من أودى بهيبة الدولة؟؟
كان دولة الرئيس صريحا وشفافا ومباشرا كما عودنا كلما رغب برفع الأسعار والضرائب عندما اعترف أن هيبة الدولة قد فقدت وحان استردادها. نؤكد أنه ليس هناك أردني شريف وغيور على أردنه لديه الرغبة بأن يرى هيبة الدولة مهتزة, فكيف به إذا رأى هذه الهيبة قد أودى بها المارقون والنفعيون؟؟ واستعادة الهيبة للدولة هي واجب ومسؤولية الحكومة بالمقام الأول, لكن من الصعب تحقيقها بغياب الثقة والتوافق والتراضي عن العلاقة بين أبناء الوطن والدولة بكافة مؤسساتها. فالحال الذي نعيشه اليوم بما فيه من عناء واحتقان ساهمت به الدولة بحكوماتها المتعاقبة كل حسب جرأتها بما تتخذه من سياسات هوجاء غير مسؤولة تعتمد بها على قضم حقوق المواطن حتى جعلته بصف المخلوقات الأخرى.
لقد اعترف دولته بوجود تسيب لم تعد الحكومة قادرة على تحمله. إذ قال حسب ما نشرته وسائل الإعلام "أن الحكومة عازمة على استعادة هيبة الدولة ولم تعد قادرة على احتمال ما يجري من تسيب وإساءة للإدارة العامة وإضرابات كادت أن تفلس الدولة". فحوى وسياق ومحتوى هذا الإعتراف يوحي وكأن هناك فريق آخر غير الحكومة هو المسؤول عن التسيب وفقدان هيبة الدولة. وما يؤكد فهمنا هذا قوله " وإضرابات كادت أن تفلس الدولة". كلام مؤداه أن الحكومة كانت غائبة عندما تهيأت أسباب التسيب الذي هو بالحقيقة ما أدى لفقدان الثقة من قبل المواطن بالدولة ومؤسساتها وهو الشيء الذي أقرّ به جلالة الملك سابقا وهو ما أودى بهيبة الدولة.
"إضرابات كادت أن تفلس الدولة". كلام يشخص نصف الحقيقة والنصف الآخر بحاجة للتوضيح وكشف الغموض. هل هي الإضرابات سبب الإفلاس أم عدم رفع سعر الكهرباء؟؟ وها هي الكهرباء قد تم رفع سعرها بهدف منع إفلاس الدولة, فما ذنب الإضرابات؟؟ لننتظر ونرى النعيم والرفاه وسداد العجز والدين بعد قرار الجباية الكهربائي!!!
هناك إيحاء بين ثنايا الكلمات بثبات التهمة والجرم على المواطنين مما يستدعي القصاص وكأن المؤسسة التنفيذية أعضاؤها من الأنبياء الذين لا يأتيهم الخطأ لا من خلفهم ولا من أمامهم. وكلمة "تسيب" تعني ترك الأمور والأشياء على عواهنها أي لا مسؤولية ولا رقابة ولا ردع ولا قانون وهذا أقرب للفوضى إذ لا ضوابط ولا سيطرة ولا مرجعية. وهذا بمجمله يعني وجود خلل كبير جدا بالجهاز الإداري والرقابي ومزاجية بالتنفيذ وغياب الشعور بمسؤولية حمل الأمانة التي أقسم على صونها أعضاء الإدارة. كما يعني ذلك حلول المحسوبية والجهوية والنفعية. فمن يتولى المسؤولية بناءا على المحسوبية لا ننتظر منه إلا التسيب والإهمال اللذان انعكسا وبالا على الوطن والمواطن.
التخطيط السليم والمنتج لأي خطوة يقوم على دراسة الجدوى آخذا الإيجابيات والسلبيات لوضع الإحتياطات وتجنب المنغصات والعراقيل. وذلك يتم مسبقا وليس بعد أن تقع الفأس بالرأس. لماذا ننتظر وقوع البلاء وبعد وقوعه نتجه للوم واللطم والبحث عن حلول تخبطية تزيد من حجم البلاء؟؟ لماذا ننتظر السارق حتى يسرق؟؟ لماذا لا نمنعه من السرقة من حيث المبدأ؟؟ لماذا لا نفوت عليه فعلته بالضبط والرقابة وتقليل الفرص أو تغييبها؟؟
أخطاء وتصدعات الحكومة هي المسؤولة عنها لأنها المقرر والمنفذ والمدير والمراقب والمحاسب للأداء العام لأعضائها ولأعضاء المجتمع الذي تديره. وعندما قال " وإساءة للإدارة العامة" يُفهم من ذلك مؤسسة الدولة والحكومة تحديدا. وما يسميه دولته إساءة نسميه ردة فعل طبيعية وتنبيهية من الناس بعد أن طالهم خطر وتبعات التسيب المتغلغل بالإدارة وبعد أن شعروا بغياب العدالة الذي ذهب بحقوقهم كمواطنين وبعد أن رأوا الحكومات تغض الطرف عمن سببوا التسيب.
