" آخ " يا مصر ..!!
أذكر أنني وبعد أشهر من الثورة المصرية وحينما كنت في الطائرة وهي تحلق من فوق سماء القاهرة بأنه قد انتابتني رجفة وقشعريرة في كامل جسدي حيث شعرت أن هذه السماء هي السماء نفسها التي صعدت في أجواءها أرواح شهداء ميدان التحرير الذين أسقطوا نظام حسني مبارك الظالم ، حيث مرت منها روح " محمد طه " أصغر شهيد بالثورة ذو التسع سنوات ، وروح الشهيدة الشابة " سالي زهران " وروح الطفلة الشهيدة " هدير " والتي كانت في الثالثة عشر من عمرها وروح الشاب "محمد الصاوي "الذي أستشهد وهو ينطق بالشهادة بيديه ، وهي السماء نفسها التي صعدت منها أرواح" 300" شهيد من مسلمين ومسيحيين كانوا مثل أولئك الأبطال الذين وهبوا أرواحهم فداءا لمصر والأمة العربية والإسلامية من جيش النصر في رمضان 1973 ، فسلمت على أرواحهم جميعا بعد أن سالت دمعتي وقرأت الفاتحة على أرواحهم ، وكلي أمل بان مصر عادت لنا ولن تعود لأولئك الطغاة من بعد دمائهم .
بالأمس انتهت جولة الانتخابات الرئاسية المصرية بعد الثورة ولم أكن أتوقع بان دماء الشهداء ستضيع هدرا ولو إلى لحظة أو برهة بسيطة ولكن قد تجري الرياح بما لا تشتهي السفن ، القوى السياسية على مختلف أشكالها اختلفت فيما بينها على من يتسيد الزعامة والحكم ليخرج من جثة النظام السابق بعضا من بقايا ديدانه منافسا على الرئاسة لتضع الثورة ودماء الشهداء في مهب الريح ولا يوجد أكثر من عبارة " الثورة انتهت " التي نطقها أعوان النظام السابق حينما ظهرت نتائج انتخابات الجولة الأولى تعبيرا عن خطورة الموقف والمرحلة القادمة إذا عادوا من جديد ..!!!
وبما إن مصر هي حاضرة ورائدة الأمة العربية التي ضاعت وتاهت عنا لسنوات طويلة وضعنا وتهنا من بعدها فان مستقبل الأمة العربية ومصيرها مرتبطا فيما سيؤول خيار ناخبيها في الجولة الانتخابية الرئاسية القادمة فانه ينبغي على المفكرين والكاتبين والأدباء والوعاظ والعلماء المؤثرين في عالمنا العربي أن يهبوا لنجدة مصر بالكلمة والفكرة والعضة علها تصلح ما شاب حكماءها من اختلاف ، ليتجاوزوا مرحلة الخطر القادم فالقضية أكبر من الأخوان المسلمين والاستحواذ السياسي ، إنها مصر التي إذا غضبت أو تحركت نهضت وغضبت الأمة العربية بأسرها معها ، مصر التي شل أثرها وشاب أمتنا العربية الشلل بعد أن جمدت بكامب ديفيد واتفاقياتها ، ليستفيد من غيابها قوى إقليمية رجعية نخرت في جسد الأمة العربية الجروح والنكبات فأصبحنا رهن أجنداتها ومصالحها الإقليمية الضيقة ...!!!!
فالحكمة تقتضي إن يجتمع أقطاب التيارات السياسية جميعا الذين كان لهم الشرف بالانضمام والمشاركة في ثورة التحرير ليهبوا لنجدة مصر بدعم المرشح الوحيد الباقي لهم في مواجهة مرشح نظام الظلم والاستبداد والحكمة تقتضي أيضا من الأخوان المسلمين في مصر أن يعاهدوا غيرهم من هذه التيارات أن لا يطمعوا في مقاليد الحكم ويستأثروا فيها دون غيرهم ، فنهضة مصر تستوجب مشاركة كل المصريين على مختلف رؤاهم وأفكارهم في بناء دولتهم ، فمصر لا تحتمل أن يتفرد فيها حكم ذو لون وطعم واحد ، فهي أم الدنيا ...!!!!
بلا أدنى شك أن عودة النظام السابق من شباك الثورة بعد أن طردوا من باب ميدان التحرير يعني ضياع الأمل في عودة ونهضة أمتنا العربية من جديد ، ويعني أن دماء سالي وهدير ومحمد الصاوي وباقي شهداء التحرير هدرا وسيعني بان القادم لامتنا العربية مزيدا من الصدمات والويلات ، فمصر هي الدولة العربية الكبيرة التي كانت لنا وما زالت الأخ والشقيق التي كنا نستصرخها في جرحنا وألمنا بمقولة " آخ " يا مصر ، " فآخ " يا مصر إن خيبتي رجاءنا وأملنا بعد هذا الوقت من طول الانتظار...!!!!!
hamaqaba@gmail.com