هل وضعنا الداخلي جاذب " لداعش" ؟
تصيبنا الدهشة والحيرة عندما نستعرض المراحل السريعة التي من خلالها تشكل تنظيم "داعش" والمسميات المختلفة التي فرضتها ضرورات ومعطيات مراحل التشكيل والمتمثلة بانضمام وانفصال القوى المكونة لهذا التنظيم المتنامي والخطير. والخطورة نراها تأتي من أمرين.
الأمر الأول يتمثل بالفكر المتشدد والمتطرف الذي لا يؤمن إلا بما يعتقد, ويرفض الآخر رفضا قاطعا يصل لمستوى إقامة الحد على من يختلف مع نهجه السلفي المغرق والموغل بالتطرف وهو نهج تكفيري يقوم على مبدأ معنا أو ضدنا. وهنا لا مجال للتواصل والمحاججة والنقاش وهي الوسائل الحضارية لطرح أي صاحب رأي وفكر ما يؤمن به أمام الآخرين. فالدين الإسلامي قائم على الثوابت التي نؤمن بها ونطبقها جميعا دون اتخاذ التحجر والتخشب وسيلة للإنتصار على الآخر.
ومع التمدد المفاجئ والسريع وسيطرته على مساحات شاسعة من العراق وسوريا بعد انسحاب الجيش العراقي منها أو انهياره أمام هذا التنظيم المسلح والذي يعد انتصارا له, لا نملك إلا الإقرار بتزايد الخطر على دول الجوار ودول المنطقة أنظمة وشعوبا معا. والسؤال المطروح هو كيف لهذا التنظيم أن يصل من القوة والتسليح والإحترافية العسكرية من أن يبسط نفوذه وسيطرته ويحقق انتصارات أمام جيش نظامي موالٍ ومدرب؟! هل عناصره من الجيش العراقي الذي حله حاكم العراق الأمريكي بريمر والذي بناه المرحوم الشهيد صدام حسين؟ هل من دول تدعمه وتقوم على تسليحه وتمويله؟ هل كل ما يجري يأتي بسياق رفض الجمهوريين الأمريكيين للإنسحاب من العراق؟ هل الظروف تتهيأ لتأتي بتحقيق الهواجس المقلقة في المنطقة وبالذات فيما يتعلق بالأردن وفلسطين؟
أسئلة مشروعة وتكاد تكون حديث البلد والساعة وكلها برأينا قابلة للإجابة بنعم كبيرة والسبب ان عدم التوصل لحل للقضية الفلسطينية سيبقى المحرك للصراعات في المنطقة برمتها.
لسنا من أنصار نظرية المؤامرة بشكل دائم, لكن يحق لنا التساؤل عن وجود تواطؤ مدبر بخبث من نوري المالكي ليحقق رغبته المستميتة بالبقاء بالحكم والسلطة ومن ثم يعطي "داعش" كتنظيم سني المجال ليصول ويجول ويجند من السنة ما يستطيع وبالتالي يخلق المبررات المسوغة أمام العالم للإنقضاض على "داعش" ويمارس بطشه وسفكه للدماء بشكل أبشع كثيرا مما سبق له ومارسه على السنة. وإن حصل ذلك فسيكون تحقيقا لتمنيات وأوامر وليِّه الفقيه وتنفيذا لأحقاده الصفوية ولتدخل إيران لاستعادة أمجاد الماضي ومحاولة القضاء على السنة إيمانا منها بالأجر الذي ستناله بإيذاء السنة حسب عقيدتهم.
بالتأكيد هذا سيقود لاتساع الصراع الشيعي-السني الذي صنعته أمريكا ودعمته وتبنته إيران وربيبها الصفوي المالكي بمنتهى الأمانة. وهذا من شأنه إدخال المنطقة بصراع طائفي دموي يشغل الشعوب ويهلكها. والخوف من ان يرمي بظلاله على الجوار وعلى رأسها الأردن كدولة حاضنة للاجئين ومرحبة بهم على الدوام _ والأردن مثقل مسبقا بعدد اللاجئين _ وعلى دول الخليج العربي التي يشكل بها الشيعة قنابل موقوتة بانتظار ساعة الصفر. والخوف أيضا بظل هذه المعمعة من تسرب وتسلل الفكر "الداعشي" الذي نراه كالنار بالهشيم.
