هل حالنا ومستقبلنا تحت السيطرة؟؟
يملأ الضجيج والصراخ هذه الأيام الأجواء السياسية الأردنية ويعتلي في الكثير من الأحيان ليصم الآذان وتكثر الإجتهادات والتحليلات القائمة على مخزون الإرث التاريخي الذي يغص بالقرارات المفصلية والتي معظمها لم يكن لصالح الأردنيين بل حُمِّلوا ما لا يستطيع أحد حمله. ومعطيات المرحلة الآنية العصيبة جاءت كنتيجة مرسومة لتلك القرارات والتي يتحمل وزرها النظام والمصفقين من البطانة التي تقدم المشورة. والرموز الوطنية وإن كانت مهمشة كما تعودنا, لكن عندما يتعلق الأمر بالوطن والمساس به فلا عذر لأحد. والدفاع والذود عن الوطن ليس فقط بالبندقية أمام العدو بل هناك الكثير من المسالك والقنوات التي تفعل فعلها وكل من موقعه.
الكلمة الرصينة الصادقة سواء بالإعلام والصحافة أو بالمجالس والدالة على الخير خير الوطن والمواطن هي سلاح يفجر مكامن الوعي والإدراك عند الناس البسيط منهم والمثقف والكلمة بكل أشكالها تنمي القدرة للقراءة ما بين السطور وتجعل من هذا الوعي وهذه القدرة الحاجز الذي تقف عنده محاولات التمرير ومواد التخدير والقرارات المصيرية. لقد تعبت الناس من التصفيق والتطبيل الذي بلجَّته كان هلاكهم وغموض مستقبلهم والخوف من القادم. الهجرات أرهقتنا واللجوء جعلنا غرباء بأرض حرثناها وزرعناها لكنا لم نجني غير "العقير" والشوك والقش والقرارات بالغرف المغلقة أوصلتنا للعوز والوجوه المتناوبة على إدارة شؤوننا لا تعرف ولا تجيد إلا التصفيق المبرمج والنظام يولي الأمور غير أصحابها ويضع ثقته بأشخاص يكاد أن يكون أعداؤنا أكثر رحمة بنا منهم. ومن لديه تحفظ على ما تقدم فهو يحاول تغطية الشمس بغربال.
وأهم معطيات المرحلة الراهنة تتمحور حول طروحات وأفكار وزير خارجية الولايات المتحدة التي تفوح منها رائحة التوطين والتعويض بالتزامن مع اللعب على وتر التجنيس وأبناء الأردنيات وغير ذلك من القضايا المقلقة والتي يرفضها الشعب الأردني حتى لو أمطرت السماء ذهبا. بالمقابل هناك صمت مطبق وإحجام من أصحاب المعرفة والمطلعين على ما يتم تمريره بظلمة الليل إذ يتوخى بهم الشعب التحرك والتفاعل لكي تكتمل دائرة التوافق والتناغم بينهم كنخب وبين السواد الأعظم من الأردنيين الغيارى لخلق جبهة مقاومة سياسية سلمية تعبر عن رفض كل ما يصل من تسريبات لجس النبض. لكنا للأسف لا نرى ولا نسمع إلا القليل جدا من هذه النخب التي وإن عبرت عن رأيها نراها لا تخرج عن إطار ما يرضي النظام. وهنا مربط الفرس إذ لا نطالبهم إلا بتقديم النصح والمشورة التي بها يصان الوطن وإن لم يفعلوا فيكونوا قد ساهموا بصمتهم على أن تسير الأمور نحو الأسوأ. والدال على الخير كفاعله.
وأثناء هذا الصخب السياسي والتخبط والضبابية في المواقف الرسمية التي ترسم ملامح الموقف الأردني من مجمل القضايا العالقة والشائكة والتي بالتالي تؤثر على كل فرد على أرض الوطن, نرى المغرضين والطامعين يترعرعون بمثل هذا المناخ المتقلب ويجدون به فرصتهم للصيد الثمين وإعادة الأمجاد والتجييش واكتساب الشعبية المفقودة. وهنا نستحث أصحاب الهمم الوطنية والغيارى لينفضوا الغبار الذي تراكم جراء الصمت وليأخذوا مواقعهم ويقوموا بأدوارهم التي يحتمها الواجب الوطني أكثر من أي وقت مضى. الوطن أردنكم يناديكم فلا تخذلوه والشعب يستحثكم فلا تتوانوا لأن كثيرا من الأمل معقود عليكم وبكم والمسؤولية عظيمة فكونوا على قدرها وإن تقاعستم يوما فتقاعسكم اليوم جريمة بحق الوطن لا يمحوها التقادم الزمني.
