الشركات اختراع عظيم ومصدر للأزمات
ابراهيم غرايبة
جو 24 : في تتبعه لنشأة الشركات، يقول نيال فرغسن (في كتابه "صعود المال: التاريخ المالي للعالم") إن الشركة أكثر الاختراعات أهمية في العصر الحديث. ذلك أنها تسمح لآلاف الأفراد بأن يجمعوا مواردهم للقيام بمشروعات طويلة الأجل، تتسم بالمخاطرة وتتطلب استثمارات بمبالغ ضخمة من رأس المال قبل أن تحقق أرباحا.
وخلال الأعوام الأربعمائة، منذ أن بدأ العمل بشراء وبيع الأسهم، كانت هناك محطات مالية متعاقبة. فقد ارتفعت أسعار الأسهم المرة تلو الأخرى إلى مستويات عالية، لتهبط مسرعة بعد ذلك. وكانت هذه العملية تترافق المرة تلو الأخرى مع الخداع؛ إذ كان بعض المطلعين على بواطن الأمور غير الشرفاء يسعون لتحقيق الأرباح على حساب المبتدئين السذج. هذا الأسلوب معروف إلى حد أنه يمكن تقسيمه إلى خمس مراحل: الإحلال، بخلق تغير في الظروف الاقتصادية، يعطي فرصا جديدة ومربحة لبعض الشركات. والحماسة الفائضة أو الإفراط في التداول، فتبدأ عملية التغذية الاسترجاعية التي تقود بواسطتها الأرباح المتوقعة المتصاعدة إلى زيادة سريعة في أسعار الأسهم.
والجنون أو الفقاعة، إذ يجتذب توقع الحصول على أرباح سهلة المستثمرين لأول مرة المحتالين الحريصين على سلب أموالهم. والعسر، إذ يعرف المطلعون على بواطن الأمور أن الأرباح المرتقبة لا تبرر الأسعار المبالغ فيها للأسهم، ويبدأون ببيعها والانسحاب، وفقدان الثقة عندما تبدأ الأسعار في الانخفاض. ويتدافع الغرباء للخروج من السوق.. وتنفجر الفقاعة.
يعتبر الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن العشرين من أهم المحطات في التاريخ المالي. ومن بين كل الدروس التي خرجت من الجهود الكبيرة لدراسة تلك الأحداث، يظل الدرس الأهم: يمكن لتلك السياسة النقدية غير الملائمة أو غير المرنة في أعقاب الانخفاض الحاد في أسعار الأصول، أن تحوّل التصحيح إلى ركود، والركود إلى كساد.
ودخل العالم في الحرب العالمية الثانية. وكان أكثر الأحداث أهمية في الفترة التي تلت الحرب هو ما لم يحدث؛ إذ لم يكن هناك ركود عميق وطويل الأجل. ولكن حدثت انهيارات أخرى بعد ذلك. فقد حدث في القرن العشرين تسعة انهيارات مالية، من أشهرها وأهمها "الاثنين الأسود" العام 1987. وفي التسعينيات حدث انهيار عظيم، وكان انهيار شركة إنرون الأميركية. وقد كانت رابع أكبر شركة أميركية، وتوظف 21 ألف عامل وموظف، ولكنها في الحقيقة كانت تقوم على غش متطور، يقوم على التحكم بالسوق ودفاتر الحسابات المفبركة. وكان مديرو الشركة يستخدمون كل أنواع الخداع ليجعلوا الخسائر الحقيقية تبدو وكأنها أرباح كبيرة.
هكذا، فبقدر ما كانت الشركات اختراعا عظيما، فقد رافقت مسيرتها دائما سلسلة من الاحتيال والأسواق غير العقلانية.
ibrahim.gharaibeh@alghad.jo
(الغد)
وخلال الأعوام الأربعمائة، منذ أن بدأ العمل بشراء وبيع الأسهم، كانت هناك محطات مالية متعاقبة. فقد ارتفعت أسعار الأسهم المرة تلو الأخرى إلى مستويات عالية، لتهبط مسرعة بعد ذلك. وكانت هذه العملية تترافق المرة تلو الأخرى مع الخداع؛ إذ كان بعض المطلعين على بواطن الأمور غير الشرفاء يسعون لتحقيق الأرباح على حساب المبتدئين السذج. هذا الأسلوب معروف إلى حد أنه يمكن تقسيمه إلى خمس مراحل: الإحلال، بخلق تغير في الظروف الاقتصادية، يعطي فرصا جديدة ومربحة لبعض الشركات. والحماسة الفائضة أو الإفراط في التداول، فتبدأ عملية التغذية الاسترجاعية التي تقود بواسطتها الأرباح المتوقعة المتصاعدة إلى زيادة سريعة في أسعار الأسهم.
والجنون أو الفقاعة، إذ يجتذب توقع الحصول على أرباح سهلة المستثمرين لأول مرة المحتالين الحريصين على سلب أموالهم. والعسر، إذ يعرف المطلعون على بواطن الأمور أن الأرباح المرتقبة لا تبرر الأسعار المبالغ فيها للأسهم، ويبدأون ببيعها والانسحاب، وفقدان الثقة عندما تبدأ الأسعار في الانخفاض. ويتدافع الغرباء للخروج من السوق.. وتنفجر الفقاعة.
يعتبر الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن العشرين من أهم المحطات في التاريخ المالي. ومن بين كل الدروس التي خرجت من الجهود الكبيرة لدراسة تلك الأحداث، يظل الدرس الأهم: يمكن لتلك السياسة النقدية غير الملائمة أو غير المرنة في أعقاب الانخفاض الحاد في أسعار الأصول، أن تحوّل التصحيح إلى ركود، والركود إلى كساد.
ودخل العالم في الحرب العالمية الثانية. وكان أكثر الأحداث أهمية في الفترة التي تلت الحرب هو ما لم يحدث؛ إذ لم يكن هناك ركود عميق وطويل الأجل. ولكن حدثت انهيارات أخرى بعد ذلك. فقد حدث في القرن العشرين تسعة انهيارات مالية، من أشهرها وأهمها "الاثنين الأسود" العام 1987. وفي التسعينيات حدث انهيار عظيم، وكان انهيار شركة إنرون الأميركية. وقد كانت رابع أكبر شركة أميركية، وتوظف 21 ألف عامل وموظف، ولكنها في الحقيقة كانت تقوم على غش متطور، يقوم على التحكم بالسوق ودفاتر الحسابات المفبركة. وكان مديرو الشركة يستخدمون كل أنواع الخداع ليجعلوا الخسائر الحقيقية تبدو وكأنها أرباح كبيرة.
هكذا، فبقدر ما كانت الشركات اختراعا عظيما، فقد رافقت مسيرتها دائما سلسلة من الاحتيال والأسواق غير العقلانية.
ibrahim.gharaibeh@alghad.jo
(الغد)