أما الأمر الخطير الثاني فيتمثل بالتوتر والتشنج الذي سيسيطر على الدول المجاورة أمنيا وعسكريا ومن ناحية الإستقرار والسياحة والإستثمار إذ نعلم أن رأس المال جبان وما أن ترى الدول المستثمرة ورجال الأعمال والشركات أن مصالحها تتعرض للعرقلة وعدم ضمان الربحية فلن تتوانى بالمغادرة ووقف مشاريعها التي من المفروض أنها ترفد اقتصاد الدولة المضيفة. وهذا يشكل ضربة قاصمة للإقتصاد المتدهور حتى بوجود الإستثمارات.
وتحصيل حاصل سينعكس ذلك على الحياة العامة اليومية للناس خاصة الطبقة الفقيرة لتزداد فقرا مما يشكل عبئا إضافيا على الدولة التي تقلق لصالح مواطنيها وهذا بدوره ينعكس على الإنتاجية والخطط المستقبلية إن كان هناك خططا مما يجعلنا غير متفائلين كثيرا بالمستقبل المنظور كحد أدنى.
وعندما نقر وللأسف بما يحتقن بصدور الناس من غبن بسبب ظروف العيش الصعبة التي جاءت بغياب الرقابة والمحاسبة وبغياب الإنتماء وانتفاء الشعور الوطني والغيرة وسيادة التهاون وغض الطرف عن الفاسدين مما سبب احتقانا واختناقا أديا لخلق المطلب الملح بالتغيير للنهج المتبع الذي ثبت عدم جدواه وانتظار توفر الظروف والأدوات التي ربما تخلق سبيلا للخروج من مأزق الإصرار على عدم التغيير والتصحيح. ومن خلال متابعتنا ومراقبتنا ولقاءاتنا بمختلف شرائح المجتمع نرى أن الكثير من الناس يرى ان الأدوات باتت متوفرة في ظل الظروف والأحداث المتسارعة ولم يعد إلا استخدامها. وهنا يكمن الخطر على الشعب والنظام معا لأن الوطن هو الخاسر بنهاية الأمر. لذا المطلوب الآن وللمرة المليون البحث عن وسائل للخروج من مأزق الشعب المحتقن والخطر الداهم على الأبواب. ولضمان تأمين الجبهة الداخلية متماسكة موحدة لا بد من العمل بجدية وصدق وإخلاص على إراحة الناس وتوفير سبل العيش الكريم ولن يتحقق ذلك إلا إذا برهنت الحكومة الحالية ولاحقاتها أنها تعمل فعليا لخدمة المواطن وليس لخدمة زمرة متنفذة فاسدة مفسدة وعابثة بمقدرات الوطن.
الكرة الآن بمرمى الحكومة لتكون أو لا تكون, لتعمل على راحة المواطنين أو لا تعمل. والأنظمة التي كانت تعمل وتحكم بمفهوم الخلود ها نحن نراها تنهار, والكيس من أدان نفسه. فلماذا لا نتعظ ونعتبر مما يجري من حولنا؟ لسنا بمنأى عن تبعات واستحقاقات ما يحدث بجوارنا ولسنا محصنين تماما من التسرب والتسلل والدس وخالقي الفتن الذين بين ظهرانينا.
جميعنا حكومة ومواطنين مدعوون لأخذ الحيطة والحذر. ونعلم يقينا ان أجهزتنا الأمنية التي نفتخر بأدائها تولي النواحي الأمنية اهتماما شديدا ومتواصلا, لكنها مدعوة أكثر من ذي قبل بأن تمارس دورها كاملا على الرقابة ومنع التسيب والترهل لإحقاق الحق الذي يساعد على الإستقرار وخلق الثقة عند المواطن نحو الدولة. وحتى نخرج من عنق الزجاجة لا بد من جعل المواطن على رأس الأولويات وعندها معظم الأمور العالقة والمقلقة ستتلاشى عندما تصدق النوايا وتتوفر الغيرة والإنتماء الصادق وليس الإنتماء التكسبي, فهل من متعظ ؟! نسأل الله السميع المجيب أن يجنب الأردن كل مكروه.
حمى الله الأردن والغيارى على الأردن والله من وراء القصد.