الخصخصة وتخلي الحكومة عن دورها في الحقوق الاقتصادية
لم أستطع كتم غيضي،، عندما إطلعت على مضامين قانون التخاصيه رقم 25 لسنة 2000 ، لما يحمله هذا القانون من شرعنة لمخالفات دستورية وقانونيه أدت الى نشوء أزمة إقتصادية غير مسبوقة تعاني منها مؤسسات الدولة وتنخر بمبادئ العمل وإدارة المرافق العامه، إن قوننة الخصصه وإخراجها في قانون لإضفاء غطاء الشرعيه عليها عمل يمكن وصفه بالباطل، قائم على فكرة تخلي الدولة عن ملكية المرافق العامة أو عن إدارة مرافق درجت الدولة على تولي شؤونها وإدارتهامنذ القدم وتعتبر ادارتها احد واجبات السلطة التنفيذية، كان ذلك بالتخلي الكامل عن إدارة هذه المرافق الحيوية والتي تشكل عصب الحياة ولا يكمن بأي حال من الاحوال إعتبارها ملكاً حصرياً لجهة معينة حتى الحكومات لا تملك التصرف بها ، لكن لوجود إعتقاد خاطئ قائم على أساس أنه أكفأ وأنشط ولديه القدره على توفير خدمة أفضل بكلفة أقل أو عدم كفاية الهياكل الرسمية، أدى الى توجة الحكومات الى خصخصة هذه المرافق ومن هنا بدأت كرة الثلج بالتدحرج.
بفقه القانون الاداري لايجوز للحكومات التخلي عن رقبة هذه المرافق وتنيط صلاحيات مطلقه للشركات الربحية أمر يتعارض جملة وتفصيلاً مع واجبات وأدوار الحكومة ، من المتصور أن يتم إدارة هذه المرافق أو تشغيلها إو إحالة منتوج معين لشركات خاصة على أن تحتفظ الدوزلة بشروط صارمة في قدرتها على فسخ هذه العقود، إن المطلع على الواقع الاردني يجد أن قطاعات عديدة كانت ولا تزال، بيد القطاع الخاص الامر الذي أدى الى تحول نوعي وكمي في أدوار الحكومات إذ الاصل أن تكون الحكومات متدخله في الحقوق الاقتصادية لضمان الانفاذ التدريجي لها وضمان حسن التوزيع العادل وعدم تغول الشركات الربحية لأن أهداف الشركات الربح فقط،
هبت رياح الخصخصة واقتلعت مقدرات الوطن دون سابق إنذار بل وعلى المنطقة العربية بأكملها منذ العشرين سنة الماضيه كان أحد أهم نتائجها الربيع العربي، وبتحليل عقلاني للثورات العربية التي كانت بدوافع إقتصادية سببها تحول دور الدولة من متدخله الى حامية للشركات العابرة للقارات أو متعددة الجنسيات.
وفي دراسة أجراها المركز الوطني لحقوق الانسان عام 2011 من قبل مجموعه من الخبراء والمختصين
بعنوان " واقع الإنفاق على حقوق التعليم والصحة والعمل في موازنات الحكومات الأردنية: دراسة تقييمية:2000-2010" اذ تشير بيانات الدراسة حول نسبة التضخم خلال الفتره محل الدراسه حسب مصادر الإحصاءات العامة إلى أن الأسعار قد نمت بنسبة (49%) خلال الفترة من عام 2000 إلى عام 2010، أي بمعدل (4.9%) سنوياً، علماً أن عام 2008 شهد أعلى نسبة تضخم حوالي (14%)، مما يعني أن نصف النمو في أي إنفاق على متغيرات الدراسة خلال فترة الدراسة هو إنفاق أسمي وليس إنفاق نوعي حقيقي، وبلغ مجموع الإنفاق الحكومي على أهم ثلاث حقوق إقتصادية وهي الحق في العمل والتعليم والصحة (23%) من حجم الإنفاق الكلي .
