ونهايتها الوقوع في براثن المخدرات والفشل ....!!!!
السيدة ( ميلندا ) ذكرتني في أمهاتنا قديما حينما كانوا يطبقون مفهوم (التنمية المستدامة )، فالبنطال للشقيق الأكبر في العائلة ، يتم لبسه من كل الأشقاء الذين يصغرونه سنا وعمرا حينما يصلوا إلى طول مقاسه ، وإذا لاح في الأفق ( بدلة ) رياضة زائدة أو استهلكت من قبل أبناء الجارات ، تقوم الأم بمهارة ( بتقييف ) البدلة ، فالجاكت يتم قص أكمامه وتحويله إلى بنطال والبنطلون الأصلي يتم كفكفة أطرافه وفي النهاية يلبس البدلة اثنان ومن الممكن أن يلبسه ثلاثة إذا كانت الأم محترفة لمهنة الخياطة إلى حد الإتقان ...!!!
بالطبع هنالك فرق بين ( ميلندا ) الثرية وجارتنا الحاجة ( فضة ) الفقيرة ، فالفقر وضيق الحال هو سيد الإبداع والاختراع بالنسبة للحاجة ( فضة ) فهي لا تملك شيئا لكي تمضي فيها الحياة ، أما ( ميلندا ) فهي تملك رؤية فيما تملك ليبقى مستداما لمن سيملك في المستقبل البعيد ...!!!
المشكلة التي نواجهها حاليا على المستوى الوطني هو أننا فقدنا الرؤية التي تملكها ( ميلندا ) و الحاجة ( فضة ) أيضا ، فعلى الرغم من قلة الموارد وتزايد الفوائد على قروضنا التي اقترضناها من صندوق النقد الدولي والجهات الدولية المختلفة ، إلا أننا كنا نتصرف فيما نملكه من هذه الموارد بترف وتبذير ، فالناظر إلى وزاراتنا ومؤسساتنا الحكومية سيلمس إن إسراف المسئولين فيها قد تجاوز حد إنفاق وإسراف الدول النفطية الغنية ، فمركبات البعض من أصحاب المعالي أو العطوفة أو السعادة مثلا أغلبها من النوع الذي يصلح تسميته بمركبات فضائية لضخامة حجمها وطول ارتفاعها عن الأرض وإذا كنت من سعيدي الحظ ودخلت إلى مكتب واحد منهم ستجد أن الإكسسوارات والأثاث الموجود فيه أفخم من أثاث ( بيل جيتس ) نفسه في مكتبه ...!!!!
المصيبة بل والمشكلة أن مسئولينا في الحكومة ومع كل الاحترام لهم يتكلمون لنا حاليا في اللقاءات العامة عن حجم الضائقة المالية الكبيرة التي تواجه بلدنا وتستدعي اللجوء إلى خيارات جريئة في رفع الدعم عن بعض المواد الأساسية المعيشية وكذلك المحروقات حتى لا يصبح حالنا كحال اليونان وبعد شعورنا بالحزن المفعم في نهاية اللقاء على الحال الذي وصل إليه بلدنا بعد انتهاء اللقاء مباشرة مع هؤلاء المسئولين ، تجدهم يودعونا بمركباتهم الفضائية تلك في موكب مهيب يجعلك تضحك قهرا وألما على هذا التناقض الكبير ...!!!
أتمنى من الله أن تكون هذه الضائقة الكبيرة التي تلم في بلدنا اقتصاديا سببا في أن تدفعنا جميعا لنملك رؤية واضحة في طريقة إدارة وصرف المال العام وتفعيل الدور الرقابي للمؤسسات الرقابية المعنية في المال العام حتى لا يبقى المواطن هو الحل في كل ضائقة اقتصادية تمر بنا ، فلنغار من ( ميلندا ) قليلا ومن الحاجة ( فضة ) أكثر ، ليبقى الوطن عصيا عن الوقوع في براثن الفشل ، وليبقى الوطن حصنا وصرحا منيعا من الأزمات ، حماك الله يا وطني ...!!!!
hamaqaba@gmail.com