ممقوت من يقول ما لا يفعل
لم يسبق لحكومة أردنية أن مررت ما تريده من قوانين يقتل بها الشعب مثلما فعلت الحكومة الحالية (حكومة أبو الراغب ضربت رقما قياسيا بالقوانين المؤقتة بغياب البرلمان). رئيسها يطل علينا من شاشات الفضائيات دأبا على عشقه للظهور أمام كاميرات الإعلام لكي يؤكد نزاهة حكومته وشفافيتها ورشاقتها ونظافة يدها وصوابيتها باتخاذ القرارات وأنه مكرس جهده لخدمة المواطن "الذي سيكتشف حصافة رأيه لاحقا". فكيف الذبح دولتك يكون رحمة والسم علاجا والإستهتار كرامة والغلاء دعما؟؟ هل تحسب دولتك الشعب شاة تقاد بيد وباليد الأخرى سكين به نهاية حياتها؟؟ هل دولتك تعول على الأحداث الإقليمية كسبب لانشغالنا؟؟ هل مصائب سوريا وما يحاك لها فوائد عند دولتك؟؟
ربما ولحد ما نتفق مع دولته بأن السرقات توقفت, لكن توقفها جاء نتيجة جفاف النبع الذي كان الفاسدون لا يرتوون من الغرف من مائه فلم يبقوا على شيء ذا قيمة إذ باعوا وخصخصوا كل ما أمكنهم من مكتسبات ومقدرات الوطن. لكن البذخ والإسراف ما زالا يراوحان مكانهما. والسرقات صارت من خلال القوانين بعدما كانت بالغرف المظلمة. فقوانينكم الجائرة هي بمثابة تشريع للنشل, فبعد أن كانت فوضى صارت تمارس ضمن القانون.
رفع الكهرباء والمحروقات غير العادل والخبز الذي حدده دولته بـ (90) كغم للفرد بالسنة, والمياه التي بطريقها للرفع, والتعيينات بمواقع قيادية التي أساسها القربى والأنسباء والمحسوبية والإسترضاء, وتدوير الوجوه التي تأسس الفساد وهي تتنقل بين نفس المناصب القيادية ، نراها تعود الواحد تلو الآخر لتعيدنا للمربع الأول. كلها قرارات تم تمريرها بنعومة ومباركة من النظام ومجلس النواب الذي يشرع القوانين التي بها صالحه دون الإلتفات للشعب الذي يكتوي يوما بعد الآخر بنار تلك التشريعات. ومجلس الأعيان الذي يصادق على ما يتفق عليه النواب وإن عدل مادة فتكون شكلية والقصد منها أننا نحن هنا موجودون.
رئيس الحكومة يؤمن بأن الإعلام سلاح خطير, إذ هو حقيقة كذلك, وأداة لا بد أن تفعل فعلها، ولذلك نراه يظهر كثيرا على الشاشات ويستخدم ما حباه الله من أسلوب لتطويع اللغة لخدمة ما يريد تمريره بغية إقناع الشارع بمدى ما يتمتع به من بعد نظر قل نظيره وليوضح ويسهب بشرح مزايا وفوائد ما يتخذه من خطوات.
قرأنا بالصحافة الإلكترونية عن شراء سيارة مرسيدس لاستخدام دولته الخاص بقيمة ( 180000) دولار وقبلها قرأنا رقما آخر يقول (250000) دولار. هذا بالوقت الذي " يحارب " دولته وحكومته الفساد والتسيب ويعمل على تقليص النفقات ويحارب البذخ والإسراف.
نود تصديقك يا دولة الرئيس لكن ما تراه العين يدفعنا للقول أن أقوالك براء من أفعالك، وما أقوالك إلا فقاعات سرعان ما تتلاشى لتظهر الحقيقة الصادمة والمفجعة لتصل بنا القناعة للبناء على عكس ما تتفوهون به إذ أقوالكم موثقة بالصوت والصورة بأرشيفات الفضائيات وأفعالكم أيضا موثقة بذاكرة الناس وجزء من حياتهم المزرية جراء سياساتكم وقراراتكم.
وما صدمنا وأفجعنا هو المبلغ الزهيد جدا الذي منحتموه دولتكم للمنتخب الوطني منتخب النشامى الذي يسطر الإنتصار تلو الآخر ليرفع اسم الأردن ويسوقه عالميا. وهو منتخب أحوج ما يكون للدعم والمؤازرة للرفع من معنوياته التي تعمل على تحسين أدائه بتوفير ظروف وأسباب الفوز القادم بإذن الله .وها أنتم قد منحتم المنتخب مبلغا يندى له الجبين بالمقابل حفلة عشاء على شرف سمير الرفاعي أو فايز الطراونة تكلف الخزينة أضعاف هذا المبلغ، وقد رفض اتحاد كرة القدم مشكورا أعطيتكم لأنهم عزت عليهم كرامتهم المستمدة من كرامة الأردن الوطن والشعب وكان يتوقع منكم وأنتم دوما تنسبون كل خطاكم لتوجيهات جلالة الملك والهاشميين، أن يتناسب عطاؤكم مع حجم العطاء وقيمة الفوز وحجم ومقام من أعطى. ولماذا لم تلجأوا لشراء سيارة بسعر متواضع إذا كان قصدكم تقليل النفقات؟؟ هل التوفير حلال عند المنتخب وحرام عندما يكون بالأمر منفعة شخصية؟؟ فأنتم والله لا تجيدون إلا الإستخفاف والتدليس والتفنن بأساليب الإستهتار بهذا الشعب الطيب. تلك أدوات باتت مكشوفة ولا تخفى على السذج, واعلموا أن الشعب وإن سكت عن اعوجاجكم لأسباب يدركها ويؤمن بها فلن يسكت للأبد، وستكونوا حطبا لنار غضبه وستحشرون بقائمة الملعونين وسيئي الذكر وسيكتب عنكم التاريخ أنكم اعتلوتم على أكتاف الشعب وشبعتم من قوته واغتنيتم من ماله واغتصبتم حقوقه وحرمتموه من ثرواته لتشبعوا جشعكم وترضوا من تدوروا بفلكهم.
