jo24_banner
jo24_banner

الغناء والحياة والتقدم

ابراهيم غرايبة
جو 24 : قبل أيام قليلة، كتب الصديق مثنى غرايبة على صفحته في "فيسبوك" عن الطائرة الورقية، متذكرا صناعتها بمساعدة والده، ثم محاولة تطييرها في الهواء. وذكرني على الفور، وربما يفعل معظم الناس مثلي، بأغنية فيروز "طيري يا طيارة طيري يا ورق وخيطان/ بدي إرجع بنت صغيرة على سطح الجيران/ وينساني الزمان على سطح الجيران/ ضحكات الصبيان وغناني زمان.. ردتلي كتبي ومدرستي والعمر اللي كان/ وينساني الزمان على سطح الجيران/ لو فينا نهرب ونطير مع هالورق الطاير/ تانكبر بعد بكير شو صاير شو صاير". وهناك أيضا رواية "عدّاء طائرة الورق" (kite runner) من تأليف الأفغاني خالد حسيني، والتي حولت إلى فيلم، ولقيت الرواية والفيلم إقبالا واسعا. وهي مناسبة لنلاحظ حضور الأغنية الأردنية في حياتنا. ويبدو لي أنه بدون فيروز فليس لدينا إلا "فلول" من الأغاني الحقيقية المستمدة من الحياة.
الغناء الأردني الذي نسمعه ينتمي إلى مرحلة مضت؛ مرحلة الزراعة، بمعناها الاجتماعي. ويغلب عليه أنه احتفالي ومخصص للمناسبات، وبعضه كان مصاحبا للأعمال كما هي الحياة في تلك الفترة؛ الحصيد، والبيادر، والرجاد، والسفر، والرعي، والسهر بعد نهار طويل وقاس. والقليل منه يصلح ليستمع إليه في الحياة اليومية في أثناء العمل أو في الراحة والتسلية على سبيل الاستمتاع والارتقاء بالحياة والحصول على متعة روحية وجمالية.
جرت محاولات جميلة ورائدة ومهمة لإنشاء أغنية أردنية في الاتجاه السابق، ولكنها مستمدة من مرحلة الخمسينيات والستينيات، بأهدافها وطبيعتها؛ بناء الدولة والمجتمع، المدن الناشئة وغير المكتملة، مستوى التعليم والثقافة المحدود، المهن والأعمال غير الراسخة. وبالطبع، فإنها لو تواصلت لأمكن تطويرها وإنتاج أغنية أردنية مستمدة من تراكم التجارب وتطورها وتطوير الذائقة الجماعية في الاستماع والفن والجمال بعامة. ما تزال الأغنية الأردنية حتى مع المغنين الجدد مواصلة لمرحلة ما قبل الدولة والمجتمع الحديث؛ أغاني احتفالية ومناسباتية، تبالغ في الفرح والحركة والإيقاع، وتفترض وجود تجمع لناس جاؤوا لأجل مناسبة ما وللمشاركة أيضا في الغناء والبهجة. ولا بأس في ذلك على أي حال، ولكنه ليس غناء يمكن وصفه بالفن الأردني، أو هو يجب أن يكون جزءا من الفن الأردني.
نحتاج إلى غناء نسمعه في أثناء العمل وفي السيارة وفي أوقات الفراغ والتسلية وفي اللقاءات والتجمعات الثقافية والفنية في المسارح التي نقصدها لأجل الاستماع، تستوعب حياتنا اليومية وهمومها وتعقيداتها، العمل والمهن والطقس والسهر والليل والنهار والسؤال والموت والخلود والمصير والثلج والبرد والماء والعولمة والحنين والهجرة والعودة وصراع الأجيال والمدارس والجامعات والجبال والأنهار والصحراء والسهول والكدح والعدل والمساواة والمبادرة والخوف والتنافس والمدن والبلدات والطاقة والغذاء واللباس والانتظار والشوق والنسيان والذاكرة والطرق والمنجزات والاخفاقات والذكريات والآلام والفرح والحزن والزمن والأرصفة والأشجار والمقاهي والكتب والجيران والنوافذ والأبواب والشرفات والسطوح والندى والغيوم والمقاعد والحدائق والمكتبات والأعشاب والزهور والفصول الأربعة والأمل واليأس والأطعمة والطهو والانتماء والمشاركة والأمن والدفاع عن الأوطان والتاريخ والسلوك الراقي الجميل والعلاقات وأسلوب الحياة. ولا بأس بشيء من الحب، أن نجد أنفسنا في الأغنية؛ ما نبحث عنه ويبحث عنا.
الغد
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير