jo24_banner
jo24_banner

الرد الرفاعي على استقالة البراري.. اللجنة الملكية في مواجهة الشارع

باسل العكور
جو 24 :



في السياسة، اذا كان الفعل موقفا ومعنى ودلالة، والكلام كذلك موقف، والصمت موقف، وحتى لغة الجسد للساسة وصناع القرار تستنبط منها موقفا وانحيازا ورأيا، فما بال رئيس اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية سمير الرفاعي وعدد كبير من اعضائها يعتبرون استقالة الاستاذ الدكتور حسن البراري من اللجنة، فعلا عدميا، لا معنى له ولا دلالة؟! لماذا يتجاهلون او يتعامون عن المأزق الذي وضعتهم به هذه الاستقالة ذات المعنى والدلالة السياسية العميقة في هذا التوقيت تحديدا -بعد ان توافقت لجنة الانتخاب الفرعية على الملامح شبه النهائية لقانون الانتخاب القادم والتي نشرت في عدد من وسائل الاعلام-؟!

استقالة الدكتور البراري من عضوية اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية لم تكن مستغربة، لا بل كانت متوقعة جدا، لان الجميع يعرف ان تكوين البراري الوطني والسياسي والمعرفي سيضعه حتما في مواجهة مفتوحة مع التيار الذي يحظى بالرعاية الرسمية، والذي يبدو انه نجح مؤخرا في التغلغل بمسامات السيستم واخذ يدير المشهد في اللجنة وفي غيرها..

البراري شارك في اللجنة بمحض ارادته، وقوبل قراره حينها بوابل من الاسئلة والانتقاد والتشكيك والرفض، ومع ذلك ظل يحاول ان يقنع جمهوره الواسع بجدوى المشاركة والاشتباك الايجابي، وبهذا تنتفي عمليا عدمية البراري وموضوعية سمير، مع اننا على يقين من ان الرفض بحد ذاته، يعتبر في كثير من الاحيان موقفا سياسيا اكثر نضجا من غيره، ويعبر عن شكل من اشكال مقاومة الامر الواقع ومواجهته ورفضه.

البراري يقيم حاليا ويشتغل في دولة قطر الشقيقة، ورئيس اللجنة سمير الرفاعي يعلم ذلك جيدا، ويعرف انه استاذ جامعي ومرتبط بمحاضرات وطلبة، ومع ذلك حضر البراري كما اكد لـ الاردن٢٤ الى عمان مرتين للمشاركة باجتماعات اللجنة وتحمّل الكلفة المالية المترتبة على ذلك، وحضر (٧) اجتماعات قدم فيها تصوراته وناقش جميع الصيغ المقترحة، كما انه قدم اراء مكتوبة وظل طوال فترة غيابه على تواصل مع الجميع، وتماس مع مختلف الاطراف والاتجاهات، كما شرح لنا باسهاب.

وبطبيعة الحال لا بدّ ان نقول هنا ان الاسهامات لا تقاس بعدد المرات، وأن رئيس اللجنة ليس عريف صف، ومسيّر فترة..

نص استقالة الدكتور البراري تضمنت السبب المباشر الذي دفعه للاستقالة، وهذا ينفي ان هناك نية مبيتة للمسّ باعمال اللجنة او تعطيلها وافشالها، كما اشيع في الازمتين السابقتين اللتين عصفتا باللجنة واعضائها، البراري كتب مقالا طويلا قبل ايام من تقديم استقالته عرض فيه وجهة نظره بمنتهى الوضوح، وقال انه لا يستطيع ان يتصالح ويهضم توصيات لجنة الانتخاب، التي يظن انها تتناقض تماما مع قناعاته السياسية وكل ما يؤمن به من قيم..


الرفاعي قال في تعقيبه على استقالة البراري ”انه كان يعتقد ان ما سيجري تغليبه في نهاية الامر هو حُسن الظن ومصلحة الوطن"، وفي هذا السياق يؤكد البراري ان لا دافع للاستقالة لديه غير حُسن الظن وتغليب مصلحة الوطن..

نص استقالة البراري جاء مهذبا وسياسيا ورسميا، وتضمن احتراما لشخص الرئيس واعضاء اللجنة جميعا، البراري اكد على حق الاختلاف، متمسكا بذات الوقت بحقه ايضا بالتعبير عن اختلافه مع التيار المهيمن من خلال آلية الاستقالة، هذه الآلية التي تعد تعبيرا احتجاجيا بائنا وحاسما على مضامين الخلاصات والتوصيات المتوقعة، وهذا امر يسجل لصاحبنا، في حين ان رد الرئيس الرفاعي على استقالة البراري جاء متشنجا، مستفزا شخصيا وغير مهني على الاطلاق.. وهو ما سيدفع بالضرورة الناس لطرح عشرات الاسئلة حول الدلالات والمعاني، وسيتذكرون حتما واقعة الكرسي لبطلها بشر الخصاونة تحت قبة البرلمان..


كان واضحا منذ البداية ان اللجنة لا تحتمل النقد، وتريد ان تعمل دون ضغط اعلامي وشعبي، ومتابعة حثيثة من قبل مختلف القوى السياسية والحزبية والنقابية، تريد ان تنجز المهمة، باقل الاضرار، مع بروباغندا اعلامية مكثفة موجهة مسيرة بالريموت كنترول تحقق الغاية المنشودة، وتمرر الصيغ المعدة، دون جلبة ودون مناقشات ومداولات وفهم وتحليل واستنتاجات، لذلك تعامل اعضاء اللجنة بمنتهى الحساسية مع البراري عندما اخذ ينشر ما يتعارض مع موقف التيار المهيمن والتوجه المرسوم، لذلك توقع الكثيرون ان نصل الى هذه النتيجة.

الرفاعي يريد ان يضيف انجازا جديدا لسجل انجازاته المفترضة، يريد ان يسجل انه نجح في قيادة فريق من (٩٢) عضوا وتمكن دون اشكالات من وضع مقترحات قوانين وتعديلات دستورية تتسق مع الرؤية الملكية والاجندة التي وضعها الملك للجنة، وهذا امر يريده ان يتم دون منغصات ودون مواجهات وسجالات واشكالات من اي نوع.


البراري وضع الجميع امام الاسئلة الكبيرة والصعبة؛ هل نريد اضاعة المزيد من الوقت؟ هل نحن بحاجة الى ان نقدم مشاريع قوانين جديدة لتحديث المنظومة السياسية ستوضع على الرف بجانب شقيقاتها من مخرجات لجان سابقة نحت ذات المنحى الفوقي؟ هل نريد اصلاحا فعليا؟ هل اعضاء اللجنة قادرون على تقديم تصورات منسجمة مع متطلبات حالتنا الخاصة، ام انها محاولات تقييف لخدمة تيار بعينه، سرعان ما سيلفظها الشارع و ينقلب عليها؟

الاردن٢٤ ستتابع عن كثب كل ما يتعلق باعمال اللجنة ونشاطاتها ومخرجاتها، لينتقل النقاش لدوائر اوسع تغنيه وتصوب مسيره قبل فوات الأوان، وقبل ان تكتمل حلقات الفشل وتطبق على المشروع برمته...


 
تابعو الأردن 24 على google news