jo24_banner
jo24_banner

المتشابه والمختلف بين حالتي الإخوان المسلمين في مصر والأردن

ابراهيم غرايبة
جو 24 : هل تصلح تجربة الإخوان المسلمين في مصر للقياس في التقدير والتوقع في الأردن؟ ليست الإجابة "نعم" أو "لا"؛ ففي الحالتين سوف تكون خطأ، وسوف تظل خطأ حتى لو استطاع الإخوان المسلمون في الأردن تحقيق أغلبية انتخابية، لأن أسباب التقدم أو الفشل في الانتخابات بالنسبة للإخوان المسلمين في الأردن مختلفة بنسبة كبيرة عنها في مصر، حتى لو تشابهت النتيجة.
فالإخوان المسلمون في كل بلد يمثلون حالة مختلفة عن البلد الآخر. ولا يمكن الاستنتاج حول نجاحهم أو فشلهم بناء على تجربة بلد آخر. وبالمناسبة، فإن الإخوان المسلمين يحكمون أفغانستان منذ العام 2002، وهم قوة سياسية رئيسة في العراق وفي إقليم كردستان، ويحكمون السودان منذ العام 1989، ويشاركون في الحكم في الجزائر منذ أوائل التسعينيات، وكانوا على خلاف مضاد تماما مع جبهة الإنقاذ الإسلامي والثورة الإسلامية ضد الحكم الجزائري، بل كانوا مستهدفين من قبل الثوار الإسلاميين مثلهم مثل رجال الحكم وقادته. والإخوان يحكمون أيضا في غزة، ويشكلون أغلبية البرلمان الفلسطيني، ويحكمون في المغرب، ويحكم مناظروهم الأتراك في تركيا أو يشاركون في الحكم منذ أوائل السبعينيات، ويحكم مناظروهم الإيرانيون منذ العام 1979، ويحكمون في تونس.. ويشاركون أو يمثلون حالة سياسية مهمة في اليمن والكويت وأندونيسيا وليبيا وسورية. بمعنى أن ما حدث في مصر وتونس يجب ألا يكون مفاجأة، فنحن أمام حالة إسلامية متقدمة وزاحفة منذ السبعينيات! ولم يكن الأردن في معزل عن هذه الحالة، بل كان مبادرا بمشاركة الإسلاميين منذ الخمسينيات، وانعكس التقدم الشعبي والجماهيري للإسلاميين بمشاركة د. إسحق الفرحان في أوائل السبعينيات في الحكومة الأردنية.
الحالة الأردنية، إذن، ستكون جزءا من المشهد العام الذي يهيمن عليه الإسلاميون أو يشاركون فيه بقوة وفعالية. ولكن ما المختلف في الحالة الأردنية "الإخوانية" عنها في مصر؟
لا يشكل الإخوان المسلمون في الأردن حالة "مظلومية" كما كان الحال في مصر وتونس وسواهما من أقطار توجب مكافأتهم وإنصافهم على نحو استثنائي. ولذلك، فإن الوزن السياسي والاجتماعي للإخوان المسلمين في الأردن سوف يبقى كما هو في سياقه التاريخي والسياسي، يزيد أو ينقص ولكن بدون مفاجآت.
والحالة السياسية الأردنية أيضا مختلفة عما سواها من أقطار عربية أخرى. فالانتخابات القادمة لن تكون تحولا سياسيا واجتماعيا كبيرا كما حدث في مصر وتونس، ولكنها تجرى ضمن التطور السياسي الرتيب (الرتابة مدح وليست ذمّا)؛ فالانتخابات النيابية والبلدية والنقابية تجرى في الأردن منذ عقود طويلة بلا توقف، وموازين القوى الأساسية في الانتخابات ما تزال كما هي، وتتقدم وتتراجع في سياق متوقع.
إن الإخوان المسلمين في الأردن ليسوا حالة إسلامية شبيهة بالحالة الإسلامية في مصر والمغرب وتونس، ولا تركيا بالطبع.. وليسوا أيضا حالة وطنية واجتماعية تشبه حالة الإخوان في تلك الأقطار. فالإخوان المسلمون في الأردن من الناحية الفكرية جماعتان مختلفتان اختلافا جذريا وكبيرا عن بعضهما؛ أولاهما تيار يعبر عن الإخوان المسلمين في حالتهم العامة والتقليدية، ولكنه تيار قيادي ولا يمتلك تأييدا تنظيميا كبيرا ومتماسكا داخل الجماعة، ولذلك فقد تولوا إلى الظلّ بعد الانتخابات الأخيرة، مدركين بعد تجربة مريرة أنهم لا يستطيعون أن يتحركوا وفق رؤاهم وأفكارهم الحقيقية، ولا يصلحون في واقع الجماعة القائم وتركيبتها المستحكمة سوى أن يكونوا درعا واقيا يحمي الجماعات المتطرفة والانعزالية في الإخوان المسلمين، وضمانة للحكومة لضبط إيقاع الجماعة والتخفيف من سلوكها واتجاهها وتشكيل قدر من التفاهم والتعايش بين الحكومة والجماعة! أما الجماعة الثانية في الإخوان ذات الأغلبية والتأثير التنظيمي، وإن كانت تراجعت عن الواجهة منذ العام 1990، فهي تشكلات فكرية وسياسية أقرب إلى حزب التحرير.
ومن الناحية السياسية والوطنية، فلم يكن الإخوان المسلمون في الأردن حالة يمكن التجمع لأجلها، أو تصلح برنامجا سياسيا ووطنيا يعبر عن مصالح وتطلعات جماعات وطبقات في المجتمع، وتتجمع حوله وتتحرك لأجل تحقيقه، ولكنهم ظلوا على الدوام، ومنذ العام 1989، يعبرون عن مسألتين (كانتا وما تزالان موردا انتخابيا كبيرا) هما: القضايا والمطالب والأحلام الكبرى للأمة العربية والإسلامية، والتعبير السياسي والشعبي في دوائر انتخابية ومجتمعية محددة. ومن المحير (وربما المريب) أن الإخوان المسلمين برغم صلاحيتهم لأن يفعلوا ذلك لم يعبروا عن الطبقة الوسطى، بل إن ما حدث هو العكس: جرّ الطبقة الوسطى ضد مصالحها، وإلى خطاب ومواقف جماهيرية وغيبية مختلفة تماما عن طبيعتها الفكرية والاجتماعية. ولا بدّ من تكرار القول إنها كانت عملية موضع سرور وترحيب النخب السياسية والاقتصادية.
إن أزمة الديمقراطية في الأردن متصلة بقدرة الطبقة الوسطى على التعبير عن نفسها بكفاءة، ووعي الطبقة لنفسها وتاريخها وتراثها وموقعها في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وهي (الطبقة الوسطى) لا تجد نفسها اليوم في القوتين الرئيستين (النخبة السياسية والإخوان المسلمين). وبرغم تجربة الإخوان المسلمين الطويلة في قيادة النقابات المهنية المفترض أن تكون أفضل تعبير عن الطبقة الوسطى، فإنها تجربة أسهمت في إلحاق الطبقة الوسطى بالنخب السياسية والاقتصادية وتشتيتها وتفتيتها واستدراجها للعمل ضد مصالحها! وهكذا، فقد كانت محصلة العمل السياسي والعام درجة عالية من التواطؤ الذي يشبه التحالف بين الإخوان المسلمين والنخب السياسية والاقتصادية!
تابعو الأردن 24 على google news