دولة الرئيس يركب سيارة ثمنها (180000) دولار وهو الرقم الأقل سنعتمده لصالح صاحب الولاية العامة بالوقت الذي رئيس وزراء النرويج يعمل سائق تكسي بعد ساعات الدوام الرسمي ورئيس البرازيل يركب سيارة قيمتها بحدود المئة دينار. هذا بالوقت الذي يتم به تسريبات مفادها عدم قدرة الدولة على صرف رواتب جنودها وموظفيها. فكيف لأقوال دولته أن تستقيم مع هذا البذخ وهذه الأنانية, وكيف لنا أن نعذره كما يدعي هو ونحن نرى أفعاله تتناقض مع أقواله؟؟
رب قائل يقول هل تريدون رئيس حكومة أن يستخدم سيارة بأقل من ذلك الثمن. فنقول أن من يريد أن يضرب مثلا حسنا وأن يكون قدوة للآخرين وأن يثبت أن ما يقوله هو الحقيقة والصدق، فعليه أن يبدأ بنفسه ليستعيد الثقة التي خسرها وقبلها ليفي بقسمه وقبل ذلك ليرضي ربه الذي أقسم على كتابه بالوفاء للشعب وخدمته. دعوني أسوق لكم قصة تروى عن المرحوم رمز الوطنية الأردنية وصفي التل الذي كان سيعبد وطنه وشعبه بعد الله لو كان هناك ما يعبد غير الله تعالى. والقصة تقول أنه عندما عين رئيسا للحكومة وسكن بمنطقة الكمالية/صويلح تطلب الأمر توفير خط هاتف بمنزله، وكان أقرب موقع يمكن أن يسحب منه خط هاتف يبعد عن منزله بمقدار ثلاثة أعمدة، وكلفة ذلك تبلغ ستة دنانير. فكتب لوزير ماليته يطلب منه تقسيط المبلغ على حسابه الخاص لثلاثة أشهر أي بواقع دينارين كل شهر. والدولة هي المسؤولة عن توفير خط هاتف لرئيس الحكومة لكنه آثر أن يثقل على نفسه. فأين هذا النسور من ذاك الوصفي؟؟ ليست العبرة بالمبلغ ولكنها تكمن بالمبدأ والنهج الغيور على الوطن والشعور بالمسؤولية والصدق والشفافية وصون الأمانة واحترام الشعب.
دولته يريدنا أن نرتدي ثوب الإشتراكية (بالبطاقات الذكية) ونحن رأسماليون، ويريدنا أن نتحول للشيوعية ونحن مسلمون، ويريدنا عبيدا وقد ولدنا أحرارا، ويريدنا كالبهائم وقد ميزنا الله بالعقل والتفكير، ويريدنا أن نتقشف وهو يبذخ ويسرف دون رادع، ويريدنا أن نصدق لغته الناعمة ونحن نعلم أنه يقول ما لا يفعل, وبكل ذلك يريدنا أن نلغي عقولنا.
وهناك إسقاطات كثيرة وقعت بها هذه الحكومة برئيسها الحالي وهي إسقاطات تدل على أن القرارات ارتجالية وتتخذ دون دراسة كافية ودون دراية بالواقع ودون حساب لردود فعل الشارع. قيل لنا أن المحروقات تعدل أسعارها بناءا على الأسعار العالمية، والتجربة أثبتت عدم صحة هذ الزعم. قيل لنا أن صندوق النقد الدولي اشترط رفع سعر الكهرباء وتبين ومن أهل الصندوق نفسه أنه كلام عار عن الصحة. قيل لنا سوف يغادر الجنود الأمريكان الأردن حال إنتهاء مهمتهم وقد قال الأمريكان أنفسهم أنهم باقون إلى ما شاء الله. قيل لنا أن التعيينات بالمناصب العليا ستخضع لعامل الكفاءة وإذا بها تخضع لعامل القربى والمحسوبية والصداقة. وقد قال دولته بملئ فيه أنه يؤيد ضربة محدودة ودقيقة لسوريا وباليوم التالي تراجع عن أقواله. وقال لنا دولته أن الأردن سيفلس إذا لم يتم رفع سعر الكهرباء، وهذا يستدعي التساؤل التالي: هل الأردن بهذه الهشاشة لكي يكون سعر الكهرباء هو الكلس الذي يقوي عظام الدولة؟؟