الديمقراطية الهندية والربيع العربي
ابراهيم غرايبة
جو 24 :
تصلح التجربة الهندية في الديمقراطية للتأمل والتفكير. ففي أسبقية الهند في التجربة، وتماثلها مع الدول والمجتمعات العربية، يمكن التقدير والقياس لفهم ما يجري اليوم في البلاد العربية؛ وما نحن عن الهند ببعيد!
في التفكير من خلال الثقافة، يمكن ملاحظة مقولة الكاتب والمخرج الهندي رستم فاروتشا: "إن الثقافة تواجه تعالياً غير معترف به، منتشر بكثرة في الدوائر الفكرية. ولكن ثمة اعتراف بالميراث الثقافي الهندي، وثمة إيمان متأصل بحيوية الثقافة، ولكن نحتاج أن نحدد دور الثقافة؛ فلا نتجاهلها ولا نحمّلها أكثر من قدرتها، فالثقافة تشبه في دورها النهضوي دور "الخثارة" التي تجعل الحليب يتخثر من أجل إنتاج اللبن الرائب.
وربما يكون التحدي الأساسي في المجال الثقافي هو التعددية الثقافية، والتفاعل بين هذه الثقافات في الهند، والقدرة على تجاوز الحالة الفظيعة القائمة اليوم في الفصل والتعصب بين الطبقات والثقافات، وإلغاء وتهميش ثقافات المضطهدين".
والهند اليوم -كما يقول سونثل خيلناني، الأستاذ بجامعة لندن- مجتمع سياسي بامتياز. وما بدا في الماضي، من منظومة تصنيف وتراتب اجتماعي، صلباً وغير قابل للتغيير، يبدو الآن ليناً وطيعاً للإرادة الإنسانية. ويلاحظ المراقبون للمشهد السياسي الهندي في الزمن المعاصر اتجاهين اثنين واضحين. فمن جهة، يرون اختفاء المؤسسات والإجراءات السياسية. سواء أكان المجلس التشريعي أم الأحزاب السياسية أم مؤسسات القطاع العام؛ إذ إنها كلها عصية على الإصلاح. ومن جهة أخرى، يشير المراقبون إلى المستويات المتزايدة للمشاركة في العملية الانتخابية السياسية.
ويمكن أيضا ملاحظة ثلاث لحظات بارزة في تاريخ السياسة الديمقراطية في السنوات الخمسين الماضية. ففي أواخر الأربعينيات وحتى أواخر الستينيات، يمكن للمرء أن يتحدث عن تعزيز دور الدولة. وبرزت في السبعينيات والثمانينيات التوجهات نحو المركزية في السلطة الحكومية. وبدأت في التسعينيات مرحلة زادت فيها أهمية الانتخابات، التي من المؤكد أنها أضفت الحيوية على المجتمع، ولعبت دوراً في اجتذاب الملايين للعملية السياسية.
هل يمكن للعمل الديمقراطي أن يُنشئ التوازن بين الصراعات المعقدة في الهند؟ يتساءل خيلناني. ويجيب بأنه مطلب مبالغ فيه. فالديمقراطية ليست عصا سحرية؛ إنها تساعد المجتمع على التفكير في ممارساته وخياراته، ولكنها لا ترغمه على ذلك. وليس بإمكانها أن تعطي ضمانات حول نتائج هذا التفكير، يجب اختيار التفكير؛ يقول خيلناني، وأن نفكر بخياراتنا وعواقبها، والتوازن المعقد غير المستقر دوماً الحاصل بين الاثنين.
ويعتقد ديفيد آلام أنه تسيطر اليوم على السياسة الهندية ثلاث قضايا رئيسة، سوف يكون لها أصداء بعيدة المدى في حياة الناس العاديين في الهند: الديمقراطية، والمساواة، والعلمانية. وفي هذا السياق يمكن النظر إلى مستقبل الأقليات الدينية والعرقية والإثنية في الهند؛ حيث تبدو المعركة من أجل المساواة ليست من أجل أن تكون بين أفراد غير متساوين، كما كان الحال في الغرب، ولكنها معركة تخوضها طوائف ضعيفة مع بعضها؛ كانت تنقصها الحرية بشكل جماعي، ثم وجدت نفسها تتمتع بحرية قانونية وسياسية لحظة الاستقلال.
ibrahim.gharaibeh@alghad.jo
(الغد)
تصلح التجربة الهندية في الديمقراطية للتأمل والتفكير. ففي أسبقية الهند في التجربة، وتماثلها مع الدول والمجتمعات العربية، يمكن التقدير والقياس لفهم ما يجري اليوم في البلاد العربية؛ وما نحن عن الهند ببعيد!
