مشعل باشا: الجيش العربي لحماية الأردن
تناقلت المواقع الإخبارية الإلكترونية خبرا مفاده أن سبب تأخير ضربة سوريا هو موقف مشعل باشا الزبن رئيس هيئة الأركان المشتركة الرافض لإشراك الأردن والجيش بما يحاك لسوريا. والموقف يتلخص برفض جر الأردن لحرب لا مصلحة له بها مع الفريق المندفع الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة.
لقد أثلج الخبر صدور الأردنيين الذين ومنذ اليوم الأول للأزمة لم يكن رأيهم مؤيدا للحرب على سوريا. وهذه قناعة تراكمت مع الزمن أن جيشنا العربي هو لحماية الأردن وشعبه وكما نقل على لسان مشعل باشا الزبن. هذا الرأي الشعبي المتواصل والثابت قد ارتكز عليه الباشا أمام رؤساء أركان عشر دول اجتمعوا بالأردن للبحث والتخطيط لضرب سوريا. وهو موقف يأتي تتويجا للموقف الشعبي الأردني الرافض للتدخل الأجنبي والعربي بشؤون دولة عربية ذات سيادة.
التدخل الأجنبي أو العربي يكتسب المباركة والرضا الشعبيين إذا كان تدخلا بالحسنى والجلوس على طاولة الحوار. أما إذا كان التدخل على الطريقة الأمريكية ومن يدور بفلكها، فذلك مرفوض وبشدة. نحن ضد القتل وسفك الدماء والدمار والتشريد مثلما نحن ضد أن تضرب دول عربية مهما كانت الأسباب. كما أن ما لا نرضاه لأنفسنا ولأردنا لا نرضاه لغيرنا.
الأردنيون قدرهم أن يكتووا بنار الأحداث الإقليمية مما راكم لديهم ملَكَة على تقييم وتقدير ما يدور وما يمكن أن يدور مستقبلا بالمنطقة وانعكاساته على الأردن وفهم أبعاده وماهيته. وما مشعل باشا إلا من الأردنيين الذين يعون جيدا ما يمكن أن تتمخض عنه حرب لا ناقة لنا بها ولا جمل.
وكعسكري متمرس وصاحب خبرة عريضة وباع طويله بالشأن العسكري ويتقلد أرفع موقع عسكري، لا شك انه يدرك ويلات الحروب وتبعاتها خصوصا إذا تم الزج بالجيش بحرب غير مقتنع بها. وعدم الإقتناع يضعف المعنويات القتالية وبالتالي يتدنى مستوى الأداء القتالي ويقتل الدافعية بقلوب الجند وهم يعلمون أن الحرب لا تعنيهم بل هي بمثابة عدوان على الشقيق ونيابة عن الآخرين.
وجيشنا اسمه (الجيش العربي) ويتميز بهذا الإسم عن باقي الجيوش العربية التي تنسب للدول. وهو للعرب وليس عليهم. وهذه المعاني ترسخت لدى الأردنيين وجيشهم على يدي الباني طيب الله ثراه الحسين وامتداده الملك عبدالله.
فللباشا من الغيارى كل التقدير والثناء ونرفع قبعاتنا لشخصه إجلالا واحتراما والتاريخ سيسجل له أنه جنب الأردن وشعبه وحماته حربا لن يطالنا منها سوى لعنة التاريخ وسخط الأجيال القادمة. وسيحفر اسمه بحروف من ذهب على موقف اتخذه بظروف تكالبت عليه أجنبيا وعربيا، موقف هو الشجاعة بعينها ولا يقل شأنا عن البطولات العسكرية التي يسجلها التاريخ للعسكريين بالحروب المشروعة والدفاع عن أوطانهم. وبهذا الموقف الصارم والحاسم والشجاع والنابع من إيمانه بأن الجيش الذي يقوده لا تملى عليه سياسات الآخرين وأن عقيدته القتالية لم تبنى على العدوان والتزلف, يكون هذا القائد الفذ والوطني قد أضاف نقطة مضيئة بتاريخ جيشنا وسجله الشخصي مما يجعله من المتعطرين بطيب وطنية وصفي التل رحمه الله.
الدول التي تحاول إشراك الأردن بهذا العمل العدواني على سوريا هي بعيدة كل البعد جغرافيا وعسكريا عن التأثر بتبعات الحرب وهي بمنأى عن أخطار الحرب, أما الأردن فهو بقلب الحدث لتوسط موقعه الجغرافي من العالم العربي وباقي العالم، ولجواره أيضا لسوريا وللكيان الصهيوني مما يحتم عليه التعقل وعدم الإنجرار خلف دول ذات أجندات أنانية لا تخدم الأردن بل تجعل منه موضع لوم من قبل الأجيال القادمة والتاريخ لا يرحم المتخاذلين خصوصا مع وجود الذين يشحذون سكاكينهم بانتظار موقف متسرع أو زلة لسان بزحمة الأحداث.
وأي خطوة وأي قرار يتعلق بالإقليم يجب أن يحسب جيدا وبدقة وبروية ويدرس من كافة جوانبه ليبقى الأردن وجيشه مع الثوابت العربية مهما كانت التكاليف. والتاريخ علمنا أن أمريكا وممولو حربها لا يتدخلوا بدافع القيم الإنسانية والمثل الأخلاقية وليس دافعهم حقن الدماء وليس هدفهم منع نظام الأسد من أن "يعاود" استخدام الكيماوي مستقبلا. ولكنها ذريعة ظاهرها إنساني وأخلاقي وباطنها "أجت والله جابها" لإنهاك الشعب السوري وإيصال الجيش لحال من عدم القدره على الدفاع عن سوريا واستنزاف قدراته القتالية والتسليحية حتى لا يقوى يوما عندما تتهيأ الظروف والأسباب على التفكير باستعادة المغتصب من أرضه مما يخلق صداعا تخشاه اسرائيل.