والطاعة العمياء, طاعة شيخ القبيلة التي نشاهدها بالمسلسلات التي أودت بنا لهذا الحال لم تعد تخدم الوطن ولم يعد من شك لدى الجميع أنه قد آن الأوان حتى لا نجعل من هذه الطاعة سدا يقف أمام طموحاتنا وأمانينا وحقوقنا وحق الوطن على أبنائه, بل هو الوقت الذي إن لم تقطعه قطعك وأرى الحاجة ماسة لقطعه قبل أن يفوتنا القطار. فلنخترق سد الصمت وبغير ذلك لن تنفع الصحوة المتأخرة وتحقيق أهدافها يصبح شبه مستحيل وباهظ الثمن على الوطن والأرواح والمستقبل.
نرى المناخ العام مشحون بالتوتر والترقب والإسهاب بالتنظير ويذهب بالأردن نحو الصدام والفوضى وعدم الإستقرار مما يؤدي لزعزعة الأمن وفقدان الأمان وهي أمور لم نعتد عليها ونسأل الله القدير أن يبعدها عن الأردن. وما يزيد الطين بلة, غياب الحسم وترك الناس بالظلام من قبل المرجعيات السياسية وصناع القرار بينما الحسم يظهر جليا عند رفع الأسعار والضرائب. وهناك الضبابية التي تدفع الناس للتأويل والتهويل مما يشجع على التصعيد والبيانات النارية والإحتجاجات والإعتصامات وتحريك المياه الراكدة وبعدها تأتي الحلول السريعة والآنية لتضيف عبئا جديدا على الناس لتلهيهم بانتخاب مجلس نواب جديد أو رئيس حكومة يتزندق على أرزاق المواطنين أو إشغال الناس بأمر داخلي, وكلها مواد مخدرة لشراء الوقت وصرف نظر الأغلبية عن جوهر الحقيقة.
أراكم تتفقون معي أن الأردن يعيش في دوامة ما أن نغادر موقعنا حتى نعود إليه منهكون. الخروج منها بالنهج القائم ليس سهلا. لكن عندما تلتحم القيادة مع الشعب سيسهل الأمر. وهذا يتأتى بتقديم النصح الصادق من قبل البطانة والبطانة ليست أهلا لذلك مع الأسف لذا حسن الإختيار المتمثل بالمشهود لهم بغيرتهم على الوطن هو السبيل الوحيد للخروج من دوامتنا سالمين.
لقد قيل وطرح وكتب الكثير عن مشروع كيري والذي مؤداه الإعتراف بيهودية إسرائيل الذي سيقود للتوطين وطلب التعويض من الفلسطينيين أنفسهم كونهم كانوا "محتلين للأرض اليهودية" وهذه مسألة قانونية لن تفوتها إسرائيل بعد أن تحقق شرطها بالإعتراف بيهوديتها وسيكون لها "الحق" بذلك مثلما لنا نحن الحق الآن بمطالبتها بالتعويض والعودة. وربما تتغاضى عن التعويض مقابل التوطين. إسرائيل تتبع سياسة النفس الطويل والوصول لما تريد على مبدأ الخطوة خطوة فهي كلما تحقق هدفا تنتقل للذي يليه.
وما تجمله الأخبار الداخلية والخارجية مفاده أن الأردن يدور بفلك الإدارة الأمريكية التي يهمها بالمقام الأول مصلحة وأمن إسرائيل ولو كان ذلك على حساب الأردن والفلسطينيين. ولن يغير من قناعتنا ما نسمعه من عبارات الإطراء والمدح من الإدارة الأمريكية بان الأردن صديق مميز وشريك مهم وصاحب دور حيوي بالعملية السلمية. فهي عبارات لم تعد تجد لها سامعين ولا تتعدى كونها عبارات بروتوكولية يراد منها تعبئة الوقت وتلطيف الأجواء لإقناعنا أن الخير قادم, لكن الحقائق على الأرض تقول غير ذلك.
إذا أريد للأردن أن يبعد كل هذه المخاوف, فلا بد من تلاحم وتكاتف القيادة والشعب بعد اختيار بطانة غيورة وتفعيل دور المهمشين من الرموز الوطنية واستنهاض الهمم بعد الإتكال على الله ليتم التلاقي عند رأي الأغلبية الساحقة التي ترفض كل الطروحات الأمريكية التي تسعى باستماتة لتأمين ما تطلبه إسرائيل بتصفية القضية الفلسطينية على حساب الشعبين الأردني والفلسطيني. ونذكر أن للصمت نهاية وللمجاملة أسس وللصبر حدود.
لم نعد نعيش بزمن "التحصل دار" بل بزمن العالم الذي أصبح بفضل تكنولوجيا الإتصالات قرية صغيرة. والطاعة تطلب وتتوقع من الآخر عندما يضرب طالبها المثل بالتفاني والخوف والقلق على المصلحة العامة بدون تفريط بالحقوق وبدون التهاون بالمكتسبات وبدون الإبتعاد عن النهج القويم. وللعبرة والإتعاظ نستذكر المرحوم الملك حسين طيب الله ثراه عندما أحسن تقدير الموقف والتحم مع الشعب ولم يجامل بوش عندما عارض استعمال القوة العسكرية ضد العراق بزمن الشهيد صدام حسين.
حمى الله الأردن والغيارى على الأردن. والله من وراء القصد.