الشعب الأردني ونتيجة لتركيبته ونشاته وتداخل علاقاته من أقل الشعوب اقتناعا ورغبة بالخروج للشارع ومن أقلها خروجا على الكبير إذا ما الكبير حافظ على كبره ومن أقلها إيمانا بالتظاهر والإعتصام لكن ما اضطره لردة الفعل التي يسميها دولته بالإساءة ونسميها صحوة لتصحيح المسار, هو المنهجية التي تبنتها الحكومات المتعاقبة والسريعة الإقالة والتي تتلخص بحقيقة ماثلة لا يختلف عليها اثنان أن الحكومات تأتي وتذهب لتحسن أوضاعها وتضمن مستقبل أبنائها وتزيد من رصيدها وتثبت محاسيبها بالمواقع القيادية والمواطن والوطن اللذان هما قوام مهمة الحكومات لا بواكي لهما.
نحن الغيارى مع دولة الرئيس باستعادة الهيبة المفقودة حسب اعترافه ومعه بوضع الضوابط التي تمنع وقوع التسيب ومعه بمحاربة أسباب الإضرابات (حتى لا تفلس الدولة). وكل ذلك يتأتى بإحقاق الحق وممارسة العدل وتحقيق المساواة والعدالة بتوزيع الثروات ومحاربة الواسطة والمحسوبية مثل أن يتم تعيين نسيب أو قريب أو صديق على سلم المجد الوظيفي والإبتعاد عن منهجية الإدارة القائمة على العلاقات الشخصية ذات المصالح الضيقة التي لا تصلح بزمن العولمة والإتصالات والإنفجار العربي مثلما لا تصلح أن تكون الأساس الذي تقوم عليه إدارة الدولة.
الهيبة الأمنية تستعاد بالقوة البعيدة عن القمع والعنف والمعتمدة على عدم التساهل مع المسيئين لأمن الوطن والمواطن. الهيبة الإقتصادية تستعاد بمنع السرقات ومحاسبة السارقين. من يصدر شيكا بدون رصيد يقاضى ويسجن لأنه لم يلتزم بالدفع أي سلب حقا ليس له, فكيف يترك من سرق أموال وطن وحقوق الملايين من الناس؟؟ هيبة الدولة تستعاد بالمصداقية والشفافية والنزاهة عندما يضرب أعضاء الإدارة العامة المثل الأعلى بنزاهتهم وعدم خروجهم من الوزارة وحساباتهم تغص بالملايين وقصورهم تساوي الملايين ومزارعهم الخاصة يعتني بها ويديرها موظفون رواتبهم من الدولة.
الهيبة بالمطلق هي نتاج سلوك وتعامل واحترام وإيثار تنعكس على صاحبها (الدولة) بعد أن يتم اعتمادها كمنهج تقوم عليه العلاقة بين الدولة والشعب مما يؤدي لبناء الثقة التي عندما تترسخ يتوحد بعدها طرفا المعادلة, الشعب والدولة. والهيبة عمليا هي احترام مقابل احترام وهي أن تقدم ما يتوجب عليك تقديمه وتتوقع من الآخر أن يقدم ما يتوجب عليه تقديمه. إن أخل أحد الطرفين بتقديم ما عليه, اختلت العلاقة وتزعزعت الثقة وقلّ أو انعدم التعاون الذي يفضي إلى التشاحن والتصادم. الحل يكمن بالوفاء والإلتزام واحترام الطرف الآخر وآدميته وإلا سنبقى نناور ونراوغ ثم نعود من حيث بدأنا.
لسوء حظنا أننا نبتلى بإدارة بعد الأخرى لتزيد من التسيب المؤدي للإضراب والسبب الدفين لكل ذلك أن الحكومات تأتي وبقرارة نفسها أنها فوق الناس بل تاتي وبوجدانها وبذهنيتها مواجهة الناس والعمل على إسكاتهم والعبث بأرزاقهم وتقليل الفرص أمامهم وقتل الخيارات المنتجة وخلق الظروف التي تزيد من أعبائهم. واستهداف المواطن من قبل الحكومات العابرة أساسه أن المواطن هو الذي يعمل على كشف الحقائق ويعرقل تغول واستقواء هذه الحكومات.
لا أعتقد أن دولة الرئيس كان موفقا بما أدلى به عندما وضع الحكومة بكرسي القاضي الذي يواجه الشعب المتهم بقضية كاملة العناصر والأدلة والقرائن ولم يبقَ إلا صدور الحكم بعدم البراءة. ونذكر دولته لعله يتذكر أن هيبة الدولة لا يمكن أن تستعاد إلا بالعمل على احترام المواطن وعقله وعدم استغفاله وقبل ذلك كله مخافة الله.
وحمى الله الأردن والغيارى على الأردن. والله من وراء القصد.