وكما هو معروف أن أمن اسرائيل من أمن أمريكا لذلك تنوب الأخيرة عن الأولى بتذليل المصاعب التي يمكن أن تعترض طريقها وتعيق تنفيذ مخططاتها بالمنطقة من توطين وتهجير وتقسيم. ومن الخزي والعار ومما يندى له الجبين أن ما يتم من ذبح لشعوب المنطقة ممول ومدعوم من النظام العربي الرسمي ومغطى سياسيا بقرارات ما يسمى بالجامعة العربية التي لم تفلح يوما باتخاذ قرار يجعلنا نحترمها، بل يتم اللجوء إليها من المجتمع الدولي بقيادة أمريكا لتصدر الفتاوى السياسية وتمهد الطريق وتعطي الشرعية للإعتداء على الدول العربية.
لقد سبق لهذه الجامعة والتي قراراتها تخدم سياسة أمريكا أن أيدت الإعتداء على العراق ومن بعده ليبيا والآن جاء دور سوريا، ولا نعلم من هي الدولة التي تلي سوريا بهذا الشأن. فتلك دول كانت السابقة على طريق التغيير وما تبقى من دول هي اللاحقة لا محالة, إذ لنا عبرة مما قاله القذافي وهو يخاطب الأنظمة العربية على خلفية اعدام الشهيد البطل صدام حسين, إذ قال "صدام يقتل على يد أمريكا, لكنكم ستقتلون على يد شعوبكم" وقد كان أول المحققين لمقولته. الألوهية لله الخالق ولستم سوى عبيد ولستم بمنأى عن عدالة الشعوب إذا لم تستقيموا وتخافوا الله بأوطانكم وشعوبكم واعلموا أن لكل شيء نهاية فإما أن تكون نهاية مشرفة ومدعاة للفخر وإما أن تكون نهاية معيبة ومدعاة للخزي.
الشيء بالشيء يذكر، لقد سمعنا وشاهدنا صاحب الولاية العامة والحريص على سلامة الأردن وشعبه والذي لاتقر له عين إلا ويخرج بقرار يسهل حياة المواطن ويزيد من بحبوحته يصرح تصريحا تنقصه الفطنة والدراية مثلما تنقصه الحكمة والدراسة ويجعلنا بصف المعتدين ويخلق انقساما بين الشعب والقيادة عندما صرح بتأييده لضربة عسكرية لسوريا وأعطاها من الأوصاف الكثير وهال على وصفها من المفردات الكثير ظانا أن مفرداته تخفف من ردة الفعل من الجانب السوري. ثم عاد وتراجع ليؤكد أن مصلحة الأردن بسوريا آمنة والقرارات المتخذة بضرب سوريا لا تعنينا, وهو موقف مدعاة للسخرية والإستهجان .
كيف برئيس حكومة ورئيس أركان للقوات المسلحة أن تكون مواقفهما غير منسجمة بل متباينة؟؟ أليس من تنسيق واتفاق على موقف واحد وخطوط عريضة أو إطار عام يتحرك بداخله من يُطلب منهم شرح موقف الأردن؟؟
هذا ونحن نمر بظروف دقيقة وغاية بالخطورة وكل همسة وكلمة محسوبة علينا والآخرون ينتظرون ذرائع الإدانة. أليس هذا تخبط وإقحام للنفس بالتهلكة؟؟ وعندما يكون المتحدث رئيس حكومة فالمصيبة أعظم. فلا أظن جلالة الملك راض عن مثل هكذا تصريح، والعودة عنه على الأغلب جاءت بطلب من جلالته لتستقيم الأمور للإبتعاد عن الإثارة والإستعداء.
بالعسكرية والحروب هناك ما يسمى بتقدير الموقف أي دراسه مستفيضة لإمكانيات القوات المحاربة وقوات العدو وما يمكن أن يلحق من خسائر بالطرفين والخروج بالسلبيات والإجابيات والتي هي باللغة العسكرية ما يمكن أن تكسبه القوات المحاربة وتخسره، وكذلك الأخذ بالحسبان احتمالات الإنتصار والهزيمة. وذلك كله يستند على معلومات استخباراتية واستطلاعات تراكمية لا تستثني حتى الأحوال الجوية. توضع كل المعطيات المتوفرة بين يدي القائد لدراستها مع فريقه المعني للخروج بالقرار المناسب. وما يدركه بالتأكيد مشعل باشا أن سوريا سترد على مصدر النيران وهذا من البديهي وعندها يكون الأردن قد وضع بموقع العدو بالنسبة لسوريا والأردن سيجني نصيب الأسد من الخسائر بالممتلكات والأرواح وباقي الدول لن تخسر إلا الذخيرة وبعض الأسلحة.
من البديهي أن مشعل باشا قد وضع كل تلك الإعتبارات بحسبانه كعسكري محترف عصرته الحياة العسكرية بحلوها ومرها وبموقع مسؤولية خطير وحساس عندما أبلغ المؤتمرين أن "الجيش العربي لحماية الأردن وشعبه" وليس لقتل أشقائه العرب.
بالمقابل كنا نتوقع من دولة الرئيس ألا يقحمنا بما لا نرغب إذ كان بتصريحه المؤيد لضربة سوريا غير موفق. ومثلما لا نؤيد ضرب سوريا ولا نؤيد إطلاق رصاصة على دولة عربية، بنفس الوقت نسأل الله أن يتوقف القتل والتدمير والتشريد وتعود سوريا المفتوحة لكل العرب.
وحمى الله الأردن وسوريا والغيارى عليهما. والله من وراء القصد.