في التفكير من خلال الثقافة، يمكن ملاحظة مقولة الكاتب والمخرج الهندي رستم فاروتشا: "إن الثقافة تواجه تعالياً غير معترف به، منتشر بكثرة في الدوائر الفكرية. ولكن ثمة اعتراف بالميراث الثقافي الهندي، وثمة إيمان متأصل بحيوية الثقافة، ولكن نحتاج أن نحدد دور الثقافة؛ فلا نتجاهلها ولا نحمّلها أكثر من قدرتها، فالثقافة تشبه في دورها النهضوي دور "الخثارة" التي تجعل الحليب يتخثر من أجل إنتاج اللبن الرائب.
وربما يكون التحدي الأساسي في المجال الثقافي هو التعددية الثقافية، والتفاعل بين هذه الثقافات في الهند، والقدرة على تجاوز الحالة الفظيعة القائمة اليوم في الفصل والتعصب بين الطبقات والثقافات، وإلغاء وتهميش ثقافات المضطهدين".
والهند اليوم -كما يقول سونثل خيلناني، الأستاذ بجامعة لندن- مجتمع سياسي بامتياز. وما بدا في الماضي، من منظومة تصنيف وتراتب اجتماعي، صلباً وغير قابل للتغيير، يبدو الآن ليناً وطيعاً للإرادة الإنسانية. ويلاحظ المراقبون للمشهد السياسي الهندي في الزمن المعاصر اتجاهين اثنين واضحين. فمن جهة، يرون اختفاء المؤسسات والإجراءات السياسية. سواء أكان المجلس التشريعي أم الأحزاب السياسية أم مؤسسات القطاع العام؛ إذ إنها كلها عصية على الإصلاح. ومن جهة أخرى، يشير المراقبون إلى المستويات المتزايدة للمشاركة في العملية الانتخابية السياسية.
ويمكن أيضا ملاحظة ثلاث لحظات بارزة في تاريخ السياسة الديمقراطية في السنوات الخمسين الماضية. ففي أواخر الأربعينيات وحتى أواخر الستينيات، يمكن للمرء أن يتحدث عن تعزيز دور الدولة. وبرزت في السبعينيات والثمانينيات التوجهات نحو المركزية في السلطة الحكومية. وبدأت في التسعينيات مرحلة زادت فيها أهمية الانتخابات، التي من المؤكد أنها أضفت الحيوية على المجتمع، ولعبت دوراً في اجتذاب الملايين للعملية السياسية.
هل يمكن للعمل الديمقراطي أن يُنشئ التوازن بين الصراعات المعقدة في الهند؟ يتساءل خيلناني. ويجيب بأنه مطلب مبالغ فيه. فالديمقراطية ليست عصا سحرية؛ إنها تساعد المجتمع على التفكير في ممارساته وخياراته، ولكنها لا ترغمه على ذلك. وليس بإمكانها أن تعطي ضمانات حول نتائج هذا التفكير، يجب اختيار التفكير؛ يقول خيلناني، وأن نفكر بخياراتنا وعواقبها، والتوازن المعقد غير المستقر دوماً الحاصل بين الاثنين.
ويعتقد ديفيد آلام أنه تسيطر اليوم على السياسة الهندية ثلاث قضايا رئيسة، سوف يكون لها أصداء بعيدة المدى في حياة الناس العاديين في الهند: الديمقراطية، والمساواة، والعلمانية. وفي هذا السياق يمكن النظر إلى مستقبل الأقليات الدينية والعرقية والإثنية في الهند؛ حيث تبدو المعركة من أجل المساواة ليست من أجل أن تكون بين أفراد غير متساوين، كما كان الحال في الغرب، ولكنها معركة تخوضها طوائف ضعيفة مع بعضها؛ كانت تنقصها الحرية بشكل جماعي، ثم وجدت نفسها تتمتع بحرية قانونية وسياسية لحظة الاستقلال.
ibrahim.gharaibeh@alghad.jo
(الغد)