هذه الارقام وغيرها تؤكد على حقيقة مفادها إنسياق أعمى وتقليدي في الانفاق على الحقوق الاقتصادية وعدم قدرة الحكومات المتعاقبة على تطوير أدواتها المؤسسيه والفكرية لخلق حالة وطنية قائمة على أسس موضوعية تراعي الحقوق الاقتصادية، مما أدى الى زيادة حجم المديونية وتضخم القطاع الخاص وتخلي الحكومة عن دورها الحقيقي في إدارة المرافق العامه، عدم التوزيع العادل لمكتسبات التنمية والانفاق العامودي المتركز في مناطق محددة كان له أثر كبير في تشويه الاقتصاد الوطني.
إن الملف الاقتصادي الاردني بشخوصه لحداثة تجربتهم العملية أدى تشوهات في نتائج ومخرجات العملية الاقتصادية برمتها وزيادة الهوة بين الطبيقات الاجتماعية مرد ذلك أيضاً الاذعان المطلق الى برامج صندوق النقد الدولي والهيئات المانحة والخضوع لبرامج التحول الهيكيل وإشتراطاتها على الحكومات لتتخلى عن الدعم لبعض السلع، هذه النهوج الاقتصادية لا تواتي الدول النامية أو محدودة الموارد بأي حال من الاحوال وتحتاج الى يقظة وطنية لإنقاذ الملف الاقتصادي، بات من غير المقبول ولا المعقول أن تبقى الحكومات تتجة نحو التخلي عن إدراة المرافق العامة والحيوية بداعي جلب الاستثمار دون أي رقيب أو حسيب بل زاد الامر سواءً بأن يتم سن تشريعات لتنظيم هذه الجرائم الاقتصادية.
والقول بأن الدولة ليس دور لها في الحقوق الاقتصادية – على حد وصف المدرسة الرسماليه - يحمل في طياته خرفاً إقتصادياً إذ المعايير الاممية والدولية توجب على الدول تفعيل وضمان الحقوق الاقتصادية والاعمال التدريجي لها،وتفرض عليها التزام الاحترام والاعتراف والحماية لتلك الحقوق، وإتخاذ خطوات لضمان التمتع الفعلي التدريجي بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتم استخدام عبارة التمتع التدريجي في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للتدليل على أن التراجع عن ضمان هذه الحقوق يشكل بحد ذاته مخالفة صريحة للمواثيق الدولية، حتى وإن كانت الموارد المتاحة غير كافية تبقى الحكومة ملزمة بالسعي لضمان هذا التمتع على أوسع نطاق ممكن.
أن الاوان في ظل الظروف الاقتصادية السائدة النظر جدياً بالغاء قانون التخاصية وإعادة الولاية العامة لمجلس الوزراء لأن إنشاء مجلس للتخاصية ومنحة صلاحيات وفق منطوق المادة السابعه من القانون تتمثل بوضع السياسات العامه للتخاصية وتحديد المؤسسات العامة والمشاريع التابعة للقطاع الخاص التي يقرر خصخصتها أو إعادة هيكلتها تمهيداً لإجراء التخاصية عليها وتحديد الشركات التي تساهم بها الحكومة لإجراء التخاصية على حصة الحكومة فيها والموافقة على قرارات البيع والتاجير للقطاع الخاص وإختيار الشركات الاستشارية المؤهلة لتنفيذ الدراسات وإصدرا التعليمات اللازمة لذلك، إن الانسان المنصف العادل الدارس لهذه الاختصاصات وغيرها من الصلاحيات الممنوحة لمجلس التخاصية في هذا القانون يجد بحق أن مجلس الوزراء مشلول تجاة توجيه الاقتصاد الوطني يشئ بعدم القدرة على إتباع سياسة واضحة تجاه عملية الخصخصة وتوجة نحوها دون توفر أي حد أدنى من الدراسات أو الثوابت والمبادئ التي لا يجوز الخروج عنها أو تجاوزها بأي حال وعدم إدارك لمخاطر فتح الباب على عواهنه للشركات العابرة للقارات.