jo24_banner
jo24_banner

"ما معنى أن تكون ناشطاً في حقوق الإنسان"

المحامي صدام ابو عزام
جو 24 :

إن الدفاع عن حقوق الإنسان يعتبر من المفاهيم الحديثة كمصطلح إلا أن مضمون هذا المفهوم موجود منذ القدم، وعليه ولعظم المسؤولية وجسامتها في الدفاع عن حقوق الإنسان فأنها تتطلب العديد من المبادئ والمتطلبات الأولية واللازمة لصيرورة أي عمل دفاعاً عن حقوق الإنسان، فإن النضال من أجل القضايا الإنسانية عملية مقدسة ولا تتأتي لأي شخص للعديد من الأسباب مردها داخلي و خارجي، الداخلي أساسه توافر العديد من السمات والمزايا الشخصية الأخلاقية لدى هذا الشخص والخارجية مناطها توافر المؤهلات العلمية والأخلاقية والخبرة العملية وقدرة هذا الشخص على إستيعاب كافة المستجدات، وعليه فأن من متطلبات ذلك توافر العديد من السمات الخُلقية والعملية لمن يأنس في نفسه ذلك. من ذلك إدارك عميق للمنظومة الأميمية لحقوق الإنسان من حيث الشكل والمضمون والنشؤ والتطور والتحول الذي مرت به هذه المنظومة، لأن إستقرار الفهم في التأصيل التاريخي متطلب لازم لفهم الحاضر والقدرة على التكيف مع المستقبل ، ولا يفوتنا القول بأن الدفاع عن حقوق الإنسان هو مهمة الشرفاء والأشخاص الذين نذروا أنفسهم لخدمة المصلحة العامة بصفتها مبتغى وغاية مجتمع الرفاه.


مناط ومسعى الدفاع عن حقوق الإنسان الإيمان بمبادئ العدل والكرامة والمساواة وعدم التمييز فلا أتصور مدافع عن حقوق الانسان لايؤمن بأبجديات هذه المبادئ ولا يدرك كنهها ، والدفاع عن حقوق الانسان يتطلب منظومة أخلاقية عالية ورفيعة لدى صاحبها تؤهلة وتخولة لكسب ثقة جميع الفرقاء لإنتصاره لقيم ومبادئ إستقرت في الضمير الانساني لا يستطيع إنكارها أو التنصل منها إلا جاحد.
الدفاع عن حقوق الانسان يتطلب تغليب للمصلحة العامه على المصالح الخاصة والضيقة مما ينفي عنها صفة التكسب أو الغنى الفاحش أو السعي لأرباب القضايا والقدرة على إتباع أعلى أسس ومعايير الشفافية والنزاهة والحرص على عدم نفي الطابع الطوعي الإنساني عند العمل في هذا المجال ولعل التاريخ يطالعنا بأن أساس ونشوء العمل الطوعي هو العمل لصالح الانسانية المجرد عن أي غاية أو نزوة أو أي نزغ من عمل الشيطان.


وعليه فأن مرتكز نشاط حقوق الانسان هو السعي لمجتمع الفضيلة فأي نشاط لا يتغيى حاجات المجتمع أو لا يشكل خطوة في البناء الأفقي والعامودي لسد حاجات المجتمع فهو رد، ولا يمكن بأي حال نعته بالعمل الإنساني مع التأكيد على ملازمة الموضوعية له – أي العمل – إذ ضوابطه قيم إنسانية ومبادئ ناتجة عن فهم عميق ودقيق مستقر ومتفق عليه من الجميع لا يختلف على مضمونه وجوهره إثنان، مما يزيد عظم وقداسة المسوؤلية في البحث عن الحقيقة وما تتطلبه من قدرة عالية في التحليل للوصول الى الحقيقة، التي لا يستطيع الوصول اليها إلا من يتصف بالموضوعيه بمحتواها العلمي التي تستند إلى أدلة علمية واقعية صالحه لبناء القناعة وتؤدي بالضرورة الى تلك القناعة لا الموضوعيه العوراء التي تسعى لتعزيز قناعة مسبقة بالبحث عن أدلة لها.


وعليه فإن البناء والتركيب الشخصي للناشط في حقوق الانسان البعيد عن أورام الذات هو ضابط عمل هذا الشخص ويمتزج ذلك بمكونات العمل العلمي. الناشط بحقوق الانسان ينأى بنفسه عن مواطن الشبهات وإذا ما طبقت عليه معايير الجرح والتعديل خرج بوصف الضابط العدل.


إذ من غير المقبول ولا المعقول أن يعتقد شخص بأنه ناشط بحقوق الانسان وفي خطاباته العامة يدعو للفضلية وفي حديثة الخاص يمارس الرذيله بأبشع صورها ويتصف ويدعو بالاقليمية والعنصرية إن ما يفزع ويؤجج الضمير الانساني أن تجد شخصاً يحمل أعلى الرتب العلمية والأكاديمية ومحل ثقة من الجميع لإتصافة بقدرات عالية في التضليل وفي خطابه الخاص يمارس أبشع إنتهاكات حقوق الانسان ويدعو الى العنصرية والاقليمية الضيقة بل ويحرض عليها ويشارك فيها ويقدم نصائح لأصحاب هذه الافكار المسمومة، أعتقد بأن مهمة نشطاء حقوق الانسان في المرحلة القادمة إماطة اللثام عن مثل هولاء الاشخاص الضعاف المصابين بداء ورم الذات السيكولوجي الذي لا يشعر المصاب به وقد يصل الى درجة التلذذ به بدلاً من الشعور بالالم وهو يجهل كنه تصرفاته بأنها تعويض عن شعور عميق بالنقص وإنعدام التوازن وتنحصر مهمته في دحض وإنتقاص والنيل من أي عمل نبيل.


هذه الخصائص وغيرها التي لا يتسع المقام لتفصيلها تشكل خطوة هامه للتوجه نحو البناء المؤسسي في عملية حقوق الانسان ولعل حالة الردة في بعض المجتمعات على مؤسسات حقوق الانسان ونشطاء حقوق الإنسان أسبابه ذاتيه في مجملها لا خارجية كما يتصور البعض بعدم قدرة المجتمعات على إستيعاب قضايا حقوق الانسان إذ من غير المتصور في هذا الزمان إطلاق وصف الجهل على عواهنة كوصف عام لمجتمع معين لأن ذلك يعتبر من قبيل إغلوطة التعميم المتسرع، إذ من الممكن أن تجد شخص أو مجموعة من الاشخاص لا يواكبوا معطيات العصر وتطوراته ولكن لا يمكن أن تكون هناك مجتمعات كاملة بهذا الوصف، وعليه فأن كل ما يعصف بمسيرة حقوق الانسان بمؤسساتها وشخوصها مردة حالة التأزم مع الذات وعدم القدرة على تطوير البنية الفكرية والمؤسسية للتواءم مع المنظومة الأممية بكل تجلياتها وخلق حالة من التوافق بينهما لتشكل هادياً ومرشداً للعمل ، ويجب أن يدرك الجميع إن لم يتم تدارك مثل هذه الهنات والإختلالات سيصبح العمل في هذا المجال مشبوهاً ومحل نفور عام هذا من جهة، ومن جهة أخرى ، ستصبح مؤسساتنا مستودع للبطالة المقنعة ومؤسسات ربحية بطابع حقوقي. وعليه بات من الضروري بل الملح أن نسعى فرادى وجماعات لتطوير البنى والهياكل المؤسسية ووسائلنا وأدواتنا وقدراتنا بما يلبي إحتياج مجتمعاتنا، ويجب أن لا يفهم الكلام في هذا السياق بأنه موجه وإنما لا يعدو عن كونه وصف لحالة راهنة وأزمة حقيقية.

تابعو الأردن